عباس بن فرناس فيلسوف وكيميائي وفلكي.
تمثال " عباس بن فرناس " في العراق
اشتهر عباس بن فرناس بكثرة اختراعاته والتي ذكر بعضها المؤرخون. فاخترع الساعة المائية وأسماها بـ"الميقات"، وهو أول من وضع تقنيات التعامل مع الكريستال، وصنع عدة أدوات لمراقبة النجوم.
ولد عباس بن فرناس عام ولد عام 194 هـ الموافق لسنة 810 م من أصول أمازيغية تاكرتا، ترعرع بقرطبة وتوفي عام 271 هـ الموافق لعام 887 م.
اخترع ابن فرناس ساعة مائية، وأطلق عليها اسم " الميقات "، واستطاع أن يتوصل إلى صناعة الزجاج الشفاف " بلا ألوان"، واختراع أنواع متعددة من البلانيسفير ( وهي خريطة لنصف الكرة السماوية أو أكثر ذات أداء تشير إلى الجزء المنظور منه في وقت معين). وكما أنه صنع عدسات طبية. وقام بتطوير عملية قطع صخور الكريستال مما جعل أسبانيا تستفيد من هذا وتتوقف عن إرسال معادن المرو إلى مصر لكي يتم تقطيعها هُناك.
ومن أغرب ما صنع أنه بنى غرفة في أسفل داره، وصنع فيها آلة طوّرها بنفسه" القبة السماوية " يجتمع فيها الناس فيشاهدون النجوم والغيوم والسحاب والرعود والبروق. وأيضاً هو مبتكر بعض الأنواع من بندول الايقاع (وهي آلة لتحديد الأوقات بالصوت أو التكّات، وقد استخدمها لتحديد اوقات الصلوات والشروق والغروب). كما أنه اخترع آلة صنعها بنفسه لأول مرة تشبه الأسطرلاب في رصدها للشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتها ترصد حركاتها ومطالعها ومنازلها والتي عرفت بذات الحلق.
من الواضح حسب المصادر أن عباس بن فرناس قام بتجربته في الطيران بعد أبحاث وتجارب عدة، وقد قام بشرح تلك الأبحاث أمام جمع من الناس دعاهم ليريهم مغامرته القائمة على الأسس العلمية. يقول ابن سعيد في «ذكر ابن حيان: أنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون، وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً مفلقاً، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها "كتاب العروض للخليل، كثير الاختراع والتوليد، واسع الحيل حتى نسب إليه عمل الكيمياء، وكثر عليه الطعن في دينه، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة». يعتبره المسلمون كما ورد أول إنسان يحاول الطيران، أي قبل الأخوين رايت بـ 1028 سنة.
العلوم الطبيعية
عرف ابن فرناس أولاً ببراعته في الحكمة والشعر والأدب، وانتظم بين أعلام العلماء والشعراء الذين يضمهم بلاط الحكم بن هشام، بيد أنه ما لبث أن ظهر في ميدان آخر، هو ميدان العلوم الطبيعية، وهو الميدان الحقيقي الذي تفتحت فيه مواهبه المدهشة، ولم يقتصر في معالجته، مثل كثير من أسلافه، على النواحي النظرية والتجريبية، بل اندفع إلى الميدان العملي، وانتهت تجاربه في ميدان الكيمياء الصناعية إلى صنع الزجاج من الرمال والحجارة، وكان لهذا الاكتشاف دوي عظيم، وكانت له فيما بعد نتائج عملية باهرة، وطارت شهرته إلى سائر أنحاء الأندلس .
علاقته بالطب والصيدلة
درس عباس بن فرناس الطب والصيدلة وأحسن الإفادة منهما فقد عمدا إلى قراءة خصائص الأمراض وأعراضها وتشخيصها واهتم بطرق الوقاية من الأمراض عملاً بقولهم درهم وقاية خير من قنطار علاج، ثم قام بدراسة وتجارب علاج من أصيب بالأمراض على مختلف أنواعها ثم أجرى الدواء.
عكف ابن فرناس على الدراسات والبحوث الرياضية والفلكية، وانتهى فيها إلى اختراع عدد من الآلات الفلكية الدقيقة، وذكر لنا منها مؤرخ ذلك العصر آلتين، الأولى اسمها “ذات الحلق” وقد رفعها ابن فرناس إلى الأمير عبد الرحمن بن الحكم (206- 238هـ) مرفقة بعدد من الأبيات الشعرية، والثانية: هي آلة لمقياس الزمن، سماها ابن فرناس “الميقاتة” ورفعها إلى الأمير محمد بن عبدالرحمن (238- 273هـ) .
وجاء في “تراجم إسلامية” للمؤرخ محمد عبد الله، أن ابن فرناس قد برع في الموسيقا وصياغة الألحان، وفي الغناء، وكان الأمير محمد بن عبد الرحمن يستدعيه إلى مجالس أنسه . فكان يقدم إليه أناشيد من رقيق نظمه ويغنيها بحضرته .
على أن أشهر ما اقترن باسم ابن فرناس، هي محاولته اختراع آلة يستطيع الإنسان أن يطير بها في الجو، وقد انتهى بالفعل إلى القيام بتجربته الخطيرة على مشهد من أهل قرطبة، فكسا نفسه بالريش، ومد لنفسه جناحين، ثم صعد إلى ربوة عالية بناحية الرصافة، واندفع منها في الهواء طائراً فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة، واشتهر ابن فرناس بهذه التجربة المدهشة التي ملأت مشاهديه من أهل قرطبة إعجاباً .
ومن الغريب أن ابن فرناس على تفرده في ميادين الاختراعات العلمية على هذا النحو المدهش، كان يحتل بين شعراء العصر مكانة ممتازة، وكان، إلى جانب معاصريه، الشاعرين الكبيرين مؤمن بن سعيد، وأبي عمر بن عبد ربه صاحب “العقد الفريد”، من خواص شعراء الأمير محمد، وله في مديح الأمير، وفي الإشادة بحوادث العصر قصائد رنانة، ومنها قصيدته الشهيرة في موقعة وادي سليط التي انتصر فيها الأمير محمد على ثوار طليطلة وحلفائهم الإسبان (240هـ- 854م) وكان من شهودها إلى جانب الأمير .
محاكمة ظالمة
على أن أعجب صفحة في حياة ابن فرناس، وأكثرها إيلاماً هي محاكمته الشهيرة بتهمة الزندقة والكفر، فقد أثار هذا العلامة الفذ ببحوثه واختراعاته العلمية الفريدة، حسد الفقهاء وشكوكهم، كما أثارت بحوثه الكيمائية والفلكية بداره بالربض الغربي من قرطبة، ثم محاولته للطيران، ظنون الكافة ودهشتهم، واعتقادهم أن الرجل مارق، يتمتع بقوى شيطانية خارقة، وقد أثمرت سعاية خصومه من الفقهاء وغيرهم اتهامه بالكفر والزندقة، وإتيان الخوارق الشيطانية، فاعتقل وقدم للمحاكمة، أمام قاضي قرطبة سليمان بن أسود الغافقي، وعقدت المحاكمة في المسجد الجامع، وهرع الناس لشهودها، واجتمع حشد من العامة للشهادة عليه، فمنهم من قال: سمعت ابن فرناس يقول: “مفاعيل مفاعيل”، ومنهم من قال: “رأيت الدم تفور من قناة داره” إلى غير ذلك مما يوصف “بأحموقات من شهود عليه ذوي جهل” .
وكان القاضي سليمان بن أسود بالرغم من صرامته، ذهناً مستنيراً، فلم ترقه تلك الترهات، ولم يجد فيها طائلاً، فشاور جماعة الفقهاء، فيما قيد منها، ولم يجد سبيلاً إلى مؤاخذة ابن فرناس، وقضى ببراءته وإطلاق سراحه . وهكذا نجا ابن فرناس من محنة كانت تهدد حريته وحياته.