الفضائيات في بيوتنا ضيوف ام غزاة ؟ الجزء الاول
لا ينكر أحد أن لوسائل الاعلام المرئي دوراً كبيراً في عالم اليوم تتفاوت شدته حسب المجتمعات ومدى إنتشار الاعلام المرئي فيها واصبحت هذه الوسائل تدخل في كل جوانب الحياة من أدب وثقافة وسياسة ورياضة ودين حتى أن مثل هذه الوسائل أصبحت العامل الرئيسي الذي يحدد مصير الانتخابات في بعض دول العالم مثل الولايات المتحدة حيث يعتمد المرشحون على التلفزة بالدرجة الأولى لكسب الناخبين وأصبح التلفاز ساحة للمعارك الحربية حيث أصبح له دور كبير في تغيير نتائج المعارك والقتال خصوصاً في حرب غزو العراق عام 2003 حيث حسمت نتيجة المعركة على الشاشات قبل حسمها على الأرض.
كما إن دخول الاعلام العربي عالم الفضاء وانتشار القنوات الخاصة كان له اثر كبير في اثراء الثقافة وتواصل الشعوب وازدياد الوعي ولكن هذا الهجوم الكبير للإعلام المرئي على العالم العربي الذي كان وحتى سنوات قليلة مضت مغلقاً تماماً ما عدا قناة أو إثنتين تديرها الحكومة في كل بلد وفجأة أصبح في كل بيت مئات من القنوات العربية والأجنبية تبث من كل مكان وتستهدف المشاهد العربي في جميع المجالات وجميع الأعمار والأجناس والقوميات والطوائف والمهن حتى أصبح التلفزيون أهم صحن في كل مائدة هو من يجمع أفراد العائلة حوله وهو من يفرقهم.
ولابد لحضور بهذا الحجم والثقل من أن يكون له تأثيره في كل جوانب الحياة للإنسان والعائلة العربية ومنها الصحة النفسية والتي تعد عاملاً مهماً في سلامة الانسان العقلية والجسدية وتؤثر تأثيراً مباشراً على قدرته على الانتاج والابداع والعيش الكريم.
فما هي تأثيرات هذه الوسائل على صحة الانسان العربي النفسية بحسب تصنيف نوع الوسيلة الاعلامية؟
1- محطات التلفزة الاخبارية: تعتمد هذه القنوات في جميع أنحاء العالم على عامل الإثارة الخبرية وتصوير الأحداث وأحياناً كثيرة المبالغة فيها لجذب المشاهدين وكلما كان الخبر أكثر تشويقاً كلما زاد عدد من يتابعون هذه القنوات.
ولتحقيق هذا الغرض تحاول القنوات الإخبارية تسليط الضوء على كل حدث وخصوصاً الحروب والكوارث الطبيعية والمشاكل السياسية ثم تضيف من عندها الكثير من عوامل الإثارة الصوتية وإدخال التحاليل السياسية التي غالبا ماتكون مبرمجة مسبقا لإيصال وجهة النظر التي ترغب بها الى المشاهد وبسبب هذا التركيز على الجوانب السلبية في الحياة فإن الأبحاث التي أجراها علماء النفس أثبتت بما لا يقبل الشك بأن متابعي قنوات الأخبار الذين يصل الحال ببعضهم درجة الإدمان عليها يعانون من الكآبة بسبب المناظر المروعة والأخبار المحزنة التي تجعل الشخص يصل الى قناعة بأن الحياة سوداء وليس فيها أمل وليس فيها ما يستحق العيش لأجله.
إن متابعة بسيطة لقناتي العربية والجزيرة تجعل أي إنسان عربي يشعر بالإحباط من وطنه وقوميته وإقتصاده وكل شيء آخر في حياتنا اليومية فلا حديث لهم سوى عن الارهاب والقتل والدمار والاغتصاب والتعذيب والسجون .
أنا لست هنا في صدد مدح أو ذم هذه القنوات ولكن عملها وطريقة تغطيتها للحدث تصيب المشاهد العربي بالكآبة التي ليس بحاجة إليها طوال الوقت فنحن على الرغم من كل المشاكل التي تعانيها أوطاننا لسنا أمة بلا أمل ويمكننا أن ننهض من واقعنا المزري لنأخذ دورنا بين الأمم وذلك عن طريق التشجيع وليس الإحباط .
ناهيك عن الدور الرهيب في نشر الفتنة الطائفية عبر اذاعة الاخبار بشكل مبرمج حيث يتم التركيز على طائفة القاتل او اوالقتيل لاثارة الاحقاد والاضغان وهو ماحصل خصوصا في تغطية اخبار العراق حيث لعبت هاتين القناتين دورا كبيرا في تاليب الطائفتين السنية والشيعية على بعضهما في العراق .
كمثال أقول من يرى الأخبار عن الصراع السياسي في لبنان يتصور أن اللبنانيين كلهم قابعين خلف المتاريس وكل واحد يمشي ومعه كلاشينكوف ولكن الواقع أن لبنان على رغم كل المشاكل بلد حي يمارس فيه الناس حياتهم العادية يعملون ويدرسون ويتزوجون وكل شيء.
2- القنوات الترفيهية : هذه القنوات التي تعتمد على الرقص والغناء كمادة أساسية لبثها وطبعاً مع تطعيمه بكثير من الإيحاءات الجنسية عبر الحركات والثياب ظهرت الى الوجود مع ظهور تقنية الرسائل القصيرة وإمكانية جميع المداخيل منها وبسبب كثرتها فإنها أصبحت بحاجة الى كم هائل من الكليبات لإستمرار بثها مهما أدى بها الى ادخال كل من هب ودب الى عالم الغناء وأصبحت عارضات الأزياء والممثلات وغيرهن يدفعن حدود 50000 دولار أمريكي لدور الانتاج ويحصلن على فيديو كليب تكون مادته الأصلية جسد المؤدية وليس صوتها والتي تحصل بعد ذلك على المال الذي استثمرته إضعافا مضاعفة .
ولأن المجتمع العربي مجتمع محافظ بطبعه خصوصاً من ناحية ثياب المرأة وحركاتها فإن مجيء مثل هذه العارضات/ المطربات اللواتي قام معظمهن بالعديد من العمليات الجراحية التجميلية للحصول على مميزات جسدية نادراً ما تتوفر لدى المرأة بشكل طبيعي ناهيك عما تضيفه المؤثرات الضوئية والمكياج الى شكل الفنانة فقد جعل منهن أيقونات جمالية يحلم بها كل شاب ورجل عربي مسببة ما يسمى بالإحباط الجنسي تجاه زوجاتهم حيث أن الرجل عندما يقارن بين أي إمرأة عادية وهؤلاء الفنانات فإن المرأة العادية تفقد جاذبيتها وأنوثتها وهو ما سبب الكثير من حالات الطلاق في العديد من الدول العربية وخصوصاً ذات الطبيعة المحافظة الأكثر محافظة مثل السعودية ودول الخليج وادى الى انتشار ظاهرة رهيبة هي اقبال الشباب العربي على الزواج من فتيات اجنبيات خصوصا من اوروبا الشرقية لمجرد مظهرن الجذاب ناسين او متناسين الفرق الشاسع بين ثقافتنا وثقافة تلك الشعوب والتي تجعل مثل هذا النوع من الزواج كارثة اجتماعية ونفسية بكل معنى الكلمة .
كما ان الكثير من الفتيات العاديات أصبح لديهن شعور بالنقص عندما لايجدن في انفسهن تلك الميزات التي تتمتع بها العارضات والمطربات وهو ما يولد نوع من عقدة الاحتقار للنفس وعدم الثقة والسعي المداوم لتحسين المظهر عبر العمليات الجراحية التجميلية التي ارتفعت نسبتها بشكل خيالي في جميع الدول العربية حتى ان احد البنوك في لبنان اصبح يمنح قروضا للعمليات التجميلية .
كل هذا وفي ظل غياب أي برامج ارشادية تربوية تساهم في زيادة الوعي لدى الجنسين حول المعنى الواقعي للحياة والزواج وعن نسبية الجمال وارتباطه الوثيق بالمشاعر اصبح يهدد مجتمعاتنا بخطر كبير وهو العنوسة حيث بلغت نسبة العنوسة في العالم العربي مستويات قياسية في الأعوام الأخيرة .
* هذه الدراسة نشرت سابقا على مدونتي واعيد نشرها للفائدة