لم يُكتب للو كوربوزييه النجاح على نطاق واسع في كثير من المناطق، كأوروبا و أفريقيا و أمريكا الجنوبية، لكن النجاح الأكبر كان في الهند، وذلك عندما تم كليفه بتصميم عاصمة جديدة لولايةالبنجاب، وذلك بعد انفصال الباكستان عن الهند، اُطلق عليها إسم شانديغار.[47][48] ويُعد هذا المشروع أضخم إنجازات لو كوربوزييه التي حقق فيها الكثير من أفكاره التصميمية التي كان قد طورها طوال فترة ممارسته للمهنة منذ البدايات.
مبنى قصر الإجتماعات في شانديغار.
قام لو كوربوزييه بتصميم مدينة كاملة بما يشمل تخطيطها العام ومبانيها السكنية والعامة التي كان من أبرزها تجمع مباني السلطات الثلاث:التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. وقد جاءت علاقة موقع مباني السلطات الحكومية الثلاث ضمن مخطط المدينة بمثابة الرأس إلى الجسد في استعارة مباشرة تعبر عن علاقة السلطة بالشعب. وتم توزيع المباني ضمن ذلك الموقع في استقلالية تامة لكل واحدة عن الأخرى بما يوحي أيضا بالإستقلالية التي تتمتع بها كل سلطة من هذه السلطات عن الأخريات، فجاء مبنى المحكمة العليا في جهة، ومبنى البرلمان المحلي في جهة أخرى وإلى جانبه مبنى السكرتاريا. وكان بين الإثنين ساحة إحتفالية ضخمة.[49]
نصب اليد المفتوحة في شانديغار.
وكان مبنى المحكمة أول المباني التي تم تنفيذها، 1951-1956 وهو عبارة عن صندوق ضخم مفتوح من جوانبه يظلل مبنى آخر يقع تحته، له واجهة ستارية ضخمة من كاسرات الشمسالإسمنتية ورواق ضخم وعال جدا أمام منطقة المدخل تعلوه فتحات قوسية مميزة. ويحتوي الجزء الأصغر المظلل كافة قاعات المحكمة والوظائف الأخرى المرتبطة بها، وقد تم بناء كل المشروع من الخرسانة المسلحة دون أية تكسية خارجية أو تشطيبات داخلية. وفي الداخل تتصل المستويات المختلفة للمبنى بمنحدرات معلقة ضمن حيز داخلي مفتوح تتخلله الإضاءة من مواقع مختلفة في الجدران والسقف يعطي للفراغ الداخلي جوا دراميا للغاية.[50] أما مبنى السكرتارية الذي تم الإنتهاء منه بعد مبنى المحكمة 1952-1956، فيشبه بشكل عام المبنى السكني الضخم في مرسيلياUnite d'Habitation، مع وجود بعض الإختلافات بينهما.[51] تغطي واجهة المبنى واجهة ستارية ضخمة من كاسرات الشمس ذات تقسيمات متعددة القياسات والتنظيم تتبع نظاما دقيقا يعتمد على النظام القياسي الذي طوره لو كوربوزييه، المعروف باسم المودولور. ويستمر ذلك الجدار التاري من كاسرات الشمس على كامل الواجهة باستثناء الأماكن التي تعترضها كتل بارزة تحتوي الأدراج أو المنحدرات التي تصل بين المستويات المختلفة للمبنى.[52]
مبنى قصر الإجتماعات في شانديغار. أما ثالث هذه المباني فهو المبنى الذي يضم المجالس التشريعية المحلية (البرلمان)، وهو قصر الإجتماعات (قصر النواب)، والذي يحتوي قاعتين رئيستين، واحدة لمجلس الأعيان، والأخرى لمجلس النواب.[53] وقد عبر لو كوربوزييه عن كل مجلس من المجلسين المذكورين بسقف مميز لكل منهما يبرز عاليا فوق سطح الصندوق البسيط الذي يشكل قاعدة المبنى. وقد جاء سقف قاعة مجلس النواب على شكل هرم رباعي مائل قليلا، أما سقف قاعة مجلس الأعيان فقد جاء أعلى كثيرا وبشكل أسطواني ذي مقطع جانبي على هيئة القطع المكافئ، شبيه بأبراج التبريد التي تستخدم في المفاعلات النووية، ويبدو وكأنه يخترق السقف كمدخنة عملاقة يمكن رؤيتها عن بعد بكل وضوح. أما الواجهة الرئيسية للمبنى، المطلة على مبنى البرلمان المقابل لها، فقد تميزت برواق ضخم يتشكل من مجموعة من الدعامات الرفيعة Short walls as columns تحمل فوقها سقف الرواق الذي تميز بشكله الإنسيابي المنحني.[54] وتعمل تلك العناصر مجتمعة على تكوين مجموعة من الظلال على واجهات المبنى والحجوم المميزة لقاعتي مجلس النواب ومجلس الأعيان، فتبدو في شمس الهند الحارة أبلغ تعبير عن إحدى أشهر مقولات لو كوربوزييه في تعريفه للعمارة بأنها "اللعب المتقن الرائع في مجموعة من الكتل ترى تحت الضوء".[55][56][57]