استهوت شخصية الملكة كليوباترا كثيرا من كتاب المسرح, وذلك لما تنطوي عليه من صفات تعتبر وقودا للدراما الي جانب أنها وقفت في مواجهة أقوي رجلين في العالم آنذاك وهما مارك أنطونيو وأوكتافيوس قيصرولقد كان لكليوباترا من الجمال ما يزلزل القلوب ويحطم العروش, انها جمر متقد لكنه لا يحرق, وهي شوك في نعومة الياسمين, وسيف باتر في رقة الورد
وكانت كليوباترا تدرك من البداية أنها في صراع سياسي مع روما وتدرك أنها لابد أن تقف شامخة أمام هؤلاء الجبابرة , وكانت كليوباترا تعرف جيدا معني أن تكون مصر دولة حرة مستقلة وتفهم الي حد اليقين معني الأمن القومي للوطن, ومن الذين تناولوا شخصية كليوباترا شكسبير وهو اللاعب الدرامي الأول في العصور الحديثة.
وأمير الشعراء العرب أحمد شوقي وهو لاعب درامي بدرجة هاو, ولقد استند شكسبير في مسرحيته الي ما كتبه بلوتارك المؤرخ الإغريقي عن كليوباترا وكان شوقي يعرف بالطبع ما كتبه بلوتارك عن كليوباترا الي جانب قراءته لمسرحية شكسبير لكن كانت له لمساته الخاصة به دفاعا عن كليوباترا الملكة المصرية, واذا كانت مسرحية مصرع كليوباترا لشوقي قد بدأت من موقعة اكتيوم البحرية, فإن مسرحية شكسبير تبدأ قبل ذلك بسنوات, انها تبدأ والحب بين كليوباترا وأنطونيو مازال في أوله مجرد نشوة جسدية يحظي بها أنطونيو وهو يغرق في بذخ ساعات اللهو والشراب والعربدة, هو ذا يخاطب كليوباترا في مسرحية شكسبير.
أنطونيو: ألا فلتذب روما في نهر التيبر, وليتهافت صرح الامبراطورية الشامخ, كما تتهافت الأقباء العظيمة, هنا مكاني: فالممالك من تراب وروث هذه الأرض يطعم الإنسان والبهائم علي سواء, إن مجد الحياة فيما نفعله الآن[ يتعانقان] فحين يتعانق عاشقان متحابان مثلنا, فلن يجد العالم لنا نظيرا, واني أشهد الأرض علي غرامنا ولو دفعت حياتي ثمنا لذلك.
وجاءته الأخبار من روما بتمرد يومبي الصغير الذي جمع قوة بحرية لينتقم لوالده وجاءته كذلك أخبار موت فولفيا زوجته, ولم يدر بخلد كليوباترا أنها عندما سمحت له بالذهاب الي روما انه سيتزوج هناك من أوكتافيا أخت أوكتافيوس قيصر وهو زواج مصلحة ذو طابع سياسي فاستشاطت غضبا ولم تهدأ إلا بعد أن علمت أن أوكتافيا ليست جميلة بالقدر الذي يثير غيرتها, وأنها امرأة قصيرة القامة ضيقة الجبهة
ويصطحب أنطونيو زوجته أوكتافيا الي اليونان وبعد فترة ترجع هي الي روما بينما يعود هو الي مصر ويستحكم الخلاف بين أنطونيو وأوكتافيوس قيصر ليصل الي المواجهة الحربية ويبحر أوكتافيوس الي الاسكندرية ويخرج إليه أنطونيو ومعه كليوباترا باسطولها وحين يحتدم الوطيس ويشتد القتال تنسحب كليوباترا من المعركة تاركة أنطونيو وحده في مواجهة أوكتافيوس قيصر إلا أنه يترك المواجهة ويعود وراءها, ويصف سكاروس صديق أنطونيو الموقف.
سكاروس: وحين انفك عقالها, رأينا انطونيوس, ذلك الحطام النبيل الذي أودي به سحرها, يبسط الشراع, كأنه الطائر البحري مد الجناح ثم يفر من المعركة وهي في أوج الوطيس وراء صاحبته كأنه ذكر البط الأحمق, انا ما رأيت قط عملا يجلب العار مثل هذا العمل, فالرجولة والشرف والتجارب قد تنكرت لنفسها.
لقد انسحبت كليوباترا بأسطولها من الحرب وربما لم تكن تتخيل أن أنطونيو سوف يعود وراءها لكنها كانت تنفذ رؤيتها وهدفها واستراتيجيتها وانسحابها بأسطولها كان مفاجأة للعالم آنذاك ومفاجأة للمؤرخين بعد ذلك, ومفاجأة لأنطونيو أيضا ولأوكتافيوس قيصر كذلك.
كليوباترا: أي مولاي.. أي مولاي, اني أطلب عفوك عن فرار سفائني فما كنت أحسب أنك ستتبعني.
أنطونيو: بل كنت تعلمين يا مصر حق العلم أن قلبي مشدود إليك بحبال شداد, اتبعك أينما مضيت, بل كنت تعلمين أن سلطانك علي روحي مكين, فإن أومأت الي صدعت بأمرك ولو عصيت الآلهة.
هذا ما قاله شكسبير علي لسان أنطونيو, وكليوباترا في هذا الموقف, فكيف صور شوقي نفس الموقف في مسرحيته.
الملكة: كنت في مركبي وبين جنودي, أزن الحرب والأمور بفكري قلت روما تصدعت فتري شطرا من القوم في عداوة شطر
بطلاها تقاسما الفلك والجيش وشبا الوغي ببحر وبر
واذا فرق الرعاة اختلاف.. علموا هارب الذئاب التجري
فتأملت حالتي مليا.. وتدبرت أمر صحوي وسكري
وتبينت أن روما اذا زالت عن البحر لم يسد فيه غيري
كنت في عاصف سللت شراعي.. منه فانسلت البوارج إثري خلصت من رحي القتال ومما.. يلحق السفن من دمار وأسر ونسيت الهوي ونصرة أنطونيوس.. حتي غدرته شر غدر
علم الله قد خذلت حبيبي.. وأبا صبيتي, وعوني, وذخري
والذي ضيع العروش وضحي.. في سبيلي بألف قطر وقطر
موقف يعجب العلا كنت فيه.. بنت مصر وكنت ملكة مصر