رؤية تعمقية لدار الخلود

الدار الآخره
======================

انها دار الخلد حيث لا موت بعدها وقد روى عبد الله بن عمر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ( إذا صار اهل الجنة الى الجنه واهل النار الى النار ثم يذبح ثم ينادى مناد يأهل الجنه لاموت ويا اهل النار لا موت فيزداد اهل الجنه فرحا الى فرحهم ويزداد اهل النار حزنا على حزنهم ) رواه البخارى
وإن اعمالنا فى الدنيا ما هى الا بذور تؤتى ثمارها فى الآخره إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَهُ ن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه ( الزلزله
فالدنيا مزرعه والحصاد فى يوم الحساب, يوم يقوم الناس لرب العالمين ويواجه كل انسان نتيجة ما قدمت يداه ان كان خيرا فمصيره للجنه وان كان شرا فمصيره للنار.
لذلك وجب علينا ان نتعرف على تلك الدار الآخره وان نعرف وما اعد فيها من حساب ومن ثواب وعقاب وما سيكون فيها من هول وكرب او نعيم واطمئنان منذ اللحظه الاولى التى يحط فيها الموت برحاله الى ان يستقر اهل الجنه فى الجنه واهل النار فى النار .( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) الشورى
وحتى يقول خزنة الجنه لأهلها ( ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ) ق
فيقول الصالحون ( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) الزمر
وحتى يقول ابليس اللعين لرفاقه ولمن اتبعه من البشر وهم معا فى قعر النار ما ذكره الله فى كتابه العزيز (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّـهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )ابراهيم22
فإلى ان يحين ذلك المصير هناك عدة مراحل, فقبل الجنه والنار صراط , وقبل الصراط ميزان وقبل الميزان سؤال وحساب وقبل ذلك حشر وبعث وقبل الجميع برزخ وموت والى ان يستقر كل واحد منا فى مقعده من الحنه او النار لا بد ان يمر بهذه المراحل , وذلك ما سيجئ ذكره فى الحلقات القادمه .
دمتم فى رعاية الله
ابوبكر

إن الموت مصير كل حى , لن يفلت منه أحد , ولن يسبق الله عزوجل وقضائه المحتوم فى ريب المنون سابق . (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )الجمعه 8,7
وإن الجن وهم أشد قوه وأكثرقدره من الانسان بمراحل لا يملكون لانفسهم شيئا امام قدرة الله وعظمته. ويخبر رب العزه عنهم انهم قالوا إنا ظَنَنَّا أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّـهَ فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا ) الجن 12
اى اننا- اى الجن- ادركنا وتيقنا بأننا لن نستطيع الهرب من قضاء الله . وإن رسل الله واوليائه والمقربين اليه سبحانه وتعالى لم يستثنوامن هذا المصير المحتوم يقول الله مخاطبا خير عباده وخاتم رسله ومصطفاه وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم :
( إنك مَيِّتٌ وَإِإِنَّكَ نَّهُم مَّيِّتُونَ ) الزمر 30
(وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ﴿٣٤﴾ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ) 35 الانبياء
والملائكه المقربون ايضا سيموتون : جبريل وميكائيل واسرافيل . وملك الموت نفسه سيموت كما سنرى فى حينه ان شاء الله . فليس هناك حى باقى لا يموت , إلا الواحد القهار سبحانه وتعالى
(كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)القصص88
(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴿٢٦﴾ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)27 الرحمن .
كذلك فإن الموت إذا حضر فلا دافع له ولا رجعة الى الحياة من بعده ولايمكن لمخلوق- اياكان- ان يقدم لحظه الموت او يؤخرها عما قدره الله لها . (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ )النحل 61
(حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) المؤمنون
وإذا كان الامر كذلك فلابد من ان ندرس تلك الحياة الأخره التى نحن مقبلون عليها , وان نعرف جوانب ذلك المصير المحتوم الذى لا فرار منه ولا فكاك وبدلا من ان يفجأنا الموت وما بعده فتنخلع قلوبنا له علينا ان ندرس هذا المصير وان نتذكره ونتذاكره . وقد كان الامام على كرم الله وجه يقول لابنه : ( يابنى تذكر الموت واذكره دائما حتى لا يفجأك فيبهرك )
والحقيقه ان هول المفاجأه يزلزل اقوى الاقوياء, ولا يقدر على الصمود فى ذلك اليوم إلا من أعد نفسه له . ونضرب لذلك مثلا رجلين, الاول لم ير مستشفى فى حياته ولا يعرف عن نظامها شيئا فلوا أن مثل هذا الرجل وقعت له اصابه ما ونقل على آثارها فاقد الوعى الى اى مستشفى ,ماذا تظن هذا الرجل فاعلا عندما يفتح عينيه فيرى ذلك المكان الغريب ,ويرى حوله الاطباء والممرضات والاجهزه لا شك انه سيصاب بالهلع , وربما يقفز من سريره ويجرى فى اركان المكان محاولا الهرب, وهو يصيح فى رعب وفزع . اما الرجل الثانى فهو عارف لنظام المستشفيات عندما يفيق من غيبوبته لا يستوحش المكان ولا يخشى المكان ولا ممن حوله . لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على ذكر الموت دائما وقد ورد فى الاثر أن فى الجنه درجه لمن تذكر الموت فى اليوم والليله عشرين مره وهنا نشير الى حديث السيده عائشه عندما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم :
( هل يحشر مع الشهداء احد ؟ قال : من تذكر الموت عشرين مره ) الشوكانى فى كتاب الفوائد .
فإن المؤمن الذى يرقب الموت تكون أعماله نقيه طاهره لانه يعلم انه مقبل على الله ولا محاله, وان الله يرصد اعماله ويحصيها ويسجل خواطر نفسه .
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٣﴾أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )الاحقاف 14
اما هؤلاءالذين لا يؤمنون بالآخره ويظنون ان الامر ماهو الا ارحام تدفع وارض تبلع ,كما يردد الدهريون منذ القدم , فإنهم تعساء خاسرون وقد وصف الله تكبرهم وعنادهم واعراضهم عن الحق بقوله تعالى :
(وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )الجاثيه 24
وهل هذا إلا ما يردده العلم الحديث والمفتونون به حين يرجعون الموت الى اسباب ماديه,مثل الشيخوخه وضعف الخلايا وفساد الغدد وتصلب الشرايين والسكته القلبيه... الى آخر المسميات والاسباب ولكن ماذا يقولون فى مسبب هذه الاسباب هذا ما سنعرضه فى الحلقه القدمه .
هذا وبالله التوفيق

ابوبكر

تعدد اسباب الموت :
ماذا يقولون فيمن فى يده الحياة والموت وهو على كل شئ قدير؟! ماذا يقولون فيمن يموت وهو فى زهرة شبابه وهو فى كامل صحته وعنفوانه ؟! ماذا يقولون فيمن يموت فى المرحله الأولى من عمره بل وهو مازال جنينا فى رحم الام ؟! لذلك هم يفسرون كل ما حولنا من الظواهر تفسيرا ماديا ويجعلون الحياة عبثا لا طائل من ورائها . لذلك فإن اصحاب هذا الفكرلا يفهمون الحياة وهى بالنسبة لهم فرصه واحده وعليهم اقتناصها او اغتنمها قبل ان تولّى من بين ايدهم الى البد . (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ )الجاثيه24 ومن هنا كانت الدعوه الى التمتع بمتع الحياةبدون ضوابط ولا مرعاة لدين او خلق ,مما يترتب آثار فى انطلاق الإباحيه وانفلات المعاييرالخلقيه, كل يحاول جهده ان يغترف من الشهوات والفرص قدر استطاعته ويتهالك فى جمع المال والسلطه ما وجد الى ذلك سبيلا ولسان حاله يقول " أن ومن بعدى الطوفان " ان انفلات العقيده من افئدة الناس يحولهم الى حيوانات تلهث وراء الغرائز والشهوات, ولا يرون غيرها هدفا يطمحون اليه . أيظن ظان ان واحدا من هؤلاء يهتز لقول الله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّـهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )البقره 281 او يفقهه ؟ ان المؤمن المراقب لأمر آخرته إذا سمع هذه الآيه -مثلا - يقشعر جسمه وخرَخاشعالله ضارعا اليه أن يغفر له ويرحمه. لذلك لا يصح لأحد ان يظن أن الدعوه الى مراقبة الموت تتنافى مع الدعوه الى عمارة الدنياوالكون ودفع عجلة الحياة , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم -نفسه-يقول : ( إذا قامت القيامه وفى يفليغرزها )رواه د احدكم فسيله احمد ذلك لأن المؤمن يعمر آخراه على قدر ما يعمر فى الدنيا حتى يعم الخير الجميع , وينشر الامن والعدل , فإن عمارة الدنيا مع خشية الله هى التى تحقق هذه الاهداف التى يطلبها الناس ى ويعملون من اجلها . (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ )الملك 15 وهو سبحانه وتعالى الذى يقول : (إِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )الجمعه 10 إن من يظن ان عمارة الكون يمكن ان تحدث بدون مراقبه من الله وبدون ايمان بالآخره وعمل لها فهو مخطئ او واهم , لانه عندما تغيب عن النفوس خشية الله تكون كما نراها حولنا فى عالم اليوم . سخر الانسان الضال الغشوم يغم الله الذى انعم عليه بها لصنع أدوات الفتك والقتل , وآلآالدمار الرهيبه , وتسلط القوى على الضعيف يذله ويمتص دمه , وضاعت الاخلاق والقيم واهدرت الحقوق والحرمات . لذلك نقول دائما انه ليس العبره بالميزان, وانما العبره فى اليد التى تحمل الميزان, قد يكون الميزان عظيم ودقيق ولكن اليد التى تحمله يد آثمه وتحركت نفس آماره بالسوء . فهل يمكن ان تكون بالدقه المطلوبه ؟؟؟! إن هذا من نسيان الله .. من نسيان الآخره .. من نسيان المصير والى حلقة قادمه
عفانى وعفاكم الله
ابوبكر

فإذا كان الموت أمرا واقعيا لا فرار منه ولا رجوع بعده الى الدنيا فلماذا لا نعد له قبل ان نفاجأ به , ولماذا لا نبنى لأنفسنا قصورا فى الآخره بأعمالنا الصالحه فى الدنيا .
(مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) الروم44
وإننا إذا كنا نريد أن نبنى أوطاننا بناء سليما متينا فلايكون ذلك إلا ببناء رجال مؤمنينىبالله واليوم الآخر ومراعين له فى كل صغيره وكبيره , وواضعين نصب اعيونهم انهم ملاقوه يوم القيامه ليحاسبهم على ما قدموه فى دنياهم من عمل .
هكذا كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين الذين عمروا الحياة وملأوا ارجائها خيرا وعدلا وبركه .
أما الانغماس فى الحياة الماديه فلا يبنى وطنا ولا يشيد عمرانا, ويورثهم حب الدنيا والحرص عليهاكل اسباب المذله والهوان .
ان الحياة الماديه البحته إذا طغت على حياة المرء جعلتهاجحيما لا يطاق انها تقطع كل آمال فى الحياة الآخره وتحقركل آماله فى هذه الدنيا , مما يجعل المرء يجزع لأى بلاء ينزل عليه .
وإن ما نسمعه من أخبار المنتحرين الذين ينهون حياتهملأسباب ماديه, مرجعه الى انهم ظنوا ان الحياة هى منتهى الآمال والاحلام , ولذلك فإنهم إذا تعثرت الحياة هربوا منها ظآنين انهم سيواجهون الراحه بعد التعب ولكن سيخيب ظنهم .
ولو أنا متنا تركنا لكان الموت راحه كل شئ
ولكننا إذا متنا بعتنا و نسأل بعده عن كل شئ
ياليتهم ادركوا.. ياليتهم فهموادينهم.. ياليتهم عرفوا حقيقة الموت وتعرفوا على الحياة الآخره ودرسوا مراحلها.. ياليتهم علموا ان الانتحار جريمه كبرى لصاحبهاالنار. وان الصبر على البلاءفضيله عظيمه يحبها الله و يثبت عليها , ياليتهم وعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم :
( عجبا لأمر مؤمن إن أمره كله خير , وليس ذلك للمؤمن. إن اصابه سراء شكرفكان خير له , وإذا اصابته ضراء صبر فكان خير له ) رواه مسلم عن صهيب الرومى .
ياليتهم وعوا لقول الله تعالى :
( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل 96
( وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ ) النحل 126
(وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الإنفال46
ان المؤمن بالله واليوم الآخر يدرك ان الدنيا ماهى إلا مرحله قصيره لابد للمرء فيها من الامتحان , ويرد مع القائل :
( الدنيا ساعه فإجعلها فى طاعه )
اما القرار والاستقرار والدوام والخلود فهو بعد الموت
( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) غافر 28
( وَمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) العنكبوت 64
ولقد شبه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم الدنيا والآخره تشبها بليغا فقال :
( ما الدنيا إلا كما يضع أحدكم أصبعه فى اليم فلينظر بم رجع ) رواه مسلم عن شداد بن اوس
فهل يعتز بهذه الدنيا بعد ذلك إلا الجاهل ظالم نفسه ؟ قد يتساءل احدهم فيقول : ان حياة الفرد العادى قد تطول الى ستين او السبعين , ولو استبعدنا منها سن الطفوله قبل التكليف وفترات النوم والمرض والانشغال بأمور الدنيا فلن يتبقى من هذا العمر المديد الا حوالى خمس او عشر سنوات عباده لله . ايعبد المرء ربه فى حياته كلها هذا العدد من السنين القليله ثم يكافئه الله بجنات النعيم - بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر - إلى ابد الآبدين؟
نعم احبائى الكرام ان الله لا يعامل خلقه بالمثل , إنك تطيع الله وتطيعه على قدر طاقتك , وهو سبحانه وتعالى يعطى على قدر قدرته .
( إِنَّ اللَّـهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) النساء 40
ان المؤمن يعمل الخير بنية المداومه عليه مادام حيا قادرا , فيكون من كرم الله وفضله ان يديم له النعيم فى دار الخلد .
هذا وبالله التوفيق
والى حلقة تاليه
ابوبكر

الدار الآخره


الحلقه السادسة

مادامت الروح بأمر ربها من البدايه وحتى النهايه ولا علم لنا بموعد بهايتها فينبغى ان الوصيه مكتوبه لمن هم وراء ظهورنا حتى لا نتسبب بإهمالنا فى ارتباك الورثه بعد الموت فيما عليهم وما لهم وقد يكون الورثه جاهلين بأحكام شرع الله فى الميراث فلا يتنبهون لديون المتوفى, ويقومون بقسيم التركه قبل لن يسددوا ما على الميت من ديون فتظل روحه حبيسه عن الجنه حتى يقضى دينه . وهذا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشرف :
( والذى نفس محمد بيده لو قتل الرجل فى سبيل الله ثم عاش ثم قتل ثم عاش ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنه حتى يقضى دينه )
رواه النسائى والطبرانى
ولكن من التزم بنهج الله القويم ,وكتب وصيته وابلغ اهله فألاثم عليهم قال تعالى :
(فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )البقره 181
وهذا الاثم نظير تفريطهم فى حق الله وحق العباد وخاصتا حق الوالدين او الاقربين وإذا تبين ان الميت جار على حق الغير فعلى الموصى الحق ان يعدل فى الوصيه اسمع معى قول الله تعالى :
( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )البقره182
والرسول يقول :
( لا ضرر ولا ضرار )
رواه ابن ماجه والدار قطنى وغيرهم
والصحابه كانوا حريصين على ذلك لاغن الوصيه كانوا يعتبرونها مظهر من مظاهر خشية القلب وكان عبد الله بن عمر رضوان الله عليهما يقول :
( مامرت على ليله منذ ان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذلك إلا وعندى وصيتى
وفى قصة سعد بن عباده, برغم انه شفى بعد ذلك وعاش طويلا وانجب اولاد .
ثم لعلكم تتعجبون احبائى الكرام إذا علمتم انهم كانوا ايضا يوصون وهم اموات . وحتى يزول عجبكم فأليكم قصة الصحابى الجليل ثابت بن قيس بن شماس . قال عطاء الخراسانى : حدثتنى ابنة ثابت بن قيس بن شماس قالت : لما نزلت آية :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الحجرات 2
دخل ابوها بيته وأغلق عليه بابه , وطال مكثه فى الدار حتى افتفده رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأرسل من يسأل عنه. فقال : انا رجل شديد الصوت أخاف ان يكون قد حبط عملى وحبط جهادى فقال له النبى-صلى الله عليه وسلم :
( لست منهم. بل تعيش بخيروتموت بخير ) رواه البخارى ومسلم
قالت : ثم انزل الله سبحانه وتعالى قوله :
( وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد 23
فذهب واغلق الباب عليه وطفق يبكى ففقده رسول الله -صلى الله علبه وسلم- فأرسل اليه فأخبره قائلا : يارسول الله انى احب الجمال واحب ان أسود قومى فقال رسول الله - عليه الصلاة والسلام :
( لست منهم . بل تعيش حميدا , وتقتل شهيدا , وتدخل الجنه ) رواه البخرى ومسلم
قالت : فما كان يوم اليمامه , خرج مع خالد بن الوليدلقتال مسيلمه الكذاب , فلما التقوا وانكشفواقال ثابت لسالم مولى ابى حذيفه : ماهكذا كنا نقاتل مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ثم حفر كل واحد منهماحفره فثبتا وقاتلا واستشهدا... وكان ثابت يومئذ درع لنفسه, فمر به رجل من المسلمين فأخذها-فبينما خالد بن الوليد- قائد الجيش - نائم إذ أتاه ثابت فى منامه فقال : انى اوصيك بوصيه, فإياك ان تقول : هذا حلم , فتضيعها: إنى لما استشهد بالامس , مربى رجل من المسلمين فأخذ درعى , وأن منزلهفىى اقصى المدينه , وعند خبائه فرس يستن فى طوله " اى فى لجامه وشكيمته" وقد كفأعلى الدرع برمه, وفوق البرمه رحل فأذهب وخذ درعى , وإذا قدمت المدينه على خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابى بكرفقل له : إن على من الدين كذا وكذا فليقم بسداده . فأرسل خالد من يأتى له بالدرع, فوجدها كما وصف ثابت تماما , ولما رجع المسلمون الى المدينه حدث خالد بن الوليد ابابكربرؤياه فأجاز وصيته .
قال : ولا نعلم احدا اجيزت وصيته بعد موته غير ثابت بن قيس رحمه الله
احبائى الكرام
كل ماسبق كان تميدا للموت ولكن هناك مقدمات او مؤشرات سوف نتعرف عليها فى الحلقات القادمه .
ابوبكر

[الدار الآخره
( 7 )
مقدمات الموت
===================
ذك الموت وقصر الأجل :
لا اعنى بذكر الموت وقصر الأجل . اليأس من الدنيا فلا تخطيط لمستقبلنا فيها - فهذا عين الخمول والتخلف بل يجب على الانسان ان يعمل دائبا فى حياته ولذريته من بعده , بل يعمل لصالح المسلمين عامة , ومع هذا العمل الدءوب يجب الأينسى آخرته... " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا , واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا "
وكما ورد فى الاثر عن عمروبن العاص رضى الله عنه .
ويجب على المسلم ان يتذكر دائما انه الى عالم الغيب والشهاده ليجازيه ويحاسبه على ما قدم من عمل... ان خيرا فخير , وان شرا فشرا قال تعالى :
(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )105 التوبه
وقوله تعالى :
( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) 15 الملك
فمع الأمر بالعمل يذكرنا بألآخره والموت ولقاء الله تعالى والحديث يقول :
(حسن السؤال نصف العلم, والتودد الى الناس نصف العقل , والإقتصاد فى النفقه نصف المعيشه .ولا عال منى اقتصد ) رواه الامام احمد .
فالإسلام أمرنا ان نقتصد وان ندبر لانفسنا فى المعيشه , ففى حديث طويل يقول _ صلى الله عليه وسلم :
( يا أباذرلا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق) رواه ابن حيان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد
بل ان التدبير والتوسيط فى المعيشه من صفات عباد الرحمن كما قال الله تعالى :
( وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا ) 67 الفرقان
قواما اى : وسطا واعتدالا, والقوام يحتاج الى عقل بصير , وكان الصحابه يحجزون للنبى _صلى الله عليه وسلم - من الاموال قوت سنه ليكفيه هو ومن يعول . ومع هذا فإن هذا المدخر كان ينفد بعد زمن يسير, وذلك من الإثاروكثرة الضيفان وكل هذا كما قلنا لا يتعارض مع ذكر الموت دائما , وذلك حتى لا تطغى الماديات علىى الروحانيات . وذكر الموت كان من الوسائل التربويه التى يعمد اليها الرسول صلى الله عليه وسلم-بين الحين والحين , وذلك يجعل من العاملين فى حقل سواء فى التجاره او الصناعه او الجهاد من يعملون مع مراقبة الله , ومع حساب النهايه, وجعل المسؤليه امام الحسيب- سبحانه وتعالى, فكان يقول عليه الصلاة والسلام :
( اكثروا من ذكر هازم اللزات . فإن ذكره فى ضيقه الاوسعها ولا ذكر فى سعة إلا ضيقها ) الترهيب والترغيب رواه بإسناد حسن البزار .
ومن المعانى التى وراء هذا الحديث ان النبى -صلى الله عليه وسلم- يبين ان المال قد يطغى على عقل صاحبه فبذكره للموت يعلم زواله وفناءه , فلا يطغيه ولا يلهيه ولا يخزيه والمولى تبارك وتعالى يقول :
( وَلَوْ بَسَطَ اللَّـهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) 27 الشورى
فذكر الموت دائما يقلل الغرور والخيلاءوالكبرياء, والكبرالذى قد ينتج عن كثرة المال, ثم ايضا يمحوهم الفقير ويزيد رجاءه فيما أعد الله له . فيكون كل همه ان يموت وربه راضىى عنه , وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما اشتد به الضيق يوم الطائف :
( إن لم يكن بك غضب على فلا ابالى ولكن عافيتك هى اوسع لى - لك العتبى حتى ترضى ولا حولا ولا قوة الا بالله العلى العظيم )
وعندما سئل النبى -صلى الله عليه وسلم-من اكيس الناس يارسول الله قال :
( اكثرهم للموت ذكرا واشدهم له استعدادا , اولئك الاكياس , ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخره ) رواه ابن ماحه بإسناد جيد
ثم نرى القرآن الكريم يذم الغافلين الموملين فى الدنيا والذين لا يعدون للآخره , فيقول المولى سبحانه ونحن على ذلك من الشاهدين والموقنين :
( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا ﴿٧٧﴾ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـٰنِ عَهْدًا ﴿٧٨﴾ كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ﴿٧٩﴾ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا ) 80 مريم
ويذم ايضا الذين يفرحون ويمرحون بكثرة الانفاق والتبذير فيقول سبحانه وتعالى :
( أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴿٥﴾ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا) 6 البلد
وسئل اعرابى حكيم عما معه فقال : هذا مال الله امانه عندى
ثم يبين الله -سبحانه وتعالى -قلة متاع الدنيا وبقاء الآخره, والموتى يأتى بغته ولا يمنعه مانع ولا يحجزه حاجز فيقول عز وجل :
( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ٧٧ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ) 78النساء
وعندما سأل ابو ذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عن صحف موسى قال عليه السلام :
( كان فيها : (عجبت لمن ايقن بالموت ثم هو يفرح , وعجبت لمن ايقن بالقدر ثم يغضب , وعجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم إطمإن اليها ) رواه ابن حيان فى صحيحه
وقد قدم ذات يوم -كما يروى -ابوسعيد الخدرى فيقول : دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مصلاة فرأى ناسا كأنهم يكتشرون قال :

( اما منكم لو اكثرتم ذكرهازم اللذات لشغلكم عما ارى فأكثروامن ذكر هازم اللذات : الموت فإنه لم يأت على القبريوم إلا تكلم فيه فيقول : انا بيت الغربه , انابيت الوحده , وانا بيت التراب , وانا بيت الدور , فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحبا واهلا اما ان كنت لأحب من يمشى على ظهرى الى فإذا وليتك اليوم وصرت الى فسترى صنيعى بك قال : فيتسع له مد بصره , ويفتح له باب الى الجنه , وإذا دفن العبد الفاجر او الكافر قال له القبر : لا مرحبا ولا اهلا اما ان كنت لابغض من يمشى على ظهرى الى فإذا وليتك اليوم وصرت الى فسترى صنيعى بك قال : فليتم عليه حتى تلتقى عليه وتختلف اضلاعه قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعه فأدخل بعضها فى جوف بعض- قال : ويقبض الله له سبعين تنينا لو أن واحدا منها نفخ فى الارض ماانبت شيئا مابقيت الدنيا , فينهشنه ويخدشنه حتى يفضى به الحساب قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -انما القبور روضه من رياض الجنه او حفره من حفر النار )
فلما انتهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-من الحديث كان الصحابه -رضوان الله عليهم -وكـأن على رؤسهم الطير وقد سمع لهم صوت ونحيب وبكاء .
وكان المقصود من نصيحة الرسول -صلى الله عليه وسلم الغاليه -ان يقتصدون فى الضحك ولا يبالغوا , وان يعلموا ان الدنيا ما هى إلا زيف وغرور والفرصه مازالت سائحه, حتى لا يندم الانسان فى وقت لا ينفع فيه الندم . ويطلب دنيا أخرى غير التى فاتته : كما يصف المةلى تبارك وتعالى بقوله :
( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ )المؤمنون 100
والى حلقه قادمه
ابوبكر

احبائى الكرام

اتمنى من الله تعالى ان لا يكون احدا منكم متشائم منا من الحلقات التى اتناولها عن الدار الآخره ولو علمتم ما فيها من خير لكم لتهاتفتم على قراءتها اننا احبائى الكرام فى الدنيا كعابرى سبيل
وما الدنيا الى نحن فيها كالطالب يذاكر لينجح فى نهاية دراسته فإن اجتهد نال الفوز الكبير وان قصر فى واجبه خسر وندم لذلك هذه الحلقات ماهى الى تذكير بالواجبات وحتى لا نفاجئ بالسؤال
اتمنى من الله لكم طول العمر وحسن العمل .

الدار الآخره ( 8 )
مقدمات الموت
================
احبائى الكرام

مازلنا فى مقدمات الموت فأنظروا الى حال هذا الغافل , واستمع الى الرد الموجع المؤلم بعد ان انذرت الرسل وبلغت حجة الله مداها من الأذان .
وعن عبدالله بن عمر -رضى الله عنهما- قال : اخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبى فقال :
( كن فى الدنيا كأنك غريب اوعابر سبيل ) رواه البخارى
وكان عبد الله بن عمر يقول : إذا امسيت فلا تنتظرالصباح , وإذا أصبحت لا تنظر المساء , وخذ من صحتك لمرضك ومنىحياتك لموتك .
وفى روايه أخرى : ( كن فى الدنيا عابر سبيل , وعد نفسك منى اصحاب القبور . وقال لى : يا ابن عمر إذا اصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء , وإذا امسيت لا تحدث نفسك بالصباح , وخذ من صحتك قبل سقمك , ومن حياتك قبل موتك , فإنك لا تدرى يا عبد الله ما اسمك غدا ) رواه الترمذى والبهيقى
إنظر اخى الحبيب الى هذه الموعظه الغاليه من الحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- للصحابى واجعل نفسك مكانه حتى لا تشغلك الدنيا وتلهيك الغفله ويغرك الشيطان. وكان امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز حينما تولى الخلافه يقول : لا يدخل على الشعراء والمداحون ولكن يدخل على العلماء والفقهاء ليذكرونى بالله , ثم التفت الى الذى كان يمدحه بجمال وجهه وبياض اسنانه وسواد شعره وقال له : ياهذا امغرور انت بجمال وجهى وبياض اسنانى وسواد شعرى ؟! والله لو نظرت الى بعد ايام من دفنى لوليت منى هربا ...
ومر - النبى - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على جمع من الصحابه فلما سأل اخبروه ان رجلا من الصحابه مات , فذهب اليهم , وعندما وقف على قبره جثا على ركيتيه وطفق يبكى ثم قال بعد ان قام :
( يا اخوتاه لمثل هذا اليوم فأعدوا ) رواه المنذرى فى الترغيب والترهيب
اى الاستعداد للقاء الله- تبارك وتعالى - بحسن العمل والتذكر وعدم الغفله واللهو فى الدنيا وكما بينا من قبل ليس معنى التذكر للموت الجلوس عن عمارة الدنيا, كما يفعل بعض المتواكلين. وكل هذه النصوص من الآيات او الأحاديث المذكره بالموت نقول انها كانت احاديث يقولها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إما وصفا لعلة قائمه - كلهو صاحبها عن مراقبة الله تعالى - او لقطع الامل الطويل الذى يبعد عن الواقع, او يؤدى الى التكاثر والتفاخر والتنافس المدمر , اى انه كان يعالج بها حالات معينه , وعلينا ايضا ان نتذكر ان العبره بعموم اللفظ لا بخصوص السببفى مثل تلك الحالات .
واعود بكم الى المنزل الاول وهو ان الانسان الذى يبصر الدنيا بعين الحقيقه يدرك ان الدنيا دار ارتحال وجدنا فيها لنعبد الله , ويقول الشاعر :
لعمرك ما الدنيا بدار اقامه
ولكنها دار انتقال لمن عقل
إذا اضحكت ابكت وإن اقبلت
تولت وان اعطت فأيامها دول
ثم نرحل عنها فنحن فيها كعابر سبيل , بل هى اقصر الحقات منذ ان كنا ارواحا فى ظهور ابينا آدم , ثم حياة البرزخ ثم حياة الخلود الاخروى , ونحن كان لنا اصل عريق فى مكان رفيع راق . وجئنا لفتره لنسدد دينا علينا ثم نرجع فعندما خلق آدم اسكنه الله الجنه يقول تعالى :
( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ) البقره35
فكان آدم فى الجنه وكنا مع آدم بأرواحنا فى ظهره يقول تعالى :
( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ) الاعراف172
وقوله تعالى :
( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )
وقد كان لنا فى ائمة الاسلام اسوه , فالامام احمد بن حنبل - رحمة الله عليه - كانت احيانا تصله هبات والتبرعات بالألوف ليوزعها على الفقراء فى حين تبيت اسرته بلا عشاء لفقد ما تتعشى به . وفى ذات يوم جاءه رجل من المنافقين وقال : يا احمد كيف تقولون ان الله يعطى الدنيا للفجار ويحرم فيها الابرار فى حين انى أراك توزع الصدقات ولديك الآلاف , وانا لا املك درهما واحدا وانا فاجر . فقال له : يا هذا انتم جعلتم الدنيا فى قلوبكم فحرم الله منها ايديكم , ونحن أخرجناها من قلوبنا فملآالله بها ايدينا .
ان الغنى الشاكرخير من الفقير الصابر , فلوان الله اعطاك ما فى الدنيا من كنوز وكان قلبك معلق بها , وكنت تعطى حق الله فيها وتشكر عليها فأنت حينئذ افضل عند الله من الفقير الصابر المتشوق لها , لانه لم يبتلى بالرخاء, لان كثير من الناس تطغى نفوسهم حين تتبسم لهم الدنيا , يقول الله تعالى :
( وَلَوْ بَسَطَ اللَّـهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)الشورى27
احبائى الكرام
هل لنا ان نتمنى الموت ؟؟؟
هذا ما سوف نتعرف عليه فى الحلقه القادمه

ابوبكر

الدار الآخره
( 9 )

احبائى الكرام

وقفنا فى الحلقه السابقه عن سؤال : وهول هل يجوز ان نتمنى الموت ؟
لا يجوز للمسلم تمنى الموت لضر نزل به او لفقر او لبلاء . فإن طول العمر مع حسن العمل خير من قصره , ثم ان الله إذا مد فى الاجل ربما اعطى العبد المسئ فرصه للتوبه , واعطى للعبد الصالح فرصه لزيادة عمله الصالح للتقرب الى الله تعالى . فعن ام الفضل رضى الله عنها, ان النبى -صلى الله عليه وسلم -دخ مع العباس - عم النبى صلى الله عليه وسلم- وهو يشكى فتمنى -اى العباس -الموت فقال- اى الرسول صلى الله عليه وسلم -:
( يا عباس لا تتمن الموت , ان كنت محسنا تزدد احسانا الى احسانك , وان كنت مسيئا فإن تؤخر تستعتب من اساءتك خير لك . لا تتمن الموت ) رواه احمد والحاكم
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تتمنوا الموت , فإن هول المطلع شديد , وان من السعاده ان يطول عمر العبد ويرزقه الله الانابه ) رواه احمد بإسنادحسن والبهيقى
فكل هذه الاحاديث توضح ان عدم تمنىى الموت امر لازم, وفيه خير للعبد ولكن إذا كان الامر خوف الفتن فى الدين مثلا , فلا مانع من ان يقول العبد ماقاله النبى -صلى الله عليه وسلم - فى الحديث المروى عن انس- رضى الله عنه- قال :
(لا يتمن احدكم الموت لضر نزل به, فإن كان ولا بد فاعلا فليقل اللهم احينى ما كانت الحياة خيرا لى وتوفنى إذا كانت الوفاةخيرا لى ) رواه البخارى ومسلم
بل ان هناك اقواما منع الله عنهم الموت حتى الشهاده ليطيل اعمارهم ليحسنوا اعمالهم , ثم يعطيهم درجة الشهاده , ففى حديث عن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( ان لله عبادا يضن بهم عن القتل , ويطيل اعمارهم فى حسن العمل , ويحسن ارزاقهم , ويحييهم فى عافيه ويقبض ارواحهم فى عافيه على الفراش , ويعطيهم منازل الشهداء )رواه الطبرانى بالترغيب والترهيب
بل لعل الذى يموت على الفراش مع طول عمره وحسن عمله خير من الشهيد الذى عجل له اجله , فعن عبد الله بن شداد ان نفرا من بنى ذرعه - ثلاثه-اتوا النبى -صلى الله عليه وسلم -فأسلموا قال :
فقال النبى -صلى الله عليه وسلم :
( من يكفيهم ؟ قال طلحه : انا . قال : فكانوا عند طلحه فبعث النبى -صلى الله عليه وسلم- بعثا فخرج فيهم احدهم فاستشهد, ثم بعث بعثا فخرج فيه آخر فأستشهد , ثم مات الثالث على فراشه . قال طلحه : فرأيت الثلاثه الذين كانوا عندى فى الجنه , فرأيت الميت على فراشه امامهم ورأيت الذى استشهد اخيرا يليه , ورأيت اولهم اخرهم , قال : فداخلنى من ذلك . فأتيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك . فقال : وماانكرت من ذلك ؟ ليس احد افضل عند الله عزوجل من مؤمن يعمر فى الاسلام لتسبيحه وتهليله ) رواه احمد وابويعلى
بعد ان بيناان المسلم عليه ان يعمل لدنياه ولا ينسى آخرته وان يكون ذكر الموت دائما له على بال . كما قال الامام - على رضى الله عنه -لابنه الحسن : يابنى اذكر الموت دائما وتعلمه حتى لا يفجأك فيبهرك )
اما وقد انتهينا من ذلك فهنا نبدأ المرحله الحقيقيه لهذا التذكير, اى ثمرته , وهى الخوف من لقاء الله تعالى , فطالما اننا عن الدنيا مرتحلون , وحيث ان الموت يعمنا ويدهمنا والقبر يضمنا والقيامه تجمعنا . والله يحكم بيننا .. فلابد اذن من الخوف من هذه المراحل , فإن لم تشعر به نستشعره . فكما قال رسو الله -صلى الله عليه وسلم- لقارئى القرآن :
( اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ) رواه بن ماجه
وذلك حتى لا تكون قلوبنا قاسيه , فإن ابعد القلوب من الله القاسيه فعلينا إذن ان نفكر فى قول الله تعالى :
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم (26) الغاشيه
وقول الله تعالى :
( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )30 آل عمران
والله سبحانه وتعالى ينادى على المؤمنين :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٨﴾ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّـهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿١٩﴾ لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴿٢٠﴾ لَوْ أَنزَلْنَا هَـٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّـهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) 21 الحشر
مع ان الجميع يعلم انه سيموت , نرى القليل الذى يخشى الله ويعمل ليوم اللقاء عندما ينقطع العمل ويبدأ الحساب , فلو كان العقلاء الموقنون بالموت خائفين لما كان هذاحالهم وكأن الموت ليس بعده حساب ولا جزاء ولا عقاب
لو انا إذا متنا تركنا لكان الموت راحه من كل حى
ولو كنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شئ
( ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ﴿١٥﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) 16 المؤمنون
والمولى تبارك وتعالى يقول عن الفاجر العاصى معبرا عن فجيعته وحسرته :
( يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ﴿٢٧﴾ مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ ﴿٢٨﴾ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴿٢٩﴾ الحاقه
فهو يتمنى الا يبعث, من هول ما رأى وما عاين بعدما علم ان كل ماشغله عن الله فى دنياه لم يمنع عنه ما اعده الله له من سوء العذاب واليم العقاب , ويقول الله تعالى ردا على من يسألون يوم البعث كيف بعثوا -لانهم كانوا مكذبين منكرين له . متهمين من يدعوهم واليه بالرجعيه والتأخر ويرمونه بأفظع الاتهامات :
( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ﴿٥١﴾ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَـٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَـٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ )52 يس
والى حلقه قادمه انشاء الله

الدار الآخره
(10 )
سؤال الله العفو ةالعافيه
=============================
اوصانا النبى - صلى الله عليه وسلم - ان نسأل الله سبحانه وتعالى العفو والعافيه , وكان يوصى بها اصحابه - رضوان الله عليهم - فعن ابى بكر - رضى الله عنه - انه قال على المنبر ثم بكى , فقال : قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام اول على المنبرثم بكى فقال :
( سلوا الله العفو والعافيه . فإن احدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافيه ) رواه الترمذى والنسائى
وفى حديث ابى مالك الإشجعى عن ابيه - ان رجلا اتى الى النبى - صلى الله عليه وسلم- وقال : يارسول الله كيف اقول حين اسأل ربى , قال :
( قل اللهم اغفر لى وارحمنى وعافينى وارزقنى . وجمع اصابعه الا الإبهام . فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ) رواه مسلم
وكان يوصى اصحابه بالدعاءبهابين الأذان والاقامه, وفى ليلة القدر, فعن انس بن مالك عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال :
( الدعاء بين الآذان والاقامه لا يرد , قالوا : وماذا نقول : قال :
سلوا الله العفو والعافيه فى الدنيا والآخره ) رواه الترمذى
وعن عائشه - قالت : قال النبى - صلى الله عليه وسلم :
( قولى اللهم انك عفو تحب العفو فأعف عنى ) رواه الترمذى
ومعنى العافيه هو ان الله يعفيك من البلايا والامراض والهم والغم وشماتة الاعداء وحسد الاصدقاء وتعب الزوجه والاولاد والجيران و....الخ .
وعلينا احبائى الكرام ان نحسن الظن بالله وان نغلب حسن الظن على الخوف خصوصا عند الموت وهكذا امرنا النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال :
( لا يموتن احدكم الا وهو يحسن الظن بالله ) رواهمسلم
( انا عند حسن ظن عبدى وانا معه حيث يذكرنى ) رواه البخارى
( حسن الظن من حسن العباده ) رواه بن حيان
هذا عند الموت واقتراب الاجل المحتوم , حتى نلقى الله ونحن نحسن الظن به . ونغلب الخوف عند حديث النفس بالمعصيه ونغلب الرجاء عند التوبه ودنو الاجل يقول تعالى :
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿٩﴾ الزمر
وعندما دل النبى - صلى الله عليه وسلم - على الشاب المريض فقال له :
( كيف تجدك ؟ ) قال يا رسول الله: ارجوا الله واخاف ذنوبى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن الا اعطاه الله ما يرجو , وآمنه مما يخاف ) رواه الترمذى
فالمؤمن دائماعلى حذر من القنوط واليأس,ومن الغرور والغفله , فهو يسيربهذا الجناحين . وقد وصف الله المؤمنين بقوله :
( أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (٥٧﴾ الاسراء
( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾يوسف
( قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴿٥٦﴾ الحجر
ومن الناس اآن من نجده يأمن مكر الله . فهو ينشر فى الارض فسادا ويقول ان الله غفور رحيم , وهو لا يصلى الفرائض , ولا يراعى حدود الله ويقول : ان العبره بالقلوب , فهذا جهل محض , وبعد عن الجاده والطريق السوى , فلابد من التوسط فى كل شئ لا افراط ولا تفريط . والله يبارك وتعالى رحمته وسعت كل شئ ونسأله ختاما على التوحيد .
يقول المولى عز وجل فى حديثه القدسى :
( يا ابن آدم انك ما دعوتنى , ورجوتنى الا غفرت لك على ماكان منك ولا ابالى ,
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتنى غفرت لك .
يا ابن آدم لو اتيتنى بقراب الارض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بى شيئا , لأتيتك بقرابها مغفره ) رواه الترمذى
ومعنى قراب بالكسروالضم : هو ما يعادل ملئها نسأل الله من واسع فضله ان نلقاه لا نشرك به شيئا لننال صدق وعده .. آمين
احبائى الكرام
بعد ال10 حلقات التمهيديه للوقوف على حقيقة الموت وما يجب فعله وما يجب الا نفعله . فإنشاء الله فى الحلقه القادمه سندخل على حققة الموت ومعناه وماهى الروح والنفس والعقل والقلب وكل على حده لكى نعلم كيف نستشعر بدنو الاجل أطال الله اعماركم وحسن اعمالكم .
والى حلقة قادمها

(11 )
ماهو الموت ؟
================
ببساطه مغدرة الروح الجسد .
الروح هى اصل الانسان والجسد مادى ظاهرتستخدمها الروح فى عملها اما طاعه او معصيه .
البدن يتحلل الى ذرات فى التراب وربما يدور دورته ثانيا فى اجساد آخرى .
ام الروح فعلمها عند الله لا تفنى :
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) 9 الاسراء
اى من عالم الامر فهو غير مادى لا يفنى . ويوم القيامه يرد الله سبحانه وتعالى الابدان التى فنيت الى ارواحها الباقيه التى لم تفنى :
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ التكوير
اى اصبحت مزدوجه بعد ان كانت فى عالم البرزخ , وبقيت الزمن الذى كانت فيه فى القبر منعمه او معذبه بأمر من الله سبحانه , كل روح تعود الى جسدها :
( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )27 الروم
ومع هذا التباعد والفناء لا يغيب عن علم الله سبحانه شئ :
( وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾ يس
( لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٣﴾ سبأ
( وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٧٥﴾ النمل
فحقيقة الانسان هى الروح . فعند الموت ما كان من الارض يعود اليها وما كان للسماء يعود اليها , وهذا فى حالة التزكيه والتربيه , كما امر الله تعالى :
( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾ الشمس
فعند الموت ترفع حتى تعرض على المولى تبارك وتعالى - كما سيأتى انشاء الله .
( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨﴾ المطففين
اما اذا دنست وعاشت فى الشوات فترد ولاترفع :
( لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ﴿٤٠﴾ الاعراف
احبائى الكرام
الروح والنفس والعقل والقلب
هل هذه الكلمات تدل على معنى واحد؟
ان اختلفت مسمياتها فهو اختلاف اعتبارى فإذا قصدت العقل مثلا تقول لانسان: اعقل كلامك , فهذا المعنى يأتى من قولك عقلت البعير حتى لا يتفلت . فهنا يقصد بالعقل هذا السر الإ لهى الذى يمنع صاحبه من الشر, ويبعد نفسه عن السوء ويأمر بالخير من حيث انه يمنع صاحبه من ذلك كما يمنع الحبل من تفلت البعيد . فإذا تركنا هذا المعنى وانتقلنا الى التعبير عن الفوائد البدنيه والجنسيه فبدلا من كلمة عقل قلنا النفس بقول الله تعالى :
( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) 53 يوسف
كما نقول فلان سولت له نفسه القتل , او اى نوع من المعاصى اما لشهوة غضب او الشهوه الحيوانيه .
فإذا اردنا ان نعبر عن الادراك الروحى وعن الإلهامات فنقول : فلان قلبه مشرق بنور الله , كما جاء فى الحديث :
( ان النور اذا دخل فى القلب انشرح له القلب وانفسح . قالوا لذلك من علامه يارسول الله ؟ قال نعم التجافى عن دار الغرور والانابه الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله .
هذا تعبير عن القلب المشرق بالنور , الممتلئ, بالإلهامات والنور , فهو يرى النتائج العقليه امامه , ألا انه يقول مع هذه النتائج : ان قلبى يقول لى كذا وكذا وفعلا يصدق القلب فيما تصور , وهنا يكون الحكم السليم للقلب السليم :
( إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴿٨٩﴾ الشعراء
فإذا اردنا ان نعبر عن سر هذا كله , او نعرف ما هو مصدر هذه الاشياء فى الجسم , نجد هى الروح التى فى مقابل الماده التى هى من الله مباشرة . اى من امر الله لا من خلق الله
( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) 54 الاعراف
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿٢٩﴾ الحجر
وهنا نجد ان هذه الكلمات الاربع هى مسميات لعنى واحد مصدره واحد وهنا يتجلى قوله وتعالى :
( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾ الشمس
(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴿٢﴾ القيامه
( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥٣﴾يوسف
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾الفجر
فيما بين الترقيه والانحطاط تخصر هذه المعانى الاربع وهى فى الاصل مصدرها واحد , فإذا صلح القلب استقام فكر العقل زكت النفس واصبح الكل فى معنى واحد الذى هو سر كل هذه الطبائع فى هذا المخلوق العجيب وصدق الله فى قوله :
( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٥٤﴾ الاعراف
احبائى الكرام
لقد طولت النفس فى شرح المعانى الاربع لانها فى النهايه تؤدى الى معنى واحد مجسده فى الروح ولكن ماهى الروح ؟
هذا ما سوف نتعرف عليه فى الحلقه القادمه

الروح
============= ا

الروح مما إستأثر الله سبحانه وتعالى بعلمه , وامسك - النبى - صلى الله عليه وسلم - عن القول فيه عندما سأله اليهود - كما جاء فى الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه وفيه :
( فأمسك النبى - صلى الله عليه وسلم - ولم يرد فعلمت انه يوحى اليه ) رواه البخارى ومسلم
وقال تعالى :
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٨٥﴾ الاسراء
وتضارب اقوال العلماء فى ذلك نفيد مثلا ان ابن القيم جمع فى كتاب " الروح:" الاقوال التى قيلت او بعضها ثم ذكر قولا قال انه الصواب , وجمع الادله الكثيره على صحته وهو :
نحن نتكلم عن شكل الروح او ما يرونه العلماء ولا ننسى ان الرسول لم يرد على لسانه انه تكلم عنها او شكلها ولكن نحن نبرز بعض اقاويل بعض العلماء وحتى لا يلتمس الامر .
يقول ابن القيم " انه جسم نورانى علوى خفيف حى متحرك , ينفذ فى جوهر الاعضاء , ويسرى فيهاسريان الماء فى الورد والنبات , والدهن فى الزيتون والنار فى الفحم لا يتبدل ولا يتحلل , وإذا فسدت الأعضاء بسبب ينافى الروح , خرجت عن قبول تلك الآثار , فارق الروح البدن وانفصل الى عالم الرواح "
كتاب الروح لابن القيم ص 290
وهذه الروح التى تفارق البدن هناك من الملحدين واللادينيين ( العلمانيين ) من ينكرها وينكر وجودها من الاصل , ونحن ان شاء الله نبين الأدله على وجودها بما اثبته العلماء الماديون انفسهم , كأدله ماديه على وجودها , ثم الادله الدينيه على وجودها , وبعد ذلك نتحدث عن الروح ذاتها .
اولا : الادله الماديه على وجود الروح :
====== ========================================
فى البلاد الملحده والغرب يبحثون فى العلم من اجل العلم , وليس من اجل الدين , ولقد وصلوا الى ان الانسان ليس هذا الجسم والهيكل المرئى فحسب , بل هناك شئ آخر داخل هذا الإنسان لا يدرون كنهه يفارقه عند الموت , وذلك للأسباب الآتيه :
1 - وجدوا بعض الاميين الذين مازالوا على الفطره السليمه ينطقون بالحكم والمعارف العاليه التى يعجز عنها الفلاسفه فقالوا : ان نطق هؤلاءمن جهة وعيهم لبعض الحكم وادراكهم لبعض الحقائق , دليل على ان جسمهم المادى ليس كل شئ, وان هناك شيئا آخر لا يدرك .
فما هو إن لم يكن الروح ؟

ا احبائى الكرام

عفوا لقد حدث خطأ ما اثنا الحفظ وسوف نكمل عذه الحلقه غدا بمشيئته الله

استكمالا للحلقه السابقه ( 12 )
==============================
وكنا نتكلم عن الادله الماديه على وجود الروح :

2- قالوا ايضا ان هناك شيئا يسمى تداعى الافكار , فمثلا لو ان انسانا كان لديه ولد فاشل فى دراسته , ونتيجة لبعض الضغوط انتحر هذا الولد , فأصبح الاب كلما ذكرت عنده كلمة مدرسه , يتذكر على الفور حادث إبنه ويقشعر جسمه وتتأثر نفسه , حتى بعد مرور فتره طويله على الحادث .
فيقولون لو ان الانسان خلايا بدنيه فقط , ماتذكر شيئا مما مضى , ولا بد ان هناك شيئا آخر يختزن هذه المعلومات ثم يبرزها عند التذكر . فما هى ان لم تكن الروح ؟
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾ يس
يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ ﴿٢٣﴾ الفجر
3- وقالوا ايضا ان هناك ما يسمى بالتراسل والمخاطبه عن بعد , وهذه نقطه ابرزها اليكم احبائى الكرام لانها ذات دلاله مهمه وارجوا الاعتناء بها للإستفاده ليس فى الموضوع الذى نحن بصدده ولكن فى بعض الامور الآخرى التى لها صله بالتصالات الروحيه . فمثلا يحدث كثيرا ان يكون انسان فى بلد, وانسان فى بلد آخر , ويحدث لكل منهما خاطر واحد , فإذا ما تقابلا علما هذه الحقيقه التى حدث لهما , وبدون اسلاك اواى وسيله من وسائل الاتصالات المتاحه , كأن يقلق عليه او يشعر بأنه فى خطر . وهكذا , ويذكر فى عام 23 من الهجره كان على رأس الجيش ساريه ابن زنيم فبينما فسمع الجند عمر بن الخطاب ينادى بصوت مرتفع ياسارية الجبل وكررها ثلاثه ,ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر عن الاحوال فقال : يامير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك اذا سمعنا منادى ينادى ياساريه الجبل ثلاثه فأسندنا ظهورنا للجبل فهزمهم الله فقيل لعمر انك كنت تصيح بذلك ,رواه ابن كثير بإسناد جيد .
وهذا يدل على ان هناك أشياء غير البدن المرئى لها اتصالات لا تمنعها الحواجز ولا الموانع . فما هى ان لم تكن الروح ؟
وكما قال الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام :
( الارواح جنود مجنده , تتلاقى فى الهواء وتتشام وتتعارف , كما يتعارف الطير على اغصان الشجر , فما تعارف منها إئتلف , وما تنافر منها اختلف ) رواه البخارى ومسلم
4 - اثبت العلماء فى التنويم المغاطيسى يستطيع ان ينطلق ويرى اشياء على البعد يخبر بها الناس بدون ان يتحرك جسمه , فبإى شئ ينطلق ان لم تكن الروح ؟
5- ثم ان الاطباء عندما يجرون لمريض عمليه جراحيه ويخدر مثلا تخدير نصفى فنجد ان الطبيب يجرى الجراحه والمريض يشاهد ما يحدث له دون الم . اذا هناك شئ آخر هو مصدر الاحساس والشعور والذى خدر ,فأى شئ هو ان لم تكن الروح ؟
6- هناك من الملاحده من يقول : ان الموت سببه شيخوخة الخلايا وفسادها كما عبر القرآن عنهم بقوله :
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴿٢٤﴾ الجاثيه
وهذا مناقض لما يحدث فى اثناء الحروب مثلا او الذى يتوفى فجأه او نتيجة حادث عارض , هذا كله بدون ان تشيخ خليه واحده من بدنه , إذا ما السر فى جمود البدن دون الشيخوخه , إذا لم يكن هناك شئ غير مانرى ؟ وما هو إذا لم يكن الروح ؟
7- كذلك اثبت العلماء الماديون انفسهم , ان بعض الحالات المرضيه تكون مزمنه واعضاء الجسد تكون كلها فى حاله تحطيم وإضمحلال ومع هذا نجد الشخص يدلى بمعلومات غايه فى الاهميه وغايه فى الصحه وما ذلك الا لتوافر عنصر الحياة لديه فى شئ غير بدنه التالف . فماذا يكون ان لم تكن الروح ؟
فى الادله السبعه السابقه وعلى سبيل الميثال وليس الحصر لدلاله على وجود الروح مما اثبته العلماء الماديون انفسهم ما سبق هى الادله العلميه
والسؤال هل الروح تموت مع موت البدن ؟
هذا ما سوف نعرفه فى الحلقه القادمه

والإجابه على السؤال :هل الروح تموت مع موت البدن ؟
================================================== ===================
اختلفت آراء الناس فى الروح بعد الموت.
فمنهم من يقول ان الموت هو انعدام للبدن والروح الى غير رجعه , وهذا رأى الملحدين , ومنهم من يقول ان الجسم يفنى والروح تنعدم ايضا مع الجسم ولكنها ترجع عند البعث بمفردها , ومنهم من يقول انها تبقى ولا تفنى وتظل الى يوم البعث , وان العذاب والنعيم للروح فقط . وهذه الآراء الثلاثه غير صحيحه ولا يعمل بها . والرآى الثالث عليه الفلاسفه وصدق القول :
لقد كفر الفلاسفه العدا بثلاثه
إذانكروها وهى حقا مثبته
علم بجزئى ثبوت حوادث
بعث لأجساد وكانت ميته
والحق هو ما جاء فى الكتاب والسنه , وهو انها باقيه لا تموت , للأحاديث الداله على نعيمها وعذابها بعد مفارقتها للبدن الى ان يرجعها الله للبدن بالبعث .
فيكون الرد ان معنى الموت بالنسبة للبدن تحلل وفناء الى ان يجمعه الله مرة اخرى . اما بالنسبة للروح فهو مغادرتها لمكانها وتركها لآلتها التى تسخرها , حيث انها تمتطى البدن لتسخيرها فى الخير او الشر الى ان تتركه , آخذه معها عملها الصالح - كما سيأتى فى عذاب القبر ونعيمه ان شاء الله - وقد استثنى الله من الصعق فى النفخه الأولى لبعض الأشياء ومنها الروح حيث قال :
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَيَنظُرُونَ اوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ﴿٦٨﴾ الزمر
وهذه المستثنيات ثمانيه نظمها جلال الدين السيوطى فقال :
ثمانيه حكم البقاء يعمها
من الخلق والباقون فى حيز العدم
هى :
العرش
الكرسى
نار
جنه
عجب
ارواح
اللوح
القلم
ونحن نقول عن ذلك لانه من الغيبيات الله اعلم .

ثانيا : النفس
====== ========

ذكرت النفس فى القرآن 295 مره ونأخذ بعض الامثله :
(الله يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا )43 الزمر
(إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) 11 الرعد
( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) 53 يوسف
( لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿١﴾ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴿٢﴾ القيامه
( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ الشمس
(اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) 41 الزمر
كل هذه الآيات هى امثله ونجد فيها ان الله يقبضها حين مفارقتها للبدن - وان ظلت النفس فى شهواتها الحيوانيه اذا هى نفس اماره بالسوء - وهناك النفس اللوامه والتى تندم بعد حدوث الذنب
واذا ذكى الله النفس وطهرها تنتقل الى النفس الملهمه وهى التى يلهمها الله بالرشد والطريق المستقيم
والى حلقه قادمه

الدار الآخره

( 14 )
===============
وكما ان للنفس معنيين : معنى مادى ومعنى معنوى , فقد ذكر القرآن الكريم القلب 131 مره وعلى سبيل الميثال :
( لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا ) 179 الاعراف
تنبه اخى الحبيب : ان المقصود ليس هو هذا الجزء اللحمى الصنوبرى , ولكن المقصود هو ذلك السر الذى فى داخله , والذى يغمره الله سبحانه وتعالى برحمته وفيوضاته , اى القلب المعنوى والحقيقه المدركه فى الانسان العالم العارف والمخاطب والمعاقب والمطالب , وهو المتعلق بالروح والنفس كألفاظ مترادفه لحقيقه واحده .
يقول الله تعالى :
( خَتَمَ اللَّـهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ) 7 البقره
ومعنى هذا ان هناك قلوبا تتميز بالخير وآخرى بالشر , وهنا يظهر توفيق الله فى الربط على القلوب :
( لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٠﴾ القصص
(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) 159 آل عمران
( وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ) 27 الحديد
( فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ) 18 الفتح
وقد وصف الله تعالى القلب بالخير خمسا وثلاثين مره وبالشر ثلاثع وعشرين مره , وهذا يعنى ان المقصود مخاطبة القلب المعنوى الذى يعى الخير والشر ويحب ويكره , وليس القلب اللحمى الذى هو للإنسان , كما لغيره من الانعام .
رابعا : العقل
====== ======
وهو اللفظ الرابع من الالفاظ المترادفه لمعنى واحد وهو يعنى هنا العالم محل الإدراك , اى المدرك , وقد ذكر فى القرآن ما اشتق من العقل - حيث لم ترد كلمة عقل صراحة - تسعا واربعين مره . وقد ذكرت جميعها بصيغة المضارع , ومره واحده بصيغة الماضى وهى فى قوله تعالى :
( يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٧٥﴾ البقره
اما بصيغة المضارع فى قوله تعالى :
( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠﴾ الملك
( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٢٤٢﴾ البقره
( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴿٤﴾ الرعد
إذا : المخاطب ايضا ليس ذلك المخ او العقل المادى الموجود فى الرأس , ولكن المخاطبهو التعقل فى العقل , والتفقه فى القلب وشهوة الخيرأ والشر فى النفس , والخير فى الروح , سواء حين ذكرت بإسم القرآن او الملائكه او بأسم جبريل او بإسم الروح .
وهذا يدل دلالة قاطعة الثبوت على ان الله يخاطب الروح التى لا تفنى , فمن ذكاها افلح ونجح , ومن دساها فقد خاب وخسر.
فالأسماء الأربعه الروح - والقلب - والنفس - والعقل وإن كان لها فى الواقع فى البدن معنى محسوس ملموس ولكنها فى الحقيقه سر إلهى لا يعلم حقيقته الا من خلقه . او كلها تكمن فى هذا المعنى .
والخلاصه احبائى الكرام فى هذه القضيه ان الله خلق الانسان من عنصرين :
عنصر فان متغير محتاج ارضى, له اجزاء وخلايا وله نفس لها غرائز وانفعالات وطبائع تتغير من غضب الى رضا ومن راحه الى تعب ومن سرور الى حزن ومن الم الى لذه وهكذا .
وعنصر آخر هو الروح وهو الحقيقه الانسانيه الثانيه الدائمه هى من امر الله لا نعرف سرها وان كنا نلتمس آثرها , وان كنا لا نعرف حقيقه الروح ولكنها حقيقة الانسان .
وهذه الروح هى الحقيقه البشريه وهى محل التكليف والخطاب من الله وهى محل الثواب والعقاب وهى العالمه التى تدرك الاشياء.
اما البدن هو متغير وقد ثبت علميا انه يمكن زراعة الاعضاء وكما هو ثابت اليوم وحتى وصلوا لزراعة الاعضاء الداخليه , كما ان الانسان يمكن ان يعيش بدونها . إذا البدن مجرد آله مؤقته تستعملها الروح , كوسيله للحياة , فإن احسنت السيرعلى البدن واستعملته فى خير لقيت ربها راضيه اسمع معى لقول الله تعالى :
( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾ الفجر
ولهذا يناديها ملك الموت حين يقبضها , ياايتها النفس المطمئنه اخرجى الى مغفره من الله ورضوان ورب راضى غير غضبان .
اما اذا اساءت هذه الروح استخدام الجسد وتحولت من روح طيبه صالحه الى نفس اماره بالسوء تعصى الخالق وتؤذى المخلوق فإنها بئست الرفيقه التى اتت لمهمه فلم تدرك المهمه وظنت انها فى دار القرار مع انها فى دار البوار والارتحال .
اما الروح الثانيه فستخرج الى بارئها فإن كان صاحبها غذاها بفضائل الاعمال والتى هى فطرتها الاصليه التى خلقت عليها كانت فى عليين ولا تزال فى مستوياتها العليا حتى يزوجها الله بمثيلتها من الارواح الساميه تطبيقا لقوله تعالى :
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ التكوين
لان كل نفس ستتزوج وتقترن بشبيهتهاغى الملأ الأعلى بعد الموت وهناك نفوس ستتزوج بقرنائها من الشيطين :
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) 22 الصافات
( فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴿٦٨﴾
احبائى الكرام
نعوذ بالله من تدنيس نفوسنا وسوء العاقبه ونسأله تعالى الوقايه من غضب الله وعقابه وشر عباده ومن همزات الشياطين وان يحضرون ............................. آمين
احبائى الكرام :
هل الروح تستشعر بدنو الاجل ؟؟؟

هذا ما سوف نتعرف عليه فى الحلقه القادمه