عثمان محمد نائب المديرة
تاريخ التسجيل : 22/12/2011 العمر : 42 البلد /المدينة : فلسطين
بطاقة الشخصية المجلة: 0
| | هكذا قالت أمي , فقلت لغرفتي | |
يوم شتائي ممطر , عاصف , تطارده الريح , تزيل عنه بعض من ذرات غبار علقت على بجسده , رأيته من شباك غرفتي , كان يسير مهرولا ً بإتجاه باب البيت المقابل لي , حزني الشديد قد نال مني عندما تعثرت أقدامه , ليقع على أوراق الخريف المتساقطة والتي جمعتها الريح بزاوية الحديقة , فيومي كان منذ الصباح مملا ً فاجئتني فيروز بأغنيتها سألوني الناس , تلك الأغنية كانت كفيلة بأن تعثر أنفاسي , وتبعثر أوراق مشاعري , لتشعرني بحزن لطالما سكنني , وأخذ مني أجمل أيام عمري , غضب اليوم جعلني ألازم غرفتي التي تعودت على ملازمة أثاثها وجدرانها , أحتسي بيدي فنجان من القهوة , فإذا بأحجار صغيرة تقرع نافذتي بقوة , فأنا أعرف تلك الإشارة , لطالما جائتني بأخبار حزني , أنه هو , لم يكن يركض خوفا من المطر , كما أركض أنا , فأنا أعشقه كثيرا , جاء ليقرع ذاكرتي ويقلع فرحتي بذلك اليوم , يا فتى أخبر أمك أن جارتكم توفيت , لأتذكر تلك الصدمة الكبيرة , المعلنة عن توقف حياة , وصداقة كانت منذ لحظة تذكري ذكريات , لقد كان كضحكة الفجر عندما يطل علينا , كسحابة صيف يفرح الناس لرؤيتها , رغم جسد الحياة الأسود , كان يضحكني دوما برغم ألامه , يشعرني بالأمان رغم خوفه , يمنحني القوة رغم ضعفه , كان صدره وسادة أضع رأسي عليها عندما تباغتني لحظات اليأس .
دخلت مع صاحب الحجارة بحديث يملئني الحزن الشديد , أوهمته بسعادتي وإبتسامتي , فالأيام تمر علي دون انا أشعر بمرورها , وأقف على عتبات وداع اخير لا لقاء بعده , فأمام الذكرى كان لا بد لي أن أبتلع حزني , وأخفي دموعي وذهولي , واتمالك نفسي خوفا من ان يطرق الحزن بابي مرة أخرى , كيف ماتت ؟ لم تعرف من الحياة شيء بعد , لأخرج مهرولا أنقل الخبر لأمي , وكعادة النساء , تلبس أمي جلبابها الأسود , وتتوجه الى بيت العزاء , تقدم ما عليها من واجب زيارة المتوفي , لتعود بعد برهة زمن , والحزن يسكنها , لتقول لي لقد كرهت الجلوس ببيوت العزاء , ترى النساء متشحات السواد ويرتدين وجوهن ذاتها من دون أقنعة او مساحيق تجميل , يبكين قليلا ومن ثم تتعدى النساء موضوع الزيارة التي قدمن من اجلها الى مواضيع اخرى , تدور بين كل اثنتين حوار يكاد صوتهن يخفيه , لكن عيونهن وحركات الاجساد , تجعلك تقرأه من بعيد , وكأنهن لم يبكين من مات قبل قليل , إمرأة اخذ الموت روحها ويتم أطفالها الذين جلسوا في حضنها لأخر مرة يتلمسون بقايا حنان أخذتها مشاعر الموت منهم . , فهم لا يدركون حقيقة الموت او لماذا يموت الإنسان , ما يعرفوه أنها لن تكون هنا ثانية ً ساكنة ً على هذه الأرض .
أنسل هاربا من وجه أمي أخفي عنها قطرات من دموع تكاد تنزل , أدخل غرفتي , التي أثثتها بأنفاسي , بأفراحي , بأحزاني , وتركت كل بصماتي في كل ركن , هي صديقة العمر , كلماتها الرقيقة المرتدة من جدرانها تزودني بالصبر , وفي أحضانها أجلس دائما ً بكل كآبتي وكل ما يلفني من ضجيج مشاعري ومن ذكرياتي , أجلس فيها وأنظر من نافذتها , لأشعر بنظراتي ترتعش حينما تصطدم بقطرات المطر , فأشعر بالخوف والفزع والغربة , والألم , أغلق نافذتي وأعود أدراجي على لأجلس بزاوية المفضلة أمامي قلمي ودفتري , اطالع الغرفة , هي المساحة التي أملك من العالم لأمارس خصوصيتي , لأبكي , واكتب , وأصرخ , وأقول لتلك الصور المعلقة , لا تنظري ألي , لا أريد ان يراني أحد بكل حزني وضعفي ويتمي , لأكتب عنهم , على صفحات بيضاء , بقلم أسود ينساب كحالتي , مع أني أعرف بعدها سأعود لأمزق هذه الصفحات , حين أعود لوعيي , فانا إن خرجت من محيطي أصبح تحت المجهر وأفقد خصوصيتي .
عثمـــــــــــــان مـــــــــــــحمد | |
|
2/27/2012, 18:36 من طرف دكتورة.م انوار صفار