الفن التشكيلي والتواصل
التواصل شكل مهم من العلاقة الإنسانية، الأعمال الفنية التي ينتجها المبدعون تتخذ قيمتها بتواصل المهتمين والناس بها، وبالتالي بينهم وبين منتجها، وعندما أقول منتجها فأعني الفنان أو المبدع، ولكن ماذا عن تواصل المبدعين ببعضهم؟
يعيش بعض المبدعين عزلة عن محيطهم خصوصاً عندما يتمثلون مشروعاً فنياً أو بحثاً يستوجب التفرغ والهدوء وبعداً عن أية مؤثرات أو ضجيج اجتماعي أو شخصي، وربما هي حالة كثير من المبدعين الذين لا تتغير علاقتهم الاجتماعية إلا بسبب مثل هذه الحالة التي تطرأ بين فينة وأخرى.
اعتقد أن العزلة مهمة لتحقيق فكرة ما، لكنها لن تكون دائمة، لأن الفنان من الطبيعي يحتاج إلى الناس وإلى الأصدقاء وإلى جمهوره. والواقع أن معظم المبدعين الحقيقيين أكثر بساطة مما نتصور فالجانب الإنساني عند كثيرٍ منهم بأهمية ممارستهم الفنية وعلاقتهم تمس بشكلٍ أو بآخر منتجهم الفني وعلاقة هذا المنتج بالناس وبالتالي تكون صلتهم أو صلة الناس بهم.
من الجانب الآخر قد تقوم صلة أخرى عندما يقوم الفنان في مثل بلادنا العربية بكل ما يتعلق بنشاطه، فعلى سبيل المثال المعارض الفنية لا تجد عندنا الاستجابة الكافية والمأمولة فتتطلب لتحقيق شيءٍ من ذلك اتصالات ومبادرات شخصية من الفنان نفسه تجاه المهتمين أو حتى الأصدقاء الذين يتخذ بعضهم مواقف شخصية من هذا أو من ذاك. الفنان في كثيرٍ من الأحيان هو صاحب الأعمال الفنية وهو المنسق وهو الذي يتابع المطبوعات وهو الذي يدعو الناس وهو الذي يتابع الاتصال بهم. إذاً فالجهد تعدى الدور المطلوب إلى شؤون إدارية قد تتفاوت من شخصٍ إلى آخر فيكون لهذا النشاط ما لا يكون لغيره فتظهر قدرة الفنان على تقديم نفسه أو لنقل تسويق فنه، فنلمس مقدار الفرق بين معرضٍ وآخر وان تقاربت المستويات.
يحدث أن يتعاون بعض الفنانين فيما بينهم إذا ما كان هناك نشاط شخصي لأحدهم وهو ما لمسته من سنوات عندما أعد أحد فناني مكة المكرمة لمعرض شخصي فقام بعض زملائه الفنانين بالوقوف معه. ربما تكون التجمعات الفنية حافزاً على تقوية الصلة ما بين الفنانين لكننا في الواقع لا نلمس هذه الصلة إلا عندما تكون هناك نية لنشاط ما يتم الإعداد له. أجدها فرصة للإشارة إلى أن تجمعاً في مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف قد نمّى علاقة فنية مهمة بين مجموعة أعضاء جماعة الفنون التشكيلية بالمركز التي نشطت بشكلٍ واضح خلال السنوات الأولى من إنشائها.. فنانو المدن الكبيرة ربما أقل التقاء عن فناني المدن الصغيرة وربما العكس عندما تكون هناك محطات لهذا الالتقاء كالمراكزالفنية التي يتصالح معها الجميع أو لنقل معظم الفنانين والمهتمين، وقد نتخذ مثالاً فناني الدوادمي على ذلك خصوصاً أنهم كانوا ولا أعرف وضعهم الآن يلتقون في مرسم نادي الدرع الذي أطلق كثيراً منهم، ومع ذلك فبعضهم مع نشاطه الخاص وقدرته على التحرك الفردي لم يقلل من وجوده على مستوى جماعته. قد يحدث الانعزال الفني أو حتى الاجتماعي، وقد نلمس ذلك لدى بعض الفنانين الذين يهمهم فنهم ونتاجهم بعيداً عن الانشغال ببعض الأمور السطحية التي تستنزف جهداً كبيراً.
الصلة بين الفنان والمجتمع أو لنقل على نطاق أضيق بينه وبين جمهوره الفني ومحيطه تتوثق من خلال عددٍ من الجوانب التي تُساهم على التقريب في الأفكار والتصورات والفهم فالحوارات والمناقشات، بل اللقاءات الدورية مطلوبة على المستوى العام وتبني المراكز الفنية وقاعات العرض تلك النشاطات تساعد على زيادة الروابط ما بين الفنانين، وبينهم والمبدعين الآخرين وصولاً إلى الجمهور، لكن مهام التجمعات الفنية لا تقتصرعلى إقامة العروض بل من المهم أن تعمل من أجل مزيدٍ من التقاء الأفكار والتصورات بل والنهوض بالمستوى الفني للجماعة.
منقول
[/b]