العودة الى الحياة
منى علي المطوع
حاولت ان تلملم افكارها قبل ان تتوجه إليه .. فكرت كثيرا بالطريقة التي تبدء فيها الحديث معه وشعرت في لحظات انها تود التراجع عن هذه الخطوة والرجوع من حيث ما جاءت ..
انتبهت الى صوت المضيفة وهي تطلب منها ربط حزام الامان كون الطائرة ستقلع بعد دقائق .. ربطت الحزام ثم تمددت بمقعدها وقد اسندت برأسها على مقعد الطائرة واغمضت عيناها وهي شبه مسترخية تحاول ترتيب افكارها شبه المبعثرة لتحدثه بها ..
وهي بالطائرة اخذت تنظر الى النافذة التي بقربها وتراقب مشهد الغيوم البيضاء التي بدى وكأنها تسبح في فضاء السماء الزرقاء وقد بدى المنظر خياليا لا منظرا طبيعيا .. في لحظات قليلة تمنت ان تكون محل هذه الغيوم الجميلة .. تمنت لو انها تستطيع ان تطير وتسبح في فضاء السماء الزرقاء كما تشاء دون قيود .. بعيدا عن الناس .. بعيدا عن الارض.. بعيدا عن العالم كله .. تنهدت وقالت " سبحان الله " ثم رجعت لتغمض عيناها ..
نزلت من السيارة التي اوصلتها الى منزله وهي تشعر بأن العالم هذا بأسره يدور بها .. اول ما نزلت من السيارة شعرت بشيء من الخوف وهي تتذكر انها بعد دقائق عديدة ستدخل وتكلمه ..
بخطوات بطيئة كانت تشعر من خلالها بانها تسير وكأن جبال العالم كلها على صدرها وصلت عند باب منزله .. شعرت بان قلبها والذي تشعر بانه ثقيل جدا قد هوى من الخوف ..
" ماذا اقول له ؟ .. كيف اتحدث إليه " كلمات جاءت ببالها وهي تدق جرس الباب .. فتحت الخادمة الباب وطلبت منها التوجه الى مكتبه .. " دكتور عبداللطيف " هو احدى اقاربها والذي قدر الزمن ان يكون تواصلها معه خفيفا كونه يعيش ببلد قريب من وطنها .. هو عمها لابيها من جانب الاب فقط .. لا احد يعلم انه عمها سوى عدد قليل من الناس ..
كانت ترتاح عندما تتكلم معه لانها تشعر بانه اباها الذي فقدته منذ صغرها ولانه يشابهه .. في آخر المرات التي تحدثت معه فيها طلب منها ان لا تكلمه ابدا ان لم تأتي إليه يوما وقد فعلت ما طلبه منها .. لم تستطع ان تجيب طلبه ولم يستطيع ان يكسر كلامه فطلب منها ان لا تكلمه ابدا .. كان انسان حازما .. عندما يقول امرا لا يتراجع عنه ابدا ..
شعرت بانها لا تستطيع الصمود اكثر وهي جالسة تنتظره على احد الكراسي المقابله لمكتبه الذي كان خاليا من تواجده.. حاولت ان ترتب كلماتها له لتقول له ما تريده فخنقتها العبرة التي بداخل قلبها الموجوع و بكت .. جلست تذرف الدموع بصمت وتقاوم حتى لا تتمادى فتتحول دموعها الى بكاء شديد لا تستطيع السيطرة عليه .. اطرقت برأسها للارض واخذت تصك على اسنانها بقوة وهي تحاول ان توقف دموعها وقد ضغطت بيدها على قدمها لتسيطر على نفسها .. كانت تحاول ان تصمت ولم تستطع ..
لم يندهش عندما دخل الى مكتبه ورآها على حالها .. كتم ابتسامة بداخله وهو يراها .. فرح لانها اخيرا عادت إليه .. كان متأكدا بانها ذات يوم ستعود إليه وهي بهذا المنظر .. كان ينتظر فقط موعد عودتها وانتبه الى ان ذلك كان منذ سنة كاملة مرت دون ان يكلمها مكتفيا بما يسمعه عنها من هنا وهناك ..
لاحظ انها ليست الانسانة التي كان يعرفها سابقا .. تغير وجهها الضاحك .. لمح سوادا شديدا تحت عيناها الحزينتان ففهم انها امضت اياما عديدة من السنة التي لم يراها فيها في البكاء المستمر .. انتبه ايضا الى ان جسدها بدى ذابلا وانحل من السابق .. بلمحة سريعة استنتج امورا عديدة عنها ..
ناولها منديلا وجلس مقابلها يتأملها .. حاول ان يخفي تعاطفه معها .. قال لها ببرود حاول تصنعه : عندما تنتهين اخبريني وعاد لصمته .. بعد نصف ساعه من محاولات فاشله لمقاومة الانتهاء من البكاء توقفت !! .. بصوت مملوء من الشجن ومبحوح من بكاء كان واضحا انه استمر طوال الايام التي سبقت قدومها اليه قالت " آسفة لانني لم استمع الى كلامك و … " لم تعرف كيف تكمل كلامها وشعرت بانها ترغب بالعودة الى البكاء ..
تنهد وقام من مكانه .. كان واضحا انه يشعر بالغضب الشديد .. قبل قدومها حاولت الاتصال به .. لم يجبها .. فكتبت له رساله هاتفية طويلة تخبره بما حدث .. كان يعلم بان هذا السيناريو سيحدث .. وكان يتوقع الاسوأ دائما ..
قال لها بلهجة تخلو من التعاطف " قلت لك مرارا ولم تسمعي كلامي .. انت تصنعين ظروفك لا ظروفك تصنعك .. كل ما حدث لك كان بيدك ان تصلحيه ولم تفعلي .. لم تسمعي كلامي ابدا ولم تعطيه اهمية في حياتك .. ظننتي انك ذكية فجعلك اغبى انسانة امام العالم كله .. قلت لكي دائما هذا الاحمق الذي احببته سيؤذيك .. لن يفهمك ابدا لانه لا يعرف التعامل مع شخصية كشخصيتك .. سبق وان حذرتك .. وسبق ان حاولت كثيرا التدخل بموضوعك وكنتي دائما تظنين نفسك لست بحاجة لهذا التدخل .. ماذا بعد ؟؟ هل ستعدين نفس اسطوانة احزانك وتسردينها لي ؟ ستقولين لي اني مجروحة لان امي تركتني وانا صغيرة وتزوجت بآخر ؟ ان اخوتي منها سرقوا مالي ورموني بالشارع ؟ ان جميع من اعرفهم تنكروا لي ؟ ان اعز صديقاتي خطفها المرض عني و توفت ؟
عادت للبكاء بشدة وبدى ان ردة فعله وكلامه لها صدمها .. تظاهر بانه لا يسمع ولم يلحظ ذلك .. واصل كلماته : متى تدركين قيمة نفسك ؟ متى تتعلمي كيف تكوني انسانة تقود نفسها قبل ان تحاول ان تقود الاخرين ؟ متى تتعلمين السيطرة على مشاعرك وتكوني قائدة قلبك ؟ متى تفهمين ان ما تشعرين به تجاهه هو شيء يسكن خيالك فقط لا واقع له .. اعلم تماما تفاصيل ما حدث وقد تندهشين كثيرا لذلك .. الشخص الذي عرجتي له انا من اوصيته ان يتصل بك ويكلمك .. هل تظنين انني طيلة السنة الماضية لم اكن اتابع امورك ؟
" تابعت امرك كثيرا وتملكني الغضب على حالك وما تفعلينه بنفسك كثيرا ولم اود التدخل لانني انتظرت طويلا ان تأتي إلي هكذا .. بمنظرك البائس هذا حتى اقول لك ما اقوله الان .. لا اقول لك انسيه وانسى كل ما حدث لك .. لا .. لا اريدك ان تنسيه ولا ان تنسي كل من خذلك .. بل اريدك ان تضعيهم امامك كتحدي وتتغلبي عليهم .. لا تقولي لا استطيع .. لا تقولي صعب ومستحيل وما حدث لا يمكن نسيانه وكلام اود ان اهشم راسك بقبضة يدي عندما اسمعك تقولينه ..
انا ضعيفه .. انا لا استطيع ان استحمل .. انا سآسافر للعيش في بلد آخر .. انا ارغب بالموت .. صدقيني ان الموت يخجل ان يخطف انسانة مثلك من هذه الحياة ..
انتي قوية كثيرا وان كنتي لم تدركي ذلك فانت ساذجة جدا .. كل ما في الامر انك تظننين ان موضوعه وقضيته التافهه هي اكبر من كل ما مررتي به وتوهمين نفسك دائما بانك امام كل شيء قوية الا هو ..
قاطعته : لا استطيع ان استوعب ما حدث .. هل تظن ما فعله بي سهل جدا .. قلبي لا يقوى … هل تدرك الى اي حد هو صدمني بما فعله ؟ هل تفهم كم استغلني و ..
شعر وهو يلحظها تتكلم بانه لافائدة من الكلام معها .. مل من كلامها المكرر وسيناريو قصتها معه .. مرت اكثر من سنة على هذا الحال وفي كل مرة يأمل ان تتغير لا تتغير بل تزيد حالتها سوءا .. شعر انه لابد ان يتصرف معها لتعي وتستدرك ما تفعله وشعر بانه لن يجد فرصة كهذه الفرصة ليلقنها درسا من كل ما حدث .. توجه نحوها واخذها من يدها وشدها لتسير معه الى الخارج .. كانت تحاول ان تفهم ما الذي ينوي فعله وشعرت بالخوف وهي تفكر بانه ربما سيقتلها او يسجنها او يفعل شيئا مؤذيا لها .. ظنت بغباء انه ربما يود أخذها الى مكان آخر للكلام معها ..
لاحظت انه يتوجه معها وهي تسير معه في باحة منزله الخارجية الى حوض السباحة الكبير .. للحظات شعرت بما ينوي فعله فصرخت فيه لااااااا ارجوك لا تفعل ..
كانت لا تعرف السباحة ولا تجيده منذ صغرها وتخاف كثيرا من السباحة في برك غزيرة العمق .. لم يكن هناك شيء يرعبها في صغرها غير الاقتراب من حوض سباحة كبير .. هذا الخوف لم ينشأ فطريا بل نتيجة حادث وقع لها وهي صغيرة ببركة السباحة هذه التي في بيته .. كان عمرها ست سنوات عندما وقع لها هذا الحادث .. غافلت اهلها وتسللت نحو حوض السباحة الكبير وقد اخذت تركض بالقرب منه وتحاول ان تكتشف ما بداخله .. وهي تركض ونتيجة للماء المتناثر حوله انزلقت قدمها وسقطت في بركة السباحة .. اخذت تصرخ ولولا لطف الله لكانت في عداد الاموات .. أنقذوها فظلت بعدها لا شيء يرعبها ويخيفها كما برك السباحة الكبيرة الحجم ونتيجة لهذا الخوف لم تتعلم السباحة أبدا فرغم تقدم السن بها ظلت لا تقرب اي بركة ..
كثيرا ما قالت في كبرها وهي تتذكر ذلك اليوم المأساوي " ليتني مت يومها وانا بعدي طفلة صغيرة لم يقدمني كبر سني الى هذا العالم الموحش " … طلب منها مرارا ان تتعلم فكان ردها الدائم له : لا اعرف .. اخاف .. حاولت التغلب على خوفي والتعلم ورغم ذلك لم اتعلم .. انا انسانة لا فائدة معي ..
حاولت ان تفلت يدها من قبضته وتهرب فسحبها واخذ يجرها جرا .. بدت كالانسانة التي ستواجه موتا لا مجرد بركة سباحة عادية .. حاولت ان تمسك بذراع الكرسي الخشبي الكبير الموضوع في حديقة منزله فأفلت يديها منه .. اخذت تصرخ : ارجوك لااااااا .. لم يمهلها لتكمل مقطوعة خوفها وكلماتها المكررة .. حملها ورماها في البركة مع صراخها واستنجادها بأي شخص متواجد في منزله .. تعمد ان يرميها في وسط البركة الكبيرة تماما بحيث لا تستطيع ان تسحب نفسها قليلا وتمد يدها لتمسك باحد اطراف البركة وتنجو ..
اخذت تصرخ بشدة وهي تقاوم المياه القوية التي تجرها الى داخل البركة الغزيرة .. كانت مرعوبة بشدة وتكاد لا تصدق او تستوعب انها بداخل البركة .. البركة نفسها التي حاولت في صغرها ان تسرق سنوات عمرها منها وتتوفاها .. ظلت تحاول الخروج وقد اخذت تقفز وتحاول ان تبحث عن أي شيء تمسكه لتخرج وهي مرعوبة من فكرة انها بنفس البركة التي تخافها كثيرا .. " سآموت وربي سآموت .. النجدة "
قال لها ساخرا وهو واقف امام البركة يتابعها : لا تقلقي ليس هناك احد بالمنزل سواي وسوى الخادمة وقد اشرت على الخادمة وهي تسير الى مكاننا من بعيد ان لا تاتي الى هنا وتعود ادراجها فـ " المدام " والابناء مسافرين ..
اخذت تحاول ان تتصنع بانها تموت .. سآموت الماء يدخل في فمي ومن انفي .. لا اعرف السباحة ارجوك سأموت وربي .. ماء البركة كله و" الكلور اللي فيه " شربته .. سأتسمم .. سأموت .. قال لها ساخرا : اذن لما صوتك اسمعه يصدر بهذه القوة رغم ان المياه تدخل في حلقك .. يبدو ان هناك سرا في " كلور " بركتنا !!
وهي تقاوم وتشعر بان ماء البركة اقوى من حركة يديها وقد شعرت بانها ستغرق فعلا وستموت غريقة .. بدأت تفقد اعصابها فاخذت تصيح فيه : هل انت مجنون .. هل جننت .. اذا خرجت من هنا حية اول ما سافعله هو التقدم بشكوى ضدك لانك حاولت ان تقتلني .. ظلت تضرب بيدها في كل مكان وتحاول ان تطفو .. ظلت تحاول ان تحرك يديها وقدميها وترفع بجسدها الى الخارج وقد شعرت بانها المياه قد اخذت تجعلها تغوص الى قاع البركة .. شعرت بان كل ما تفعله هباءا وان المياه اقوى من حركة يديها وقدميها العشوائية .. شعرت ان المياه تحاول ادخالها الى قاع البركة بقوة لتغرقها ..
ابتسم وهو يتابعها واخذ يسير قرب البركة ويتظاهر بانه ينظر الى ساعته وينتظر موعد غرقها وموتها ويحسب الوقت لها .. قالها لها : صدقيني لن اخرجك من المياه وانتي تعلمين انني عندما اقول كلمة لا اتراجع عنها ابدا ..
غابت تحت المياه مدة وكأنها اعلنت استسلامها .. شعرت بانه عندما يراها تدخل الى داخل المياه سيخاف عليها ويأتي لانقاذها .. شعرت بجسدها يهوي الى الداخل وكأنها اقتربت بصدق من قاع البركة وشعرت بان الاكسجين الذي لديها بدأ ينفذ.. احست بالاختناق الشديد .. ارادت ان تصرخ فدخلت المياه في جوفها بصدق .. غاب عنها صوت الخارج تماما ..
شعرت هذه المرة بالاختناق الشديد .. اخذت تشهق وكأنها تكح داخل الماء فشعرت بان انفها والذي حاولت ان تستنشق منه بدى يحرقها ويؤلمها وان الماء قد تسرب بصدق الى داخل جوفها .. في ثواني معدودة وبشكل سريع جدا .. اخذت تحاول الخروج بجدية.. حركت قدميها بقوة .. حاولت الارتفاع بشدة وهي تشعر بأنها ان لم تتصرف ستموت حقا .. حاولت اخراج المياه من فمها فدخلت مياه اكثر وبدى ان هناك فقاعات قد اخذت تخرج منه .. حاولت ان ترفع بجسدها او تقفز او ان تفعل اي شيء وبنفس الوقت ان تضبط حركة قدميها ويداها .. انتبهت الى انها قد انكمشت بجسدها وكأنها تضعط عليه وقد طوت يديها وقدميها وجعلتهما قريبتان من صدرها .. انتبهت الى ان ما فعلته كانت طريقة خاطئة جدا عملت على ان ينزل جسمها بشكل اسرع الى داخل القاع ..
عندما شعرت بان قدميها اقتربتا من القاع حاولت ان تدفع بقدميها وبجسدها كله الى اعلى وهي تحرك يداها بشكل قد بدى انها متناسق مع حركة قدميها وكأنها واخيرا قد وجدت طريقة السباحة التي ستمكنها من الخروج .. سحبت نفسها بقوة الى الخارج .. كانت تشعر انها كلما ارتفعت بان المياه تحاول ان تعيدها الى الداخل بقوة فتظل تحاول ان تزيد من قوة يديها وهي تسبح وان تعدل من وضعيه جسدها .. حاولت ان تجعل جسدها يطفو ويكون متناغما مع المياه وخفيفا بدل ان ان تنكمش وتضغط عليه بشدة للخروج .. حركت يداها وقدميها بقوة وارتفعت .. شعرت بانها تركل المياه بقدميها وان يديها قد اخذتا تدفع الى اعلى لتظهر على سطح البركة .. شعرت وهي تحاول الصعود بسرعة بانها ان لم تخرج بصدق فستختنق كون الاكسجين نفذ منها تماما ..
فجأة .. خرجت بقوة من المياه وكأنها تحاول القفز وبصقت بالمياه ثم عادت الى الداخل .. شعرت بان المياه ستعيدها الى مكانها .. الى تحت .. الى قاع البركة مرة اخرى .. في اقل من ثانية تذكرت انها لم ترى عمها واقفا امام البركة .. تذكرت ايضا ان انكماشها وضغطها على جسدها هو من سيعيدها الى داخل القاع .. اخذت تقاوم مياه البركة وكأنها في صراع معه .. وكأنها في حرب معه .. اما ان تهزمه او يهزمها هو ..
شعرت بان عنادها السابق وقوتها قد رجعت إليها .. لم تعد تفكر في خوفها من البركة .. لم تعد تفكر فيها كشيء عاشت طيله سنوات عمرها تخاف منها نظرا للحادثة الاليمة التي حصلت لها معها .. بدى وكأنها تفكر فقط في كيف ستخرج منها .. وكأن زاوية تفكيرها نحوها قد تغيرت .. بدى وكأنها تفكر فيها كنوع من التحدي ان لم تنتصر فيه سيهزمها ويغلبها .. فكرت فيها كتحدي ونوع تريد ان تفوز به لا شيء تخاف منها وتخاف ان تغرقها ..
اخذت تضرب بكل اتجاه .. تقاوم بشدة وتجرب كل الطرق الممكنة للعوم علها تجد طريقة تجعلها قادرة على البقاء عند سطح المياه لا داخلها .. شعرت بانها قد تمكنت من التحكم بحركة يديها وقدميها .. حاولت ان تمنع المياه من ان تدخلها الى الداخل .. شعرت بان بداخلها قوة اكبر من قوة المياه نفسها .. حركت يداها بشكل دائري وحركت قدامها كذلك .. اخذت تحاول ان تجعل جسدها يكون لينا .. رخوا .. خفيفا بدل ان تضغط عليه .. ان تخفف من الضغط الداخلي الذي تمارسه على جسدها .. ان تجعل حركة جسدها يكون متناغما مع حركة يداها وقدميها وقد وجدت راسها اخيرا يظهر من بين المياه بشكل قليل .. حاولت قدر المستطاع ان يخرج اهم ما في رأسها الى الخارج .. حاولت ان يظل انفها وفمها خارجا رغم ان اذناها وشعرها وباقي رأسها كانوا بداخل المياه ..
أرادت ان تسبح نحو احدى زوايا البركة لا ان تبقى في مكانها تسبح كونها بدأت تشعر بالتعب .. ما ان همت بتحريك يداها وقدماها حتى شعرت بان حركتها عادت للاضطراب وهي تهم بتغير حركة يديها وقدميها فعادت بسرعة لتحريكهما كما هما ..
كانت تشهق وتبصق بالماء وهي تحرك يديها وقدميها وجسدها الذي كان ما بين ان يدخل الى الداخل عندما تقل حركتها وما بين ان يخرج عندما تعود للسباحة بشكل اقوى .. شعرت بانها ضبطت حركتها اخيرا .. بقوة شديد وبتركيز بدات تحرك يداها بشكل اكثر ارتياحا .. اخذت تحاول ان تسبح .. تحركت بشكل سريع .. حاولت ان تبدوا قريبة من سطح المياه وقد اخذت قدماها ويداها تتحركان بشكل خفيف نحو احدى جوانب البركة .. اخذت تعوم وكلما شعرت بان المياه تضعط عليها لتدخل الى الداخل وانها بدات تتعب وتضعف رجعت لتركز من جديد وتواصل حركتها حتى وصلت الى طرف البركة ..
" اشعر بانك تودين ان تقبليه وتحضنيه لا ان تمسكي به " جاء صوته من مقعد بعيد عن البركة قليلا .. خرجت من البركة وهي لا تعلم ما تشعر به .. ما بين غاضبه بشدة منه وما بين تود ان تجلس وتتدارك كل ماحدث منها .. جلست على احد الكراسي الاخرى للطاولة الموضوعة بالقرب من البركة .. ظلت صامته .. شعرت انها لا تعرف ما تقول .. بدى انها ساهمة وكأنها في عالم آخر .. ظل يتأملها وكأنه ينتظر ان يمهلها قليلا قبل ان يبدء بالكلام .. لاحظ بان وجهها تغير لم يكن ذاك الوجه الذي استقبلها به .. لم يكن مضطربا .. حزينا .. ذابلا .. بدت ملامحها مختلفة وقد اعتلت عيناها نظرة جديدة غير تلك النظرة الحزينة التي لمحها فيهما اول ما رآها .. ناولها منشفه وقال لها ممازحا : ما رايك ان اعود لرميك من جديد ونعود لاحتساب موعد خروجك من البركة علك تحطمي رقما قياسا هذه المرة ؟
ظلت صامته وتشعر بان هناك العديد من الافكار المختلطة براسها.. قال لها بهدوء : لن اعتذر لما فعلته لك ولا اشعر بالندم ابدا بل اعلم تماما انك ستأتين يوما وتشكريني عليه .. كما اعلم تماما انه سيأتي يوما ما وتشكرين الاحمق الذي ظننتي انك تحبينه الى جانب جميع الحمقى والاغبياء الذين آذوك .. قبل كل شيء .. اريد منك ان تنتبهي جيدا وتركزي فيما سأقوله لك .. ألم تصرخي منذ لحظات وذكرتي مرارا بأنك ستموتين ؟ الم تقولي لي بانك لا تستطيعين ؟ ألم تمضي عشرين سنة لا شيء يخيفك ويرعبك كما الاقتراب من هذه البركة ؟ ما حدث لك بالبركة منذ لحظات يؤكد كلامي وما قلته لك بأنك انسانة قوية .. لا تظنين انني اجاملك عندما اقولها لك .. انتي قوية ولكنك لا تعرفين التركيز على مصادر القوة التي لديك وتتداركين مواطن الضعف وتستغلينها لتكون مصادر قوة جديدة لك ..
البركة ومياهها التي حاولت ان تقضي عليك مثل الحياة التي تنتظرك .. انظري الى تلك البركة الصغيرة بجانبها .. الكل يراها ويمر بها وفيها يسبح وهو صغير فيتعلم منها بعض مهارات السباحة ولكنه عندما يكبر لا يفكر حتى بان يرمي نفسه فيها لانه ان فعل ستتكسر عظامه .. انك كمثل الطفل الذي كبر كثيرا ولم يستوعب ذلك فظل يقفز ويكرر قفزه فيها ومع كل قفزة ينكسر شيء لديه ..
هذه البركة الصغيرة والتي تهيأ الشخص للبركة الكبيرة هي حياتك السابقة والتي ظننتي انك لا تستطيعين الخروج من ذكرياتها ومنها .. والتي لم تتعلمي كيف تستغليها لتهيأك لمواجهة البركة الكبيرة اي الحياة الحقيقية فكان مصيرك ان تكسر قدماك اي قلبك وحياتك كلها مع كل قفزة وجولة فيها ..
تلك البركة هي قصة حبك له وقصة حياتك السابقة .. بركة صغيرة تافهة لا احد يقف عندها او يعييرها اهتماما غيرك .. لا احد يظل فيها غيرك انت .. حتى هو خرج منها .. تعلم منها قليلا ورحل عنها لتظلي وحدك فيها لا تريدين التعلم منها بقدر رغبتك في السباحة والتجول في تفاصيلها حتى وان كانت هذه التفاصيل جميلة والاستمرار بها .. فضلتي جمال هذه التفاصيل القليلة التافهة عن التفاصيل الكبيرة والاجمل التي تنتظرك في بركة حياتك الحقيقية ..
وانظري للبركة الكبيرة واول لحظات دخولك فيها .. كانت قاسيه معك كثيرا .. لم ترحمك ابدا .. هل تظنين انك عندما دخلتي ووصلتي الى قاعها بانك كنتي ستخرجين منها ؟ بان هناك عصا سحرية ستخرجك منها ؟ الحياه لن ترحمك .. ستغرقك ان لم تعرفي كيف تواجهينها وتسبحي فيها .. ان لم تملكي قوة من داخلك تعلمك كيف تواجهينها وتتحديها وتتعايشي مع ايامها كما تناغم جسدك مع مياها اي مياه البركة ..
انتي انسانه قوية وينقصك فقط التركيز .. هل تعلمين كم انا مؤمن بذلك رغم انني اعلم بانك تظنين انني اقول لك هذا الكلام لتشجيعك فقط ؟ .. سأعطيك دليلا واحد لم تنتبهي اليه حتى تعلمي بان ما اقوله لك ليس مجرد كلمات لا واقع او دليل له ..
انظري الى نفسك عندما احببته .. تذكري كل الايام والشهور التي مرت وانتي على حبه .. تذكري الآن بشكل سريع ومختصر كل تفاصيل قصتك معه ..
تكلمتي وتجاوبتي معه رغم ايمانك بان الكلام مع الرجال شيء خاطىء.. حاولتي ان تبيني له كم هو غالي لديك ..ثم استمررتي معه رغم تأنيب الضمير الذي كنتي تشعرين به .. رغم كل ما حدث اصررتي عليه .. كل المشاكل والمعوقات التي واجهتها معه لم تحبط عزيمتك بل وجدتي نفسك مع كل يوم يمر انك تزدادين حبا له و تزدادين تعلقا فيه .. كنتي قوية كثيرا في حبه وعنيدة الى ابعد الحدود .. لم يكن هناك شيئا ليؤثر على اصرارك عليه .. كنتي صادقة ووفية جدا .. حاول الكثير ثنيك عن الاستمرار في قصتك معه .. رغم كل المغريات التي تعرضتي لها لم تنحرفي عن مسار حبه ولو لدقيقة .. لم تهملي نفسك حتى للتفكير في غيره رغم محاولاتهم لجذب انتباهك .. رغم ان بعضهم كانوا افضل منه واحلى واغنى .. رفضتي الكل وتمسكتي بخيط امل في ان تكوني له .. اغلقتي على نفسك الابواب وظللتي منعزلة عن العالم لا شيء تريدنه سواه .. كل تفكيرك سخرته له .. كل اهتمامك كان له .. كنتي مشغولة به وبالطريقة التي تمكنك من ان تكوني افضل النساء في عينيه وكأنه لا يوجد بالعالم شيء سواه ..
اخذت عيونها تلمع وهي تستمع إليه وبدا وكأنها ستبتسم وهي ساهمة .. تظاهر انه لا يلحظ شيئا .. واصل كلماته : اظن بانه لا يوجد امرأة تفعل نصف ما فعلته لاجله .. تفكر بمصلحة من تحبه قبل ان تفكر بنفسها وبمصلحتها .. ضحيتي بدراستك واهملتها لاجله .. تركتها ولم تكمليها و تتخرجي .. كنتي وفية فيما اردت وعملتي بإخلاص في كل تفاصيل قصتك معه … لم يستطيع احدا من كل الرجال الذين حاولوا ان يأخذوك من دربه للسير في دوربهم عنه .. وضعتي قلبه امام نصب عينيك فلم يكن هناك شيء يحزنك او يضايقك او يفرحك غيره وعشتي سنين طويلة لا شيء تفعلينه سوى الحلم به .. كل ضربة كنتي تحصلين عليها بسببه كانت تزيدك عنادا واصرارا .. رغم كل ما حدث لم يتغير شيء بداخلك ولو ليوم واحد ..
كثير منا سخر منك فلم تهتمي .. لم تسمعي احد .. لم تكترثي لاي رأي او كلام عنه .. صورته ظلت كما هي في قلبك رغم كل الادلة التي كانت تثبت انه لا يستحقك .. لا اطلب منك ان تنسيه وتضعي شخصا اخر غيره بل اطلب منك ان تضعي احد احلامك التي لطالما كررتها علي .. حلم واحد مكانه فقط .. وتفعلي كل ما فعلته لاجله .. ان تكوني صادقة ومخلصة ووفية بنفس الدرجة التي كنتي فيها بقصتك معه .. ان تكوني عنيدة لدرجة انه لا يوجد شيء على هذه الارض يثنيك عن الحصول عليه ..
حلم واحد يجعلك تكابرين وتعاندين لاجل تحقيقه وتسخرين كل قوتك له كما فعلتي معه .. انظري كم كنتي قوية بحبه اريدك هكذا .. كوني قوية في حلمك .. كوني قوية واسعي له حتى لو صدمتك الحياة بأي شي كما صدمك هو بفعله .. لا تهتمين بما تسمعينه من حولك .. ضعي هذا الحلم فقط امام نصب عينيك واقضي الليالي كلها لاجل الحصول عليه .. كوني كما كنت معه لا شيء مهما كانت الاغراءات يصرف نظرك عنه .. ترفضين الراحة والنوم والكسل واليأس وكل شيء يحبطك لاجل فقط ان تدركيه .. لاجل فقط ان تحققي حلمك .. ترفضين اي كلام يناقض ويعاكس ما تريدنه .. تبذلين الغالي والنفيس وتظلي مشغولة بالطريقة التي تمكنك من الوصول الى مرادك ولا يهمك ما يحصل حولك وما يحدث .. ان العناد ليست صفة سيئة دائما .. ان العناد والاصرار من نقاط قوتك .. لا اعتقد ان هناك احدا مثلك يصر على الوصول الى شيء رغم ان كل ما حوله ينهار ويحترق لانه فقط مؤمن من اعماق اعماقه انه سيحصل عليه .. هذا الايمان الشديد والاصرار والعزيمة كثيرون يملكونها ولكنه نادر جدا من يظل متمسكا بها ويواصل فيها وهو يرى كل ما حوله يرفض حلمه كما تفعلين انتي .. انتي تستمرين في احلامك وتسعين بكل قوتك وبكل الطرق لتحقيقها مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات ومهما يحصل لك .. اريدك هكذا مع حلمك الجديد ..
كثيرون حلموا وسلكوا الدروب لاجل الوصول الى احلامهم وعندما تخرج لهم المشاكل كانوا يتراجعون وهم يظنون بان احلامهم مستحيل تحقيقها او انه لا فائدة منها عكسك انتي .. قليل من يفكر بالطريقة التي تفكرين بها .. كنتي كلما تواجهين عقبة في درب حبك له لا تتوقفي كثيرا بل تزدادين قوة واصرارا .. اريدك هكذا مع حلمك الجديد .. ان تكوني عنيدة وصلبة وكلما منحتك الحياة جرحا جديدا تزدادين قوة وتمسكا بما تريدينه .. اريدك ان تجعلي المستحيل يخجل من الاقتراب منك واليأس يشعر بانه لا فائدة لمصاحبتك كما فعلتي معه ..
انظري الى نفسك وانتي تحاولين انقاذها .. قاومتي كثيرا المياه التي كانت تدفعك للداخل وظللتي عنيدة رغم انه حتى انتي نفسك كنتي تخافين من هذه البركة وعشتي عمرك كله مقتنعة انك لا تعرفين السباحة ولن تعرفيها يوما وتخشين الغرق .. سبحتي بنفس البركة التي حاولت يوما ان تغرقك وتسلبك حياتك .. هكذا نحن احيانا .. نظن اننا غير قادرون على تحقيق ما نريده رغم انه لو جربنا فقط .. مجرد ان نجرب سنكتشف ان كل ما ظننا اننا عاجزون عنه لا يسكن سوى في خيالنا كرسم رسمناه بأنفسنا لاحباط امنياتنا ..
هكذا هي تجاربنا يا عزيزتي .. قد يأتي يوما وتحاول ان تسلبنا ايامنا وسعادتنا وقد نفشل في اول جولة لنا معها ولكننا بالتأكيد عندما نعيد تجربتها بثقة أكبر وبعزيمة اقوى ننجح فيها وندرك الفرح ونتذوق طعم السعادة .. نفعل ذلك فقد عندما نتخلص من اوهامنا ونبدأ في التفكير فيها من زاوية جديدة .. عندما ننظر إليها كتجارب نستفيد منها ونتعلم منها لنشق طريقنا منها في هذه الحياة كمصدر قوة لنا لا كتجارب وذكريات تهدمنا وتضيعنا ..
انظري الى ما فعلته وفكري بحياتك القادمة .. ستجدين نفسك اول ما تقفزين في عالم الحياة هذه ان هناك الكثير من سيحاربونك ويقفون في وجه احلامك .. ان هناك الكثير من الظروف التي ستقهرك وتنال منك .. ان هناك العديد من الامور التي ستجعلك تغوضين وتتوهين بين دهاليز هذه الحياة .. ان الحياة لا ترحم .. لن ترحمك ابدا حتى تجدي طريقة نجاحك فيها .. لن تمهلك اصلا لتفكري في ذلك .. ستجدين نفسك تعيشين في صراع قوي معها .. اما ان تنجحي وتعرفي كيف تعيشين فيها وتسبحين في ايامها واما ان تهزمك وتغرقك في احزانها .. شيء واحد سينقذك .. ايمانك بنفسك وبقدراتك .. شعورك بقوتك وقدرتك على ضبط نفسك ..
ستظلين بالبداية تفعلين ما فعلتيه بالبركة .. تضربين في كل اتجاه وتجربين العديد من الامور حتى تصلي الى طريقة نجاحك .. ستجدين نفسك يوما تفوزين وتبرزين بالمجتمع وستمر بك ايام تعيدك الى الداخل .. الى اليأس والفشل ونقطة البداية .. ستدركين الفشل يوما والنجاح يوما آخرا لكن استمرارك في الكفاح والسباحة سيمكنك من معرفة الطريقة التي تنجحين بها وتعرفي كيف تمضين بهذه الحياة وانتي منتصرة .. ستمكنك من معرفة نفسك اكثر والطريقة التي ستمكنك من السير في دروب النجاح والخروج من مشاكلك وانتصارك على همومك .. تذكري انه لا يجب عليك ان تضغطي وانتي تواجهين المشاكل على نفسك لانك عندما تفعلين ذلك ستخسرين اكثر وستتوهين بشكل اسرع في هذه الحياة كما فعلتي بالبداية عندما ضغطتي على جسدك فاستجاب جسدك لضغطك فادخلك واوصلك الى قاع البركة بسرعة .. كوني مرنة واجعلي تحركاتك واعمالك تكون منسجمة معك .. استغلي مشاكلك وضعفك واجعليهم نقاط قوة لديك لتعرفي طريقة النجاة مما تواجهينه .. غيري زاوية تفكيرك لهم .. انظري لهم كتحديات وحروب تريدين الانتصار فيها لا كأمور تخشينها وتحزنك ..
انتي متميزة بطريقة مذهلة وقائدة بالفطرة .. عرفتي كيف تقودين نفسك وتتألقين وتقودين الاخرين معك ولكن شيئا واحد فقط خذلك .. قلبك الذي لم تعرفي كيف تقودينه .. صدقيني عندما اقول انك متميزة فهذا الكلام لا اقوله انا فحسب .. هذا كلام الناس عنك .. كلام جميع من يعرفك ومن لا يعرفك والتقاك .. انتي لست امرأة عادية بل متميزة وناجحة بطريقة غريبة جدا .. في اي مكان تتواجدين فيه تلفتين النظر إليك .. اي شخص يراك رغما عنه يظل يسمعك وينتبه الى افكارك وآرائك .. منذ صغرك وانتي تلفتين الانتباه والانظار لك .. منذ صغرك وانتي تحتلين المراكز الاولى دائما في اي شيء تشاركين به .. ومنذ صغرك خصك الله بتجارب عديدة استفدتي منها كثيرا وربما كانت سببا في نجاحك ولكن للاسف جائتك فترة تركتها وجعلتها كشيء يحطمك ويهدمك ..
لم استغرب وانا اتابع بعض نجاحاتك التي حققتها عندما كبرتي .. لم استغرب وانا ارى اسمك يتردد بين الناس ويبرز .. اعرف بان لديك مهارات وعزيمة بطريقة قليل من يملكها .. لديك كنوز ومهارات عديدة ونقاط قوة لكنك للاسف فضلتي ان تركنيها على جنب وان تشغلي حياتك مع انسان تافه ..
ما مررتي به جعلك تتميزين بطريقة سريعة .. ولكنك للاسف لم تشعري لا بقيمتك ولا بقيمة نجاحك وتركتي ثقتك بنفسك ونجاحك واردتي ان تكوني متميزة امام انسان واحد فقط.. انسان اعمى لم يعرف قيمتك ولم يقدرك وبسببه فقدتي ثقتك بنفسك .. لا اكاد اصدق ان من مثلك تفعل ذلك .. بصدق لا اعلم ما الذي دفعك لان تفعلي كل هذا .. كنت أدهش كثيرا وانا استمع الى اخبارك مما تفعلينه .. بدى لي ان هناك انسانة اخرى تسكنك لا انتي .. لا الانسانة التي لطالما ومنذ صغرها ألهمت الناس وكانت قوية الشخصية تعرف كيف تتحكم بنفسها وبأفعالها..
اعرف ان ما تمرين فيه والظروف التي تتسرب الى حياتك خلال هذه الفترة صعبة جدا وقليل من استطاع فقط ان يتجاوز كل هذا .. اعلم بان هناك رجال عندما يتعرضون لشيء واحد مما تتعرضين له الان يضعفون ولكنني واثق انك عن ألف رجل .. لن اقول لك اني حزين على ما يحصل بحياتك بل انا سعيد لانني ادرك انه من الشدائد والازمات تخلق المعجزات والانجازات ..
انظري الى كل ما املكه وما وصلت إليه .. هل تظنين ان كل شهادات التقدير هذه والدروع والمناصب التي وصلت إليها كان وصولي اليها سهلا ؟.. هل تظنين انني ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب ؟ .. لقد قذفني جدك في وجه هذه الحياة دون ان يمنحني حتى مصروفا لاكمل تعليمي به رغم الاموال التي كان يملكها .. اراد بي ان اكون رجلا وان اصنع نجاحي بنفسي دون اعتمد عليه بشيء .. سهرت الليل والنهار وكافحت كثيرا لاجل كل هذا .. عندما كنت بعمرك تخلت عني الانسانة التي كنت اطمح ان ارتبط بها لترتبط بانسان كانت تراه افضل مني وقتها .. بإختصار خذلتني وفي وداعها لي اهانتني واشعرتني كما فعل هو معك .. جعلتني اشعر بانني انسان فاشل .. هل توقفت عند قصتي معها ؟ .. لا بل ضربت بنفسي في كل اتجاه ومكان .. قاومت كثيرا وجاهدت .. جررت نفسي جرا كما فعلتي بالبركة لاجل ان انتصر على كل من خذلني واهداني المشاكل والاحزان.. اليوم عندما المحها مع زوجها الذي تحول الى انسان عادي جدا المح الندم في عيناها وهي تسمع اسمي يرد بكل مكان تتواجد فيه .. جعلتها تدرك قيمتي وتعي قيمة ما خسرته يوما وحجمي.. ارى في عيناها نظرة خجل وانكسار تشفي كل ما كان بداخلي بسببها .. لفظتني من حياتها واخبرتني بانها لا تريدني لانني انسان فاشل ولا يوجد بي شيء مميز فجعلت الدنيا التي حولها كلها تسرد عليها قصص نجاحي وتبين بان الكنز الذي ظنت انها حظت به يوما " زوجها " هو لا شيء امامي وامام ما وصلت إليه .. جعلتها تدرك كم هي صغيرة وضئيلة هي ومن معها امامي .. بانها كانت جرح سخيف لم انساه فحسب بل لا اذكره حتى ..
اجعليهم هكذا .. اجعلي كل انسان لم يعرف قيمتك وتخلى عنك في صغرك وكبرك يعرف قيمتك ومن انتي بصدق .. اجعليهم يندمون ويتمنون لو ان العالم تفضل عليهم وعلم انهم من اقاربك .. اجعلي امك تندم وتشعر بانها ورغم عدد ابنائها فانه لا شيء يساويك انتي وتندم على تركها لك وهي تسمع كلام الناس عنك .. اجعلي اخوتك الذين رموك بالشارع وقد اخذوا كل اموالك وسرقوها يتحسرون على اليوم الذي لفظوك فيه من حياتهم ويتمنون لو ان احدا ما عندما يعلم انك قريبتهم لا يعلم عما فعلوه بك ولا يتساءل لماذا لا تعيشين معهم .. اجعلي الاحمق الذي اضعتي حياتك لاجله يراك في قمة تألقك ونجاحك فيساءل نفسه بمرارة " لماذا اضعت امرأة لا مثيل لها كان قلبها ذات يوما لي فرميته واهملته ؟ "
تذكري ذلك .. وراء كل نجاح وتألق قصة حزن وقلب مقهور وذكرى تعيسة .. اخرجي من بركة حياتك وانتي تشعرين بالانتصار وقد تغلبتي على حزنك كما فعلتي منذ لحظات وانتي تخرجين من بركة هي نفسها التي كانت ذات يوم ستقتلك .. انا واثق انك ستجدين يوما قلبا رائعا يعشقك ويعشق تميزك .. انسانا رائعا يستحقك ويقدر تضحياتك لاجله كما واثق انك ستبدئين تنظرين لكل ما مررتي به سابقا من زاوية جديدة .. فقط كوني مؤمنة بنفسك وبقدراتك ..
مسحت دمعة تسللت من عيناها اللتان بدتا تلمعان ومتأثرتان بما قاله .. ابتسمت وشعرت بانها لا تعرف ماذا تقول له .. قال لها ممازحا : اسمعي .. صحيح انني مكنتك اخيرا من انهاء خوفك الشديد من البركة ولكنني لا اريد بعدها ان افتح التلفاز فاراك وقد اصبحتي سباحة مشهورة تشاركين في الاولمبيات .. اريد ان افتح التلفاز فاراك انسانة متألقة ناجحة وقد عادت إليك ملامح وجهك الضاحك الدائم الابتسامة ..
شكرته كثيرا وودعته .. ناولها ظرفا قبل ان تغادره فاعادته اليه " اعلم ما بداخله .. شكرا لك لكنني سأعتمد على نفسي في كل شيء حتى في مصاريف دراستي التي سأعود لاكمالها قريبا " ضحك وعلق : هذه بنت اخي التي اعرفها .. انسانة عصامية وشديدة العزة بنفسها .. قبل ان تذهبي هل لي ان اسألك بسؤال ؟
قالت له : قبلها انا لدي سؤال لك .. لو انني لم اتمكن من الخروج من البركة وتعلم السباحة هل كنت ستتركني اغرق ؟ .. ابتسم وقال لها : اصدقك القول عندما رأيت الفقاعات تخرج من المكان الذي رميتك فيه منحت نفسي عدة ثواني قلت فيها ان لم تخرجي سارمي بنفسي بالبركة واخرجك رغم ذلك كنت مؤمن بشدة بانك ستجدين طريقتك التي تخرجين فيها من قاع البركة .. والآن دعيني اسألك وعذرا على سؤالي هذا ولكن ليطمئن قلبي .. هل حصل شيء بينك وبينه ؟ أعني هل لمــ … ؟
قاطعته بحزم : ماذا ؟ كيف تشك بي الى هذه الدرجة ؟ اني لم اسمح له ولا لنفسي حتى ان نخرج عن اطار الكلام المعتاد فكيف تشك بي الى هذه الدرجة الغريبة ؟ يبدو انك نسيت ما قلته للتو اني انسانة متميزة ووو … وابتسمت .. ابتسم لها وقال : كنت اريد فقط ان اتأكد .. انا واثق منك واعرفك جيدا ..
بعد مرور ثلاثة أشهر .. اتصلت به .. ما ان سمع صوتها حتى ابتسم وهو يسمع الضوضاء التي حولها وهي تخبره عن اول نجاح حققته .. ضحك كثيرا وهو يسمعها تخبره بانه بسبب ما فعله عندما رماها في البركة ارتفعت اسعار تأجير البرك بوطنها كونها اصبحت تذهب كل نهاية اسبوع لممارسة هواية جديدة بحياتها .. السباحة في برك غزيرة العمق ..
** تمت بعون الله **