التسامح الديني ضرورة ام ترف ؟
محسن صفار
لم يشهد التاريخ إصطفافاً طائفياً ومذهبياً ودينياً كما يشهد اليوم فمنذ أواخر القرن الماضي بدأت معالم حرب من نوع جديد ترتسم قوامها الخلافات الدينية والطائفية بعد أن كانت الحروب قائمة على أساس الإختلافات في العقائد السياسية مثل الحرب بين الشيوعية والرأسمالية والقومية وما الى ذلك.
وشهد القرن العشرون ظهور حركات راديكالية لبست ثوب الدين وإعتنقت مبدأ الحرب بإسمه وضد كل من لا يتفق وعقائده وشهد العالم الإسلامي ميلاد ما يسمى بالإرهاب الإسلامي زوراً حيث أخذت منظمات مدعومة من الاستخبارات الامريكية والموساد ذات توجهات إرهابية قائمة على القتل والتدمير العشوائي بإسم الدين الإسلامي والإسلام منها براء بارتكاب افظع الجرائم في مصر والجزائر والسعودية والعراق ,واندونيزيا وقتل الكثير من المسيحيين في العراق ودول اخرى على ايدي التكفيريين واحرقت الكثير من الكنائس في العراق او فجرت ومازال العديد من رجال الدين المحسوبين على الاسلام زورا يصفون اخوتنا المسيحيين بالكفرة وعباد الصليب والى اخره من الصفات المهينة والجارحة .
وفي الجانب الأخر بدأنا نلاحظ التطرف الديني المسيحي المتمثل بالصهيونية المسيحية في أمريكا وعلى رأسها جورج بوش الإبن الذي يعتبر أن الله قد أرسله لكي ينشر السلام على الأرض عن طريق شن الحروب الواحدة تلو الأخرى!!! وبابا الفاتيكان الجديد الذي لم يتوقف ومنذ توليه المنصب عن مهاجمة الدين الإسلامي ومطالبة المسلمين بالتخلي عن القرآن ووصف الدين الاسلامي بالعنيف والامنطقي وآخرها تصريحه حول وجوب نشر المسيحية بين كل البشر كحل وحيد للوصول الى السلم العالمي محولاً الدين المسيحي من ديانة سماوية الى حزب شمولي يريد أن يرى الجميع على مبادئه وفقط ولحق به العديد من رجال الدين في اوروبا اللذين فتحوا النار على الاسلام حتى ان احدهم صرح في معرض حديثه حول اربع كنائس قررت الدولة اغلاقها لعدم وجود مرتادين ( لايهمنا ان تصبح هذه الكنائس اسطبلات للخيل ولكننا لن نسمح بان تتحول الى مساجد) اما الديانة اليهودية فحدث ولا حرج حيث ان حاخامات اليهود من الصهاينة قد ابدعوا في مجال تحليل القتل والتعذيب والابادة الجماعية لاتباع الديانات الاخرى .
أما المسلمين اليوم فهم على حافة حفرة من النار بين الأصولية السنية والأصولية الشيعية خصوصا بعد حرب العراق واعدام صدام مما أدى الى تقسيم العالم الإسلامي بشكل مرعب الى جناحين سني وشيعي وأصبح كل شيء يقاس ويكال بمنطق هل هو سني ام شيعي وطال العنف في العراق الطوائف الاخرى من مسيحيين وايزديين اللذين عاشوا مئات السنين جنبا الى جنب مع المسلمين في السراء والضراء ونفس المصيبة نراها بين المسلمين والاقباط في مصر والسنة والزيديين في اليمن والشمال المسلم والجنوب المسيحي في السودان وبوادر فتنة مذهبية بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين .
وأبرز الأمثلة على ذلك بيان علماء السعودية الذي كفّر الشيعة وخصوصاً المقاومة اللبنانية والمتمثلة بحزب الله واصفها إياها بالخطر الأكبر على الأمة!!! وفي المقابل نرى رئيس دولة اسلامية يتحدث عن كونه يتلقى تعليماته من المهدي السماء مباشرة وإن كل سياساته تتم بتعليمات منها!!!
في هذا البحر المتلاطم من التطرف بين كل الأديان والمذاهب الذي يضع العالم على حافة الحرب الدينية بكل أبعادها تأتي بعض الدعوات الخيرة للحوار بين الأديان والمذاهب والحضارات على أمل الوصول الى صيغة حل تكفل لكل دين ومذهب الحفاظ على عقائده دون المساس بالمعتقدات الأخرى كضرورة قصوى يعتمد عليها بقاء الحضارة البشرية وليست مجرد بروتوكولات كنوع من الترف والنقاشات الفلسفية و الدعاية والعلاقات العامة .
آخر هذه الدعوات كانت لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعقد حوار مكة لتقريب الأديان.
ولكن ومع كل هذه الجهود فإن الأمر يستلزم أكثر من مجرد مؤتمرات وحوارات لحل المشكلة حيث ما إن ينتهي المؤتمر حتى يبدأ كل واحد بسب الآخر وتسفيه معتقداته.
إن للنظام التعليمي دوراً كبيراً في نشر الكراهية بين الناس عبر تلقينهم بأنهم هم وفقط هم من على حق وصواب والباقي على باطل ويجب أن يكون النظام التعليمي في كل العالم أكثر تسامحاً وتشجيعاً للجيل الجديد على تقبل الآخر مثلما هو دون أن يعني ذلك تبني عقيدته.
كما أن الإعلام المعاصر يلعب دوراً كبيراً في إذكاء الفتنة ونشر العصبية الدينية والمذهبية ويجب أن تتخذ خطوات لمنع أي جهة من إستغلال وسائل الإعلام لنشر الحقد وثقافة التفرقة الدينية والطائفية والمذهبية وتشجيع الناس على عدم ربط مذهب الحكام بسياساتهم اي ان الحاكم السني السيئ او الحاكم الشيعي السيئ لايعني بالضرورة ان كل اتباع تلك الطائفة هم من الاشرار والمجرمين وكذلك فان اخوتنا المسيحيين في الشرق لايمثلون باي شكل سياسات الاوروبيين او الامريكان .
لقد عشنا سنيناً طويلة في كل العالم العربي جنباً الى جنب مسلمين ومسيحيين سنة وشيعة بأمن وسلام ويجب أن نفعل كل ما بوسعنا لتجنب الحروب العبثية القائمة على التعصب الديني والطائفي مثلما يحصل اليوم في العراق وبالأمس لبنان.
لن يلغي أحد عقيدة أحد ولن يقضي أحد على أحد ولن يستطيع أي بلد أن يعيش دون أن تكون طوائفه على حب وسلام وود ووئام.
الواجب علينا أن نترك التعصب والرغبة الدائمة في أن نفرض على الجميع أننا على حق غصباً على رؤوسهم ولنؤمن دائماً بأن الله خلقنا شعوباً وقبائلا وأديانا ومللا مختلفة لنتعارف ونتبادل ثقافاتنا وإن أكرمنا عند الله أتقانا أي أن الحساب عند الله وحده فقط وليس عند عباده فدعونا لا نضع أنفسنا في مقام الحكم على أشياء أكبر منا ولنسأل الله المغفرة لنا جميعا وليكن العيش المشترك وحب الجار شعارنا وهدفنا.