قبل كم يوم كتبت هنا عن الوحة المسروقة من المتحف المصري
واليوم انشر لكم هذا المقال
عدنان حسين أحمد
ربما لا يصدّق البعض أن عدد الأعمال الفنية المسروقة في العالم قد بلغ " 170.000 " عملاً فنياً موزعاً بين اللوحة الزيتية، والمائية، والرسم التخطيطي، والطباعي وما الى ذلك. وربما تزداد غرابة القارئ حينما يعلم بأن عدد لوحات بيكاسو المسروقة قد بلغت " 449 " لوحة كان آخرهما لوحتان مشهورتان وهما " مايا مع دمية " و بورتريه لـ " جاكلين " تُقدّر قيمتهما بـ " 66 " مليون دولار أمريكي سرقهما لصوص محترفون في سرقة اللقى والأعمال الفنية في 26 فبراير الماضي من منزل ديانا ويدماير، حفيدة بيكاسو، التي تقطن في الحي الراقي في الدائرة السابعة من باريس. وقد تمكنت الشرطة الفرنسية من إسترداد اللوحتين في السابع من أغسطس الجاري وهما بحالة جيدة. ويرى مركز توثيق اللوحات الفنية المسروقة أن السبب الكامن وراء إستهداف أعمال بيكاسو على وجه التحديد هو شهرته الفنية التي طبقت الآفاق، وغلاء أسعار لوحاته، إذ بيعت لوحة " صبي مع غليون " بـ " 104.2 " مليون دولار. كما أنه غزير الإنتاج وأعماله الفنية التي بلغت " 20.000 " موزعة بين أسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية الأمر الذي يجعلها عرضة للسرقة على رغم من الإحترازات والإجراءآت الأمنية المشددة على المتاحف وصالات العرض التي تحتضن بين أوان وآخر معارض إستعادية لبيكاسو في هذا البلد أو ذاك. ويعاني اللصوص غالباً من شهرة بيكاسو، وأسلوبه المعروف في الرسم والذي يحول دون بيع اللوحات في المزادات العالمية أو حتى في السوق السوداء. وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها لوحات بيكاسو للسرقة، ففي عام 1989 قام لصوص محترفون بسرقة " 12 " لوحة من منزل مارينا، حفيدة بيكاسو الأخرى، وقد أستُعيدت تلك الأعمال لاحقاً، وتقدر قيمتها المادية بـ " 17 " مليون دولار. أما أكبر عملية سطو تعرضت لها أعمال بيكاسو فكانت في عام 1976، حيث تمت سرقة " 118 " عملاً من أعماله الفنية من متحف مدينة آفينون الفرنسية. وجدير ذكره أن تجربة بيكاسو مرَّت بست مراحل فنية أساسية أجد من المناسب أن نتوقف عندها. وأول هذه المراحل هي ( المرحلة الزرقاء ) " 1901-1904 " والتي هيمن فيها اللونان الأزرق، والأزرق المخضَّر. كما تكررت في لوحاته شخصية المهرِّج. ويُرجِع النقاد سبب قتامة هذه المرحلة الى إنتحار كارلوس كاساكاماس، صديق بيكاسو المقرَّب. ومن أبرز لوحات هذه المرحلة " الحياة " و " الوليمة المتقشفة " و " وجبة الرجل الأعمى ". ثم أعقبتها المرحلة الوردية " 1905-1907 " التي تميزت بألوانها المبهجة كالبرتقالي والوردي، ولم يغب المهرجون عن لوحاته، لكن الشيء الجديد الذي برز في هذه المرحلة هو فردناندا أولييفه كنموذج لأعماله النحتية، وكانت تربطه بها علاقة حميمة. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التأثر بالفن الأفريقي التي إمتدت بين " 1907-1909 "، وقد أنجز بيكاسو عملاً فنياً مشهوراً يدعى " آنسات آفينون " والذي تجلى فيه الأسلوب التكعيبي أول مرة. وقد أصبحت هذه اللوحة محط أنظار النقاد الفنيين. أما المرحلة الرابعة " 1909-1912 " والتي أطلق عليها إسم المرحلة التكعيبية التحليلية حيث تطور الأسلوب التكعيبي على يد بيكاسو وصديقه براك اللذين إستعملا تقنية اللون الأحادي البني ودرجاته. وقد شخّص النقاد تشابه العديد من الأعمال الفنية لبيكاسو وبراك في هذه المرحلة لأنهما إعتمدا على أسلوب تحليل الاشكال الفنية. أما المرحلة الخامسة " 1912-1919 " والتي أسميت بالتكعيبية التركيبة فهي التي تجلى فيها إستعمال الكولاج أول مرة حيث ألصق بيكاسو قصاصات من ورق الجرائد على السطح التصويري لأعماله الفنية. بدأت المرحلة السادسة بعد الحرب العالمية الأولى وقد أسميت بـ " الكلاسيكية والسريالية " حيث رسم فيها بيكاسو أهم عمل فني على الإطلاق، وهو " الجورنيكا " والتي إعتمد فيها الأسلوب الكلاسيكي الجديد، وقد وصف النقاد هذه المرحلة بالعودة الى الأصل، كما عاد ديران وجيورجيو دو غريكو وبعض رسامي الموضوعية الجديدة. وتعتبر " الجورنيكا " أشهر عمل فني لبيكاسو يصوِّر بشاعة الحرب ووحشيتها. وقد ظلت هذه اللوحة الشهيرة معلقة في متحف الفن الحديث في نيويورك لسنوات عدة، ثم نقلت عام 1981 الى أسبانيا، وعرضت في كازون ديل بوين ريتيرو. وفي عام 1992 نقلت الى متحف رينا صوفيا في مدريد لمناسبة إفتتاحه. أما " تمثال بيكاسو " فيعد الأشهر بين تماثيله المعروضة في شيكاغو. يوحي شكل التمثال الخارجي بالغموض، إذ يمكن أن يكون شكلاً لحصان أو لطائر أو لإمرأة في الوقت ذاته. ويعد هذا التمثال من العلامات الفارقة في مدينة شيكاغو. أزيح الستار عنه عام 1967، وقد رفض بيكاسو في حينه أن يتقاضى مبلغ " 100.000 " دولار عن هذا العمل. وقد تبرع بالمبلغ المذكور الى أبناء المدينة. وفي الثلاثينات من القرن الماضي حلّ الميناتور محل المهرِّج " الميناتور: إنسان خرافي برأس ثور وجسم بشر " ويعزو النقاد ظهور الميناتور الى علاقته بالسرياليين الذين إستعملوه كرمز أيقوني في أعمالهم الفنية. وقد ظهر هذا الرمز في " الجورنيكا " أيضاً. أما اللوحتان اللتان تم إستردادهما فهما تنتميان الى مرحلتين مختلفتين من المراحل التي مر بها بيكاسو. فلوحة " مايا مع دمية " أنجزها بيكاسو عام 1938، مجسِّداً فيها طفلته " مايا التي ولدت عام 1953 من ماري تيريز والتر إحدى عشيقاته الكثيرات. وقد ظلت معلقة بأمل الزواج رسمياً من بيكاسو، لكنه مات ولم يحقق لها هذا الأمل الكبير، الأمر الذي دفعها للإنتحار شنقاً بعد أربع سنوات من وفاته. نفذ بيكاسو لوحة " مايا مع دمية " بالزيت على كانفاس قياس " 60×40 " سم. أما اللوحة الثانية فهي لزوجته الثانية جاكلين روغ رسمها الفنان عام 1961. عاش بيكاسو حياة مثيرة على الصعيدين الفني والعاطفي. وتوفي عام 1973 عن " 91 " عاماً.