القهوة الخالية – نجيب محفوظ
محمد الرشيدي معلم متقاعد في التسعين من عمره, فجع بموت زوجته زاهية التي عاش معها اربعين سنة حياة زوجية سعيدة رغم أنها كانت تصغره بثلاثين سنة.
تبدأ القصة بكلام يقوله محمد الرشيدي يترحم فيه على زوجته ويبكيها منحنيا فوق جثتها. فزاهية عوضته بعشرتها الحسنة عن فقدانه الأصدقاء والمعارف الذين وافتهم المنية. ولم ير في جنازتها الا أصدقاء ابنه صابر. وشعر بالوحدة القاتلة والغربة المريرة فحاول الخروج منها ووافق على الانتقال من بيته الى بيت ابنه صابر وزوجته منيرة وابنهما توتو ترافقه الخادمة مبروكة. انتقل الى منطقة جديدة في القاهرة. ولكنه لم يجد ضالته ولم ينجح في الخروج من وحدته.
لاقى الأمرين من حفيده توتو المزعج واشتدّ عليه الشعور بالوحدة خصوصا وأن ابنه صابر وزوجته كانا يعملان في النهار ويذهبان الى النادي بعد المساء.
حاول التواصل مع القطة " نرجس" ولكن حفيده شنّ هجوما عليه وكاد أن يوقعه أرضا لولا تدخل الخادمة مبروكة في اللحظة الأخيرة.
يقترح عليه ابنه صابر الذي شعر بوحدته أن يذهب معهما الى النادي أو أن يذهب الى المقهى ( القهوة) الذي كان يرتاده مع أصدقائه. ولكنه يحس بالوحشة في المقهى أيضا لأنه لا يجد أحدا من أصحابه. في النهاية يهرب الشيخ من واقعه الى ذكرياته مع أصحابه فيتذكر لقطات ناجحة من الماضي ليستأنس بها. يتذكر يوم ألقى كلمة في حفل تأبين لاقت استحسان صديقه. استغرق بعد ذلك في النوم فكأنه يهرب من حاضره وواقعه ووحدته الى ذكرياته ليستطيع مواصلة الحياة.
يمثل محمد الرشيدي كبار السن الذين يعانون الوحدة فلي كبرهم خصوصا أولئك الذين يفقدون أزواجهم وأصدقاءهم فيقعون فريسة الوحدة واليأس والمعاناة. وفي ذلك عبرة للجيل الناشيء فكلنا سنصل الى الشيخوخة ومن واجبنا معاملة الكبار معاملة تخفف عنهم هذا الشعور.
الشخصيات:
1- محمد الرشيدي : وهو الشخصية الرئيسة الوحيدة في القصة.
2- زاهية: زوجة محمد الرشيدي. كل ما نعرفه عنها ورد على لسان زوجها.
3- صابر : ابن محمد الرشيدي.
4- منيرة : زوجة صابر
5- توتو: حفيد محمد الرشيدي وابن صابر ومنيرة. طفل مدلل مزعج وقاسٍ. فقد كان مانعا من تواصل الشيخ حتى مع القطة نرجس.
6- مباركة : خادمة محمد الرشيدي وقد انتقلت للعيش معه بعد وفاة زاهية.
7- القطة نرجس.( ان صح اعتبارها شخصية من الشخصيات)
8- الأصحاب والمعارف:
كل هذه الشخصيات هي ثانوية.
الزمان: الحاضر.
المكان: القاهرة – مصر الجديدة- المقهى.
دلالات القصة:
1- دلالة اجتماعية: فالقصة هي حكاية الوحدة والاغتراب. عانى محمد الرشيدي من الوحدة بعد موت زوجته وأصدقائه ومعارفه. لم يكن – وهو ابن التسعين- قادرا على اقامة علاقات اجتماعية جديدة. انتقل الى منزل ابنه – بيئة غريبة عنه- . حاول أن يبني علاقات مع حفيده توتو ولكنه كان قاسيا عنيفا. لم يعوضه ابنه عما يشعر به من وحدة وحاجة للأنس ككل انسان وربما يكون ذلك راجعا لطبيعة الحياة العصرية الأرستقراطية التي عاشها صابر وزوجته.
كذلك حاول أن يتودد للقطة وفشل أيضا. خرج الى المقهى القديم الذي اعتاد الجلوس فيه مع أصدقائه فوجده خاليا ( القهوة الخالية) رغم أنه كان يعج بالناس وكانت المقاعد الخالية قليلة. وأخيرا لجأ الى حيلة نفسية وهي استحضار صور الماضي وذكرياته يسترجعها ويتذكر اللحظات السعيدة , الأمر الذي منحه شعورا بالهدوء النفسي والقدرة على تحمل حاضره القاتم.
2- دلالة واقعية: القصة واقعية. فهي قابلة للحدوث بل هي تحدث في كل المجتمعات. كذلك تتجلى الواقعية في أسماء الأماكن: مصر – الحلميّة – قهوة ماتاتيا – المنيرة- الخليج- القناطر الخيرية – مسرح الأزبكية- الجامع الكبير- الصرافية.
والشخصيات: مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني – محمد فريد رئيس الحزب الوطني بعد مصطفى كامل – الأب الكاتب ابراهيم المويلحي – الشاعر حافظ ابراهيم – المغني عبد الحي حلمي.
المناسبات : شم النسيم – رمضان – حفلة التأبين .
الصحف : صحيفة المقطم.
اللغة العامية : الزياط = الصراخ والصياح. الأوتوبيس – التربيزات = الطاولات– حاسب= أي انتبه.
أغاني: " يا عشرة الماضي الجميل".
الأبعاد الرمزية:
1- القهوة الخالية ترمز الة الدنيا الخالية من الأنس والأصدقاء وعطف الأهل والأقرباء. ترمز الى الوحدة والمعاناة والانعزال عن المجتمع, الى درجة أن الشيخ محمد الرشيدي يقول: " طول العمر لعنة" لأن هناك عوامل كثيرة جعلته يقول ذلك , فتقاعده وموت أصحابه ومعارفه وموت زوجته رفيقة دربه وانتقاله من بيته الة بيت ابنه في بيئة جديدة غريبة وفشله في التواصل مع عائلته وحفيده والقطة بسبب حفيده , كل ذلك جعله يقول ان طول العمر لعنة. وقد حاول الخروج من أزمته من خلال محاولته التواصل مع العائلة ثم مع القطة ولكنه فشل ثم حاول من خلال رجوعه الى المقهى الذي اعتاد الجلوس فيه ولكنه وجده " خاليا".
2- الذكريات والنوم : ترمز الى وسيلة الهروب من الحاضر الخانق القاتم الى الماضي السعيد والمشرق. من الوحدة المرّة الة السعادة. يستمد منها امكانية الاستمرار في الحياة.
3- توتو: يرمز الى الدلال الذي يعيشه الجيل الجديد ( يظهر الدلال حتى في اسمه) .والى عدم احترام الكبار وانقطاع الجيل الجديد عن الماضي.
الأسلوب:
1- لغة السرد: يتميز السرد بكثرة استخدام الأفعال الماضية. وذلك بهدف سرد مسيرة حياة الشيخ محمد الرشيدي من الماضي الى الحاضر. فنجد الكاتب يعرض أمامنا شريطا متحركا من خلال تلاحق الأفعال كما فعل في تصوير هجوم توتو على جده.
2- لغة الحوار: الحوار وارد بشكل ملموس . وهو يجري باللغة الفصيحة على جميع الألسن حتى على لسان مباركة. وهو نوعان: حوار ذاتي وحوار عادي. وهناك القليل من الكلمات العامية مثل " حاسب" أي انتبه أو " راسك" أي باعد راسك. وهناك ألفاظ شعبية مصرية مثل: الأوتوبيس – البواكي – التربيزات – النواء( بدل المواء) , الا أن الفصاحة تغلب على لغة القصة.
3- تركيب الجمل : الجمل بغالبيتها جمل قصيرة مقطعة مفصولة في بعض الأحيان بنقاط لا تواصل بينها. وهي تنسجم مع التنقل في الزمن الماضي والحاضر, ومع التنقل في النفس والشعور لدى الشيخ.
4- الاسترجاع الفني: يقطع الكاتب تسلسل الحاضر فيعود ليحدثنا عن الماضي, كحدبثة عما جرى له يوم احتل الانجليز القاهرة , أو تصوره كيف كان في مأتم حفيده, أو حفلة ليلة شم النسيم , أو محاولته تذكر التأبين بتفاصيله. هذه التفاصيل/ اللقطات ذات أهمية بالغة في القصة فهي تزيدنا معرفة بالشيخ كشخصية وطنية معروفة لها دور فعال في السياسة والاجتماع والوطنية مشاركة في أحداث العصر , ذات علاقات مع كبارالساسة والشعراء والمغنين الخ.. بالاضافة الى أن كل لقطة من هذه اللقطات تصلح لأن تكون قصة قصيرة مستقلة بذاتها.
5- زاوية السرد: يسرد الكاتب – نجيب محفوظ – قصته من زاوية الراوي العالم بكل شيء الى درجة أن صوت الكاتب/الراوي يختلط بصوت البطل نفسه.
6- تيار الشعور : يستخدم الكاتب تيار الشعور فينسى أنه يروي قصة ونراه يدخل في نفسية البطل ويتمثلها:
- " وما قيمة رمضان والأعياد بدونها" – أثناء تذكره لزاهية.
- " من منا سيسبق صاحبه" أثناء تذكره لصاحبه على باشا.
- " ولكن ما أرقّها" – أثناء تذكره لابنته.
- " ولكن القهوة خالية" – عندما وصل المقهى ولم يجد أحدا من أصدقائه.
- " ولكن.. من كان ذلك الصديق..." – في نهاية القصة.
كل هذه العبارات قالها الشيخ محمد الرشيدي لذاته.