ايمان أسيري شاعرة معاصرة من البحرين، من مواليد المنامة عام 1952، من أوائل الفنانات التشكيليات في البحرين، كتبت عموداً دورياً لجريدة الاتحاد الإماراتية بين عامي 2000- 2001، كانت لها محاولات قصصية للأطفال عام 1985،
-------------------------
حينما تحضر الأنثى في فضاءات إيمان اسيري/ حسين الجفال
حين تتصفح كتاب الأنثى للشاعرة / إيمان أسيري ينتابك حس بأنك أمام حكاية نثرية رائعة ، تقدمها المرأة الحكيمة إلى مجموعة من أقوامها من الرجال وهي تشرح لهم مفهوم الأنثى متنقلة ما بين صفاتها التي تسبقها عليهن ، في الوقت الذي تمتص فيه غضب الرجال وتستل منهم معاني الوقوف سلبا أو إيجابيا من خلال وقوفهم المؤقت ورد فعلهم قبل الولوج إلى تعريف الصفة التي تسبقها على سلوكية هذه المرأة أو تلك.
كأنك تقف أمام حكاية سردية ، حاولت فيها الشاعرة الولوج إلى عالم التصوف تلميحا ، فالتسعة والتسعين ، لها مدلول مقدس في لغة الدين ، كأنها تريد أن تقول قبل أن تقول بأننا أمام كائن أنثوي مقدس.
لا شك أن العائلة بشكلها الأنثوي قد قادنا إليه علماء الانثروبولوجيا والعلوم الإنسانية منذ زمن بعيد فقادونا إلى مجتمع الأنوثة قيما ومكانة ، حتى تلك الآلهة القديمة الأنثوية في تاريخ الشعوب والتي كانت متعلقة بالخصوبة والقيادة لا لتفوق في جسدها بل لتقدير عميق لخصائص هذا الكائن وما يتمتع به من خواص روحية وتوافق صفات ذلك الجسد الأنثوي مع صفات الآلهة في الخلق والعاطفة.
لا شك أن كثيرا من الديانات قد اندثرت ، ولكن بقي أثرها في الحكايات السردية والشعرية حينما نقرأ ذلك الأدب عن الشعوب القديمة نجد حسا دينيا واعتقاديا سائدا يطبع هذا النص أو ذاك.
قد لا تعني التسعة والتسعون شيئا مميزا لغيرنا من الشعوب ، ولكننا بالتأكيد مرتبطون بأثر ديني يحمل هذا العدد إلى مصاف الآلهة ، هذا من الجانب الديني، حيث أن القداسة الإلهية قد ارتبطت بتسعة وتسعين صفة.
التسعة والتسعون ، وقبل الولوج إلى صفحات الكتاب الذي يقع في مائة وأربعة وأربعين صفحة من الحجم المتوسط ، يشي بالقداسة إلى هذا الكائن الأنثوي قبل الولوج إلى هذه الحكاية التي تلبست الشعر والسرد معا.
لقد جاءت هذه الصفات من امرأة تلبثت حالة الحكيمة ، كأننا أمام زرقاء اليمامة التي تخبرنا بمستقبل القوم وما يتربص بهم من أخطار ، فيأخذ القوم منها ضالتهم كي يقوموا مجتمعهم ويهيئون أنفسهم للدفاع عن مجتمعهم وفقا لرؤيتها.
هكذا نثرت الحكيمة والعالمة في قومها جملة من المفردات التي وقعت تحت عناوين تسعة وتسعين اسما هي كل هذه الصفات التي تسربلت بها هذه الحكاية السردية الطويلة في محاولة للتصنيف يتبعها رأي وموقف من قبل المتحدث ذلك الضمير الأنثوي الحاضر بقوة في ثنايا هذه الحكاية كي يوهمنا قسرا بسردية هذه الحكاية وتناقضها مع ما يحمله الشعر من مضامين تركيبية.
وهكذا تسللت إلى عقولنا :
ابتداء بالأنثى القديمة ، والأنثى السعيدة ، وانتهاء بالأنثى الوديعة.
هكذا اختزلت الشاعرة إيمان أسيري المرأة في تسعة وتسعين اسما أو صفة ، ورغم تنوع هذه الصفات بما تحمله من جمال أو قبح اجتماعي إلا أنها تسلط الضوء على بعض جوانب القبح وكأنك أمام باحثة اجتماعية توضح فيه أسباب تمتع المرأة بهذه الصفة وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد في لوحتها الشعرية الواحدة والعشرين تقول :
أجلسُ إلي لأقول عن أنثى كسلى
وتمضي قائلة :
هنا أنثى ليست أقل الإناث فتنة
لها ثوبان :
ثوب الدعة وشاحها
والآخر الكسل
صحيحة البدن ، سليمة في العقل
تكتمل بهيئة الهرة
خاملة ، مستلقية
أقصى ما تفعله أن تشير
قبل ارتداد الأصابع
يحل الطوفان ويرحل
لا حجم للحلم
ولا إحجام عنه
صغيت هذه الأنثى للنوم في المهد
وهكذا نجد بأن الكسل ليس إلا صياغة قسرية وضعت المرأة من خلال صائغها كي تكون بهذه الصورة ، ومع ذلك فإن قوتها تكمن في الإشارة بكل ما يحتويه الجسد من تفاصيل الإغراء.
وهناك صورة أخرى من صور القتامة التي قدمتها الشاعرة ، صور لا نكاد ندرك أسبابها والمتمثلة في المرأة الخائنة ، لا شك أن الشاعرة حاولت جاهدة تمرير جملة من الاستدراكات وكأنها تعبر عن حالة الاستغراب لدى الرجال من طبيعة هذه المرأة الخائنة حينما تقول :
هل شدكم نقاء المراكب
ثم هل فاجأتكم السحب
وهل نظرتم
سورة الموج إذا عصفت
وهل خلصتم إلى الأسباب
وهل قلتم:
هو البحر وهي المراكب
ثم هل عرفتم
كيف يغدر البحر
وكيف تغرق المراكب
هذه نظرة تعج بفلسفة يكتنفها الكثير من اللا فهم ، جملة من الأسباب هي وإن لم تكن عصية الفهم إلا أنها تجعل من الكريم بخيلا ومن الصفاء والنقاء موجا عاصفا لا يبقي ولا يدر.
إنها صيغ معبرة عن الانتقام ، فلا يهيج البحر بلا سبب ، لكأنها تقول لنا بأن حالة الطهر قد خدشت بما هو أقوى من طاقتها على التحمل ، فالعواصف والسحب والأمطار هي من عكرت نقاء المراكب وهي من حطمتها وجذبتها إلى أعماق البحر الثائر!!!
الشاعرة إيمان أسيري لم تقدم هذه النماذج بعيدة عن تلك الأفكار التي تعصف في ذهن الحكيمة ، وهي تدلل بما تشي به الأشياء من بردة ، وسبحة ، وكتاب ، ووصية ، وبساتين ، وغطاء رأس. كلها أشياء تشي بها الحضارة الإنسانية عبر العصور.
هكذا يكون البحث عن كينونة الأنثى ، عبر تاريخنا ، وعبر الصور الحضارية المختلفة والكائن الأنثوي مثله مثل أي كائن آخر يخلق صور التفاعل أو يتفاعل معها فيسلك سلوكا كي يطرق سلوكا مغايرا آخر بفعل تطور الظروف والأحداث التي يساهم المجتمع في إحداثها بفعل عوامل مختلفة.
لكنها تقول لنا دائما :
الأنثى المغدور بها أصبحت
ذئبا تخشاه الكلام
إذا إن كائننا الأنثوي ليس كائنا كسولا دائما ، ولا كائنا خائنا دائما ، وليس كائنا عطوفا دائما . هو إنسان يتأثر بما يجري على هذا الكوكب ، ولكن حذاري من الغدر به أو التلاعب بعواطفه فهو كائن أنثوي قادر على التحول . قادر على القيادة ، قادر على الاستفزاز ، مع احتفاظه بقدسية وطهارة الملائكة ، ومع امتلاكه زورقا مملوءا بالقصص والحكايات ، ومع امتلاكه كنزا من المحبة والبراءة.
في مجمل هذه الألواح السردية / الشعرية والتي ناهزت التسعة والتسعين لوحا ، قادتنا فيها الشاعرة إيمان أسيري إلى دواخل الأنثى لكي نعرف بعضا من ملامحها ولكنها لم تنحاز إلى محاكمتها بل إلى الوقوف معها لحظة بلحظة حتى في أنثى الليل فهي تتعاطف معها في بعض من جوانب المعاناة حينما تقول:
هذه (الكائن الليلي) لم يشرق وجهها للصبح
لم تعرف وضوء الفجر
وما قامت لإفطار
هذه (الكائن) تحفظ سر الليل والأسرار
تصاوير جميلة تشي بالتعاطف مع مأساة أنثى الليل ، التي يستفرد بها الليل ، والتي تعاني من عدم البوح بسره ، فكم كانت بارعة في تصوير الذات وهي تشي بعكس ما يخالجها من أفكار وما يضج بها من أسرار!!!
__________________