الرواية نوع من أنواع سرد القصص، تحتوي على العديد من الشخصيات لكل منها اختلاجاتها وتداخلاتها وانفعالاتها الخاصة. تمثل النوع الأحدث بين أنواع القصة، والأكثر تطوراً وتغييراً في الشكل والمضمون بحكم حداثته وما لهُ صلة بالرواية أو ما شبيه بها كفن السيرة وفن المقامة وإنْ كانا يعدان أساساً واحداً من الأسس التي قامت عليها الرواية العربية اليوم ذلك إنَّ ما احتواه هذا الفن من قواعد فنية يرجع إلى عهد قريب حين تعرف العرب هذا النوع الأدبي وأصوله كما ظهر مع بدء القرن الماضي إذ ترجم الكثير من القصص والروايات العالمية من الشرق والغرب.
أصل الرواية
نوع من القصص يتفاوت في الطول ويكتب بالنثر. استخدمت هذه الكلمة لأول مرة في إنجلترا في القرن 16، عندما عرفت فيها القصة الإيطالية، ومنها قصص الديكاميرون التي كتبها بوكاشيو. أما الرواية الحديثة، فيرجع تاريخها إلى القرن 18، وإلى الروايات التي كتبها كل من دانيل ديفو، وصمويل ريتشاردسون. ولما كانت الرواية تختص بقدر كبير من الحرية، من حيث الصياغة والموضوع، كان من الصعوبة بمكان الوقوف على تعريف دقيق لهذا النوع من التأليف. نجد أمثلة من النثر القصصي في قصص " ألف ليلة وليلة " وفي قصة " الحمار الذهبي " لأبوليوس، وفي قصة " دافني وكلوي " لبترونيوس، وفي أساطير الإسكندر الأكبر التي وضعها مؤلفو عصر ما قبل حكم كاليسثينس، وهذه الأساطير التي كتبت عن الإسكندر – إلى جانب تلك القصص التي تناولت حرب طروادة – لاقت جميعاً رواجاً طوال القرون الوسطى. وكذلك راجت القصة الإغريقية المعروفة باسم "أبولونيوس الطروادي" التي ترجمت إلى الأنجلو – ساكسونية في القرن 11، وأسطورة الملك آرثر التي سرعان ما تبلورت في القصة النثرية المسماة " موت آرثر "، والتي كتبها مالوي وطبعت (1485). ولعب اختراع الطباعة دوراً هاماً في تقدم هذا النوع من التأليف الذي أدى إلى زيادة جمهور القراء، وتشجيع الاتجاه إلى تحويل القصص الشعري الطويل إلى قصص نثري، فضلاً عن إتقان كتابة القصة النثرية القصيرة. ونجد القصص النثري في القرن 16 ممثلاً في " جارجنتوا وبانتاجرول " لرابليه، و" دون كيشوته" لسرفانتس، و" أركاديا" لفيليب سدني، و" يوفيوس" لجون ليلى، ونجدها أيضاً في مؤلفات توماس ناش. وفي فرنسا اشتمل التأليف الروائي في القرن 17 على رواية " لاستريه" لأونوريه دورفيه، و"أميرة كليف" لمدام دي لافاييت، والروايات التي كتبتها مدموازيل دي سيكيوديري أما في إنجلترا، فيمكننا أن نشهد طلائع التأليف الروائي في الصور التي اتخذت موضوعها من الشخصيات الأدبية، والتي شاعت في أوائل القرن 17، وأشهرها شخصية سير روجر دي كوفرلي التي ابتكرها كل من أديسون وستيل (1711- 1712). وكثيراً ما اعتبرت رواية " أورونوكو" لأفرابن من أوائل الروايات في الأدب الإنجليزي. ومن المؤلفات النثرية الكبرى التي سبقت ظهور الرواية في الأدب الإنجليزي " رحلة الحاج" 1678 لجون بنيان، و" رحلات جليفر" 1726 لجوناثان سويفت. ولقد اختلف مؤرخو الرواية بشأن "روبنسون كروزو" 1719 و"مول فلاندرز " 1722 اللتين كتبهما دانيل ديفو، وله يمكن اعتبارهما ضمن التأليف الروائي، وإن كانوا قد أجمعوا على اعتبار " باميلا" أو " انتصار الفضيلة " 1740 لصموييل ريتشاردسون أول رواية في الأدب الحديث. فهنا رواية فريدة كتبت في شكل رسائل حيث تعرض آراء الناس وأعمالهم عرضاً أميناً، وعلى الرغم من أنها رواية غرامية من الطراز التقليدي، إلا أنها تمتعت بشهرة فائقة، لا في إنجلترا فحسب، بل في القارة الأوروبية أجمع. وربما كتب هنري فيلدنج، بدافع السخرية من ريتشاردسون، رواية " جوزيف أندروز " 1742، ورواية " توم جونز" التي تلتها 1742، ولاقت نجاحاً أكبر. وفي كلتيهما لمن يستعمل فيلدنج شكل الرسائل في معالجة الموضوع، وإن جنح إلى تنويع الشخصيات والأحداث والمناظر. وبعدهما جاءت روايات توبياس سمولت، وأوليفر جولد سميث. أما أشهر الروايات في الأدب الفرنسي في القرن 18، فقد كانت تلك الرواية التي كتبها روسو بعنوان " ألوان الجديدة "، ورواية " بول وفرجيني " لمؤلفها برنادين دي سانت بير، ورواية " كورين" لمدام دي ستايل. وكانت أشهر الروايات في ألمانيا: روايتا " آلام فرتر" و"فيلهلم ستر " لجوته. وأخذت الرواية تنافس فني الشعر والمقال رويداً رويداً، حتى أصبحت في القرن 19 أكثر فنون الأدب أهمية. واتسع نطاق الرواية من حيث الموضوع اتساعاً كبيراً، فظهرت الرواية التاريخية عند والتر سكوت، والرواية التي تعالج سلوك الناس وطباعهم عند جين أوستن، والرواية التي تتخذ موضوعها من المسائل السياسية عند كل من وليم جودوين وبنيامين دزرائيل، والرواية العاطفية عند الأختين شارلوت وإميلي برونتي. وفي أواخر القرن نفسه ظهر عنصر المغامرة في الروايات التي كتبها روبرت لويس ستيفنسون، ورديارد كبلنج. ويمكننا أن نقع على معظم هذه الموضوعات لدى كبار كتاب الرواية في الأدب الإنجليزي، من أمثال تاكري، وديكنز وجورج أليوت. وفي أواخر القرن 19 ظهرت الروايات التي يغلب عليها الطابع الواقعي عند كل من جورج مريديث، وتوماس هاردي. ويزخر الأدب الفرنسي في القرن 19 بروايات ستندال، وبلزاك، وفلوبير، كما يزخر بالروايات التاريخية التي كتبها دوما، وهوجو، والتي يغلب عليها طابع المغامرة، وكذلك كان يزخر الأدب الروسي في القرن 19 بالروايات الكبرى التي كتبها جوجول، وتورجنيف، ودستويفسكي، وليو تولستوي. وتعتبر رواية " قوة الحنان " 1789، التي ألفها وليم هيل براون، أول رواية في الأدب الأمريكي. وتلتها روايات البطولة والمغامرة التي ألفها جيمس فنيمور كوبر ثم رواية " الشارة القرمزية" 1850 لناثانيل هوثورن، ورواية " موبي ديك " 1851 لهيرمان ملفيل، وكلتاهما ترجم إلى العربية. وفي العقدين الأخيرين من ذلك القرن كان مارك توين، ووليم دين هولز، وهنري جيمس، هم أبرز الشخصيات في ميدان الرواية. ومنذ أواخر القرن 19 و20 نجد أن فن الرواية – في كل من جانبيه جانب الشكل وجانب المضمون – قد غطى على غيره من فنون الأدب، وظهر عدد كبير من الروايات التي تصور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تصويراً دقيقاً، والتي تكشف عن مدى تأثير هذه الأوضاع في تحديد مصير شخصيات الرواية. وكانت البشائر الأولى لهذه المدرسة هي روايات إميل زولا في أواخر القرن 19، وأرنولد بنيت في إنجلترا، وفرانك نوريس، وتيودور دريزر، في أمريكا. ومن الكتاب من اتخذ الرواية وسيلة لمناقشة المشكلات القائمة، كما فعل هـ. ج. ويلز، وألدوس هكسلي، وكما يفعل جان بول سارتر في فرنسا في الوقت الحاضر. أما أبتون سنكلير، وجاك لندن، فقد كانت رواياتهما أقرب ما تكون إلى الكتب السياسية بينما كانت روايات أديث وارتون صوراً صادقة لحياة الطبقة الراقية في نيويورك. ولقد أصبحت الرواية الغامضة، أو القصة البوليسية – وهي التي لا تتحلى غالباً بأية فضيلة أدبية – أصبحت وسيلة من أهم وسائل المتعة والتسلية. وفي الوقت نفسه حاول بعض الكتاب أن يخلعوا على رواياتهم ما في الشعر من عمق وغموض. ومن أهم هؤلاء الكتاب جيمس جويس، الذي لم يكتف في روايتيه عوليس (1922)، و"يقظة فينيجان "، بتقديم وسائل روائية جديدة. بل أجرى تعديلات في اللغة نفسها. ونجد محاولة تقديم مجرى الشعور أو تيار الوعي، بالنسبة إلى شخصيات الرواية في روايات فرجينيا وولف في إنجلترا، ومارسيل بروست في فرنسا، كما نجدها في روايات جيمس جويس. وعلى الرغم من وجود هذه الأساليب التي تأثر بها كثير من الكتاب، ظلت الرواية وحدة فنية متماسكة، تصور شخصيات وحوادث مستمدة من واقع الحياة. ومن أشهر كتاب الرواية الأوروبيين في القرن 20: سلمى لاجرلوف، ونوت هامسون، وكافكا، وفيرفل، وجاكوب فاسرمان، وتوماس مان. ورولاند، وجيد، ومالرو. اما في إنجلترا وأمريكا، فهناك إلى جانب من ذكرنا من الكتاب: سومرست موم، ود. هـ. لورنس، وسكوت فيتزجيرالد، وسنكلير لويس، وتوماس وولف، وهمنجواي وويللا، ودوس باسوس، ووليم فوكنر. والاتجاه الملاحظ في روايات هؤلاء الكتاب جميعاً هو محاولة تقديم أفكار الناس وأعمالهم تقديماً مباشراً، دون أدنى تأويل أو تفسير يحمل معنى أخلاقياً من جانب الكاتب. والرواية في الأدب العربي فن محدث، وإن كنا نستطيع أن نجد لها أصولاً في قصص " ألف ليلة وليلة " كما سبق أن ذكرنا وفي حكايات "كليلة ودمنة "، وفي " مقامات الحريري " وفي بعض كتابات الجاحظ. على أن القصة التي يمكن اعتبارها كاملة العناصر مكتملة البناء. رغم ما يغلب عليها من طابع فلسفي، هي قصة " حي بن يقظان " للفيلسوف ابن طفيل. أما الرواية العربية الأولى المستوفية للمقومات كافة، فقد ظهرت في الأدب العربي الحديث بظهور رواية " زينب " 1914 لمحمد حسين هيكل، وبعده يجئ محمد تيمور ينادي بضرورة خلق أدب مصري محلي صادق، لا يرتد إلى الصحراء ولا يقتبس من أوروبا، بل يستمد مقوماته من واقع المجتمع المصري. أما أخوه محمود تيمور، فقد كتب بالفصحى كما كتب بالعامية، واستلهم الشرق كما استلهم الغرب، واتخذ موقفاً وسطاً بين مذهب " الفن للفن " والمذهب القائل بأن "الفن للمجتمع". ويشغل طه حسين فصلاً هاماً في تاريخ الرواية العربية برواياته التي صور فيها قطاعات مختلفة من المجتمع، ومنها: " الحب الضائع" و" دعاء الكروان "، و" شجرة البؤس" وإذا كان جميع هؤلاء قد تأثروا بالأدب الفرنسي، فقد ظهر من رواد القصة من تأثر بالأدب الإنجليزي، ومنهم: عباس العقاد في روايته الفريدة "سارة". والمازني في روايتيه " إبراهيم الكاتب " و" إبراهيم الثاني". وبين أولئك وهؤلاء ظهرت " المدرسة الواقعية الحديثة " التي غلب عليها التأثر بالأدب الروسي، ومن أعضائها: طاهر لاشين، وحسين فوزي، وحسن محمود، وإبراهيم المصري، ويحيى حقي. ثم ظهر توفيق الحكيم بروايته " عودة الروح " وغيرها، فإذن بمجئ عهد جديد، عهد ارتفاع الرواية من الوطن إلى العالم ومن الرجل إلى الإنسان، وعهد استيفائها جميع العناصر الفنية. وبذلك أصبح الرائد الحقيقي للرواية الذي عبد الطريق أمام غيره من الكتاب المعاصرين، أمثال نجيب محفوظ، وعبد الحليم عبد الله، وعبد الرحمن الشرقاوي، ويوسف السباعي وغيرهم، رغم ما بين الجميع من اختلاف.
منقول