نظرية الجمال في فن التصميم
-1-
ترسخت فكرة الجمال في الفنون عبر العديد من المناهج والنظريات والآراء وعلى مدى زمن طويل، وكان لكل من تلك الرؤى وشائج قوية بحركة الحياة والمجتمع في كل زمان ومكان، والتي أدت بالتالي إلى تغير مفهوم الجمال ومعناه تبعها تغيير أهداف الفن ووسائله، ورغم التحولات الكبيرة التي خلقت أحيانا فهما متناقضا للفن ومعناه، إلا أن المحتوى الإنساني للتجربة الجمالية، كان ذلك الخط المضيء الذي ربط فن الكهوف بفنون ما بعد الحداثة، رغم تغير الاتجاهات والأساليب واختلاف التأويل والتفسير.
ولم يكن علينا نحن متذوقي الجمال ومن أخر سلسلة الأجيال فيه إلا إن نقدس ذلك الإرث الإنساني الذي كتب لنا أولى أبجدية الجمال، بل أسس لنا تلك الذاكرة الحية التي سوغت للإنسان سبب وجوده وشقائه. وانتجت له في ذات الوقت تراثا زاخرا بالاعمال الفنية العظيمة في مجالات الفنون والعمارة والتي انتجها العقل الابداعي الانساني.
وحقيقة كل ذلك التراث الخالد لم يكن ليصمد إلا بعد إن ضمته جدران المتاحف أو حولت العديد من تلك التحف المعمارية إلى متاحف، وفي كل الأحوال فقد نشأت فكرة المتحف، وبعيدا عن الفكرة البيروقراطية والسياسية للمتاحف، فإنها بدون شك كانت سببا في نشوء ذلك السجل الخالد للتراث الحضاري الإنساني رغم أنها عزلت الفن وقيمته عن الحياة اليومية للإنسان
إلا أن المتاحف كانت سببا في نشوء كل العلاقات المكونة للخطاب النقدي التاريخي وما نشأ عن ذلك من مناهج فكرية ونقدية كانت تشكل فلسفة الخطاب الجمالي للفن طيلة عقود.
وهكذا فان المتحف اختصر ذاكرة التاريخ المعقدة في الزمان كما اختزلها في المكان وجعلها شاخصة في الذاكرة الإنسانية، وفضلا عن القيمة الحضارية للمتحف كونه يمثل تاريخا متزامنا يضم مابين جدرانه ما هو روحي ومادي فانه يحتضن خطابا تصنيفيا ووصفيا وتكوينيا من خلال تنظيمه للمرئي، صانعها، تاريخها، حجمها، نوعها، تطورها وهكذا فانه يعيد الحياة إلى حضارات بادت ويجعل مكوناتها وأسباب نشوئها تحيا من جديد لتقوم بسلسلة إحالات ذاتية وداخلية فيما بينها ولتحرك ذلك الصدى الذي يكشف خطاب الأمس.(1)
لا شك أن دور المتحف كان أساسيا في عملية تنظيم التاريخ وبنية خطابه المتماسك داخل صيرورته وخطابه الحضاري بعد أن أدى دوره في بناء الثوابت الشكلية الموزعة على محور الزمان وأسس لسلم إحالات داخلية في مكنونات تلك المفردات الحضارية ليعيد نسقها الفكري وتأثيرها
لقد ورثنا تاريخ الفن من خلال المتحف وتاريخ كل الخطابات التشكيلية المتداخلة مع تاريخ الخطابات النقدية كما تتضح فكرة الجمال عبر ذلك النسق في كل من الأعمال الفنية الخالدة وتاريخ الفن والنقد اللذان لا ينفصلان عن المجتمع ومراحل تطوره. وقد أنجز ذلك النسق في إطار اشكاليته الحضارية منظومات مصطلحية جسد تلك الأنساق المفاهيمية في تلك المجتمعات وأصبح من الصعب تكوين ذلك النسق بعيدا عن أسئلة العصر الذي كانت تحيا فيه وبكل منجزاته.(2)
وأمام تقاطع الأنساق المعرفية في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين وتداخل منظوماتها المصطلحية. غدا من الطبيعي والضروري تعديل ذلك المخطط الذي يحتل النسق المصطلحي للجمال والفن وتحقيق شروطه الذاتية وإجراءاته المنهجية التي تعيش عصرا يشهد كل التحولات. من هذا المنطلق لم تعد فكرة الجمال في الفنون الحديثة وفي مقدمتها فن التصميم، تشكل نسقا مفاهيميا أو مصطلحيا مع هذه التحولات. ولم يكن الحكم على قوة تحولات فن التصميم ناتج عن قيمته الجمالية التي تدخل في صميم الحياة اليومية للإنسان، وإنما لارتباط فن التصميم بشكل حاسم وجوهري بتلك العلوم والمعارف المجاورة وعلى رأسها العملية الصناعية والإنتاجية والاستهلاكية ورأس المال ودورها في حياة الفرد والمجتمع
منقول