[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[size=24]ضرب
الأبناء.. ضوابط ومحاذير
بقلم رشا عرفة
يلجأ كثير من الآباء والأمهات لضرب أطفالهم كنوع من
التأديب، أو العقاب لتغيير سلوك ما يقومون به، بعد أن يعجزوا عن فهم
أطفالهم وإقناعهم بما هو واجب القيام به، حتى أضحى الضرب أسلوباً أساسياً
في التربية عند بعض الأسر، والذين يعتبرونه القاعدة التي تستند عليها
العملية التربوية، ظنا منهم أن الضرب والتعنيف هما الوسيلة الوحيدة التي
تجعل الطفل يمشي على الصراط المستقيم.
وأصبح الضرب هو الوسيلة الأكثر شيوعا التي يلجأ إليها
العديد من الآباء والأمهات إلا أن هناك بعض الأسر ترفض تماما اللجوء لهذا
الأسلوب؛ لإيمانهم أن الطفل إنسان يجب علينا مراعاة مشاعره وأحاسيسه، وأن
النقاش والحوار هما الوسيلة التربوية الناجحة التي تؤتي ثمارها دون أن تترك
أثارا سلبية على الطفل، كالضرب الذي يشجعهم على الاستمرار في عنادهم، وقد
يقتل روح الإبداع والمبادرةعندهم.
[center]الأمهات والضرب
"رسالة المرأة"
رصدت تجارب العديد من الأمهات بشأن استخدام الضرب في تأديب أطفالهن، ومن
بينهن "عبير.م" التي رأت أن الضرب وسيلة فعالة في تربية الطفل، ولكن بشرط
أن يكون الذنب الذي ارتكبه الطفل كبيرا، وأن يكون الطفل قد تم تحذيره بأنه
إذا ارتكب فعلا ما سيعاقب عليه، مع إفهامه سبب منعه من ارتكاب هذا الفعل،
وذلك لكي يعرف أنه ضرب عقابا على شيء تم نهيه عن فعله، مؤكدة أن الضرب
وسيلة مكملة في التربية، وليست التربية كلها بالضرب، ويجب ألا يؤدي الضرب للأذى الجسدي.
"لن يكفوا عن
ارتكاب الخطأ إلا إذا ضربوا"، هكذا بدأت "هويدا.ك" حديثها عندما سألناها:
هل ضرب الأطفال طريقة مجدية في التربية؟
وتابعت: "الضرب وسيلة ناجعة وفعالة في تربية الأطفال،
شريطة ألا تصل إلى الأذى الجسدي، وألا يضرب الطفل إلا عند ارتكابه خطأ
معينا يستلزم العقاب، فالطفل يجب أن يخاف من شيء لكي يتم تهديده به في حال
عناده وإصراره على ارتكاب الخطأ، وأرى أن النقاش والحوار مع الطفل لن يجدي
في ردع الطفل عن السلوك الخاطئ مثل الضرب".
في حين رفضت "رضوه.م" اللجوء للضرب مهما كانت الأسباب،
فالطفل إنسان له مشاعر وأحاسيس يجب علينا مراعاتها، والله منح الإنسان
العقل ليتحاور مع من حوله، مؤكدة أن النقاش والتحاور مع الطفل عن الخطأ
الذي ارتكبه سيحقق النتيجة المطلوبة، وأنه على الأبوين عدم اللجوء للضرب،
وعليهما التعامل مع الأطفال بتفاهم أكثر، وأن يبادلاهم الرأي والمشورة لزرع
الثقة فيهم، وإذا فشلا في التعامل مع الطفل، فيجب عليهما التوجه لأي جهة
مختصة طالبين المشورة، مشيرة إلى أن الضرب قد يؤدي
إلى التمادي في العناد، ويشعر الطفل بالخوف.
بدورها، قالت "لبنى.ع": "أرفض الضرب، وأتمنى أن نربي
أبناءنا على المثل العليا والحرية المسؤلة والشخصية الواثقة القوية، وأن
نترك لهم حيزا من الفراغ لعقولهم يمكنهم من حرية الاختيار والإبداع".
لكن ترى ما المقصود بعملية تأديب الطفل وتهذيبه؟ وهل
الضرب وسيلة تربوية ناجحة؟ ومتى نلجأ إليه؟ وما الآثار
السلبية التي يتركها الضرب على الطفل؟ وماذا عن هدي النبي صلى الله عليه
وسلم في تربية الأبناء؟
الدكتورة إيمان حسين شريف، اختصاصية في الصحة العامة،
عرفت عملية تهذيب الطفل أو تأديبه بأنها محاولة من جانب الآباء لتغيير سلوك
أطفالهم، مؤكدة على أن الهدف من هذه العملية تعليم الأطفال ضبط النفس،
وتحمل المسؤولية، والتصرف بسلوك مقبول، وترسيخ القواعد والانضباط لدية في
مرحلة مبكرة من عمرهم. بحسب جريدة "الشرق الأوسط".
وأشارت شريف إلى أن هناك طرقا عديدة ومختلفة لتأديب
الأطفال، أكثرها شيوعا فرض السيطرة، حيث يلجأ الوالدان لاستخدام العنف
البدني "الضرب"، أو التهديد باستخدامه من أجل السيطرة على سلوك الطفل،
والإيذاء العاطفي، وفيه يتجاهل الوالدان الطفل ولا يظهران حبهما له، مشيرة
إلى أن هذا الأسلوب قد يكون فعالا على المدى القصير ولكن عواقبه وخيمه.
ومن هذه الطرق التعليل، وفيه يقوم الوالدان بشرح
الصواب والخطأ للطفل والنتائج المترتبة على أفعاله من أجل تغيير سلوكه،
مبينة أن الدراسات التي تناولت هذا الأمر أشارت إلى أن الأطفال الذين
يستخدم معهم هذا الأسلوب التأديبي يكونون أكثر انفتاحا على المجتمع من
غيرهم، ويسلكون سلوكا مقبولا.
وحذرت شريف الآباء والأمهات من اللجوء للضرب لأنه يترك
آثارا سلبية على الطفل، وهو ما أكدته الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال،
والتي أشارت إلى أن الضرب يعلم الطفل اللجوء للعنف عندما يغضب، كما أنه
يجعل الطفل يخاف والديه ويستاء منهما، ويفقد الثقة فيهما، وقد يسعى لجذب
الاهتمام السلبي عن طريق إغضابهما، كما أشارت إلى أن الأطفال الذين ضربوا
في الصغر من الأرجح أن يكونوا عدوانيين، وربما تكون مشاكلهم السلوكية أو
العقلية أكثر من غيرهم.
وفي السياق ذاته أشارت الدراسات الأربع التي قدمها
مختبر أبحاث العائلة ــ جامعة "نيو هامشير" الأمريكية 2009 - أن الوالدين
اللذين يعاقبان الطفل بالضرب والصفع يجعلانه أكثر عرضة لأن يمارس
الانحرافات الأخلاقية في الكبر، كالاغتصاب والتحرش.
وأوضح البروفيسور "موراي سترواس"، مدير مركز أبحاث
العائلة بجامعة "هامشير"، أن هناك أكثر من 100 دراسة قاموا بها، أكدت أن
مجرد صفع الطفل هو من الأسباب الرئيسية لمعاناته في كبره من الاضطرابات
العقلية والنفسية والجنسية والعنف الأسري.
وفي بحث آخر لذات المركز قارن بين معدلات ذكاء الذين
تعرضوا للصفع في طفولتهم وآخرين لم يتعرضوا للصفع، وأشار إلى أن الأطفال
الذين تعرضوا للصفع انخفض معدل ذكائهم بقدر تكرار صفعهم، وحتى الصفع النادر
أدى لحدوث انخفاض في معدل الذكاء، وهذا يؤدي لحصول تفاوت في التحصيل
الدراسي، كما توصلت دراسات أخرى لزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة لدى
الذين يتعرضون كأطفال للعنف المادي أو المعنوي بحسب "عكاظ".
ونصحت إيمان الشريف الآباء بضرورة تفهم مراحل نمو
طفلهم، وعليهم أن يعلموا أن كل طفل يختلف عن الآخر، وأن ما ينجح مع طفل قد
لا ينجح مع طفل آخر، وأن عليهم اختيار وسيلة التهذيب التي تناسبهم، فليس
هناك خطأ أو صواب فيما يختارونه، وعليهم إذا لجأوا للضرب أن يستخدموه بحذر.
هدي النبي في التربية
وعن هدى النبي صلى الله عليه وسلم في تربية أبنائه
يقول الدكتور أحمد سعيد حوى أستاذ الفقه وأصوله: "لقد كان النبي عليه
الصلاة والسلام القدوة في كل شيء، وكان المربي الأكمل والأب الأكمل، وكان
يعطي كل ذي حق حقه، وقد بيّن قولا وعملا أن للأهل والعيال على الإنسان حقا،
كما للنفس حق ولله حق وللضيف حق، فأعط كل ذي حق حقه".
وأشار حوى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا
بضرورة مداعبة الأبناء والترويح عنهم والصبر على مزاحهم، حيث كان الحسن
والحسين رضي الله عنهما يعلوان ظهر النبي عليه الصلاة والسلام وهو في
الصلاة، وقد دخل أحدهما المسجد وهو على المنبر، فنزل عن المنبر وحمله،
وأرشدنا إلى نصيحة الطفل وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، حتى وهو في سن
مبكره، وهو ما ظهر جليا في نصيحته المشهورة لعبد الله بن عباس رضي الله
عنهما: "يا غلام، إني أعلمك
كلمات، احفظ الله يحفظك.." (رواه الترمذي)،
ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "سم الله وكل بيمينك، وكل مما يليك.." (رواه البخاري)، ومن ذلك أمره عليه الصلاة والسلام: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها
وهم أبناء عشر" (رواه أبو
داود)، أي ضرب تأديب وتربية، لا ضرب عقاب، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر
بالصلاة لسبع سنوات، والضرب عليها لعشر سنوات، الفرق ثلاث سنوات، يعني مدة
ثلاث سنوات وأنت تحاول وتعلم وتربي ابنك على الصلاة ولا تضربه على ترك
الصلاة مدة ثلاث سنوات، وبعد أن تستنفد المحاولات يأتي دور الضرب.
وبين حوى أن من هدى النبي نستنبط أن هناك أسسا وقواعد
لاستخدام الضرب ليكون منهجا تربويا وتأديبيا، أجمع المختصون على أنه يجب أن
يكون الطفل واعيا، وأن يكون الضارب عاقلا متزنا ولا تسيطر عليه مشاعر
الغضب، وألا تتجاوز عدد الضربات العشر، وأن تكون في أماكن لا تسبب للطفل أي
مكروه أو أذى كالجرح أو الكسر أو تترك علامة كتغير لون الجلد أو احمراره،
واختيار التوقيت المناسب.. فلا تأتي في المساء لتضرب الطفل على سلوك سيئ
فعله في الصباح، وتفسير سبب الضرب للطفل؛ لأن عدم إفهامه سبب عقابه سيولد
لديه شعور بالظلم، ويجعله لا يلتزم بالطاعة، وألا يكون الضرب وسيلة للتنفيس
عن الغضب وتفريغ الضغوط المكبوتة، ويجب إشعار الطفل بالحب والحنان بعد
قليل من عقابه.
[/center]