لجريمة سلوك كغيره من انماط السلوك السوي او الشاذ او المنحرف لابد له من دوافع او محركات واهداف يحققها وان كانت اهدافا غير سوية وغير مشروعة، ولذلك يسهم في مكافحة الجريمة، مكافحة علمية، التعرف على اسباب وقوعها، وظروف وملابسات ارتكابها، وكذلك التعرف على سمات شخصية مرتكبها وقدراته وميوله واتجاهاته السياسية والاقتصادية، وحالته الصحية والنفسية والعقلية قبل ارتكابه الجريمة والتعرف على شخصية مقترفها بما في ذلك ظروف القبض عليه او هروبه واجراء التحقيق معه وايداعه في السجن على ذمة القضية.
كل ذلك في شخصيته ولذلك فان تحديد الآثار التي حدثت بعد الجريمة وتلك الظروف التي كانت موجودة قبلها والتي صاحبتها، يساعد في مكافحة الجريمة ومنعها.لتفسير الجريمة اهمية كبيرة في مكافحتها ومنع انتشارها ومنع مرتكبها من العودة للاجرام مرة ثانية وتأهيله واعادته الى مظلة المجتمع.
الجريمة والضعف العقلي:
حاول بعض العلماء الربط بين الذكاء والجريمة من ناحية اخرى هنالك محاولات للربط بين الجريمة والتخلف العقلي اي نقص مقدار ما يتمتع به الفرد من ذكاء، ومعروف ان الشخص المتوسط او العادي في ذكائه تصل نسبة ذكائه الى 100 بمعنى ان يتساوى عمره العقلي وهو المعبر عن مستوى ادائه الذهني يتساوى مع عمره الزمني ومن يحصل على اعلى من 100 فهو فوق المتوسط ثم هناك الشخص الذكي جدا والعبقري والذي تصل نسبة ذكائه الى 180 فاكثر وعلى الجانب الاخر هناك الشخص المعتوه او الابله او ضعيف العقل وقد لا تتجاوز نسبة ذكاء طفل في سن السادسة من عمره، ولا يسأل مثل هذا الشخص عن الاعمال الجنائية التي يرتكبها وذلك بسبب انعدام سلطات لاداراك والوعي والارادة لديه، والشخص الابله لا يتجاوز ذكاؤه ذكاء طفل العاشرة، وهو لا يعفى من المسؤولية الجنائية ولكن ضعفه العقلي هذا يؤدي الى تخفيف العقوبة فقط.
وتدل بعض الاحصاءات الجنائية الاميركية على ان نسبة ارتكاب الجرائم بين ضعاف العقول نسبة عالية حيث وجد بعض علماء النفس ان نسبة ضعفاء العقول في المؤسسات العقابية الاميركية تصل الى 89% من مجموع المحكوم عليهم ولكن هذه النسبة كانت عالية جدا وظهرت احصاءات اخرى اقل من ذلك بكثير، فلقد بلغت نسبة الجانحين من ضعفاء العقول 50% وتميل هذه النسبة للانخفاض في الوقت الراهن، ومما يلقي بظلال من الشك على هذه النسبة المرتفعة ان المخالفات التي يرتكبها ضعفاء العقول في السجون لا تزيد عن نسبة السجناء العاديين كذلك فان نسبة العودة الى الجريمة تتساوى بين ضعفاء العقول والعاديين، ولكن مع ذلك هناك زيادة في نسبة المجرمين من ضعفاء العقول عن نسبتهم في المجتمع الخارجي.
جرائم الأذكياء والأغبياء:
وقد لوحظ ان الجرائم التي يرتكبها ضعاف العقول تختلف عن تلك التي يرتكبها الاذكياء حيث لوحظ ان هناك فروقا نوعية في الجرائم بين الاذكياء والاغبياء لدرجة ان هناك من يميز بين جرائم الاذكياء وجرائم الاغبياء في جرائم النصب والاحتيال والتزوير والتزييف والتآمر ضد الدولة والجرائم الاقتصادية كالرشوة والاختلاس والترابح والجرائم السياسية وجرائم التجسس والتخابر مع جهات اجنبية والتهرب الضريبي والجرائم المنظمة او الجرائم الكبرى، ذلك ان الاتيان بها يتطلب قدرا كبيرا من الذكاء ومن القدرة على الاحتيال والتخطيط والتدبير.
اما جرائم الاغبياء فلا تحتاج الى قدر كبير من الذكاء من ذلك جرائم التسول والتشرد والحريق العمد والنشل وبعض الجرائم الاخلاقية كالفعل العلني الفاضح واغتصاب الاطفال والحيوانات وقتل الوالدان وكشف العورة والسرقات البسيطة وترويج المخدرات.
وهناك رأي مؤداه ان جميع المجرمين تقريبا هم من ضعاف العقول، وانهم لا يدركون عواقب الامور ولا يفهمون العقوبات المحتملة لأعمالهم، وان الضعف العقلي يؤثر في جميع انماط سلوك الانسان ومنها بالطبع السلوك الاجرامي فلقد لاحظ البعض انخفاض المستوى العقلي لدى جميع المجرمين.
ولقد ظل كثير من علماء الاجرام والطب وعلم النفس يعتقدون لمدة طويلة ان انخفاض الذكاء عامل اساسي في ارتكاب الجريمة وعلى سبيل المثال:
جوادارد) 1920م في كتابه (الكفاءة الانسانية ومستويات الذكاء) يذهب الى القول بأن جميع البحوث التي اجريت على عقليات المجرمين والاحداث ومرتكبي الجنح وغيرهم من الجماعات المضادة للمجتمع لها ذكاء منخفض.
وذهب الى القول بان اهم الاسباب في جنوح الاحداث وفي الجريمة هي انخفاض مستوى الذكاء فمعظم هؤلاء المجرمين من ضعاف العقول ولكن مثل هذا الرأي مبالغ فيه فهناك كثير من الدراسات التي اوضحت ان ذكاء الطوائف المضادة للمجتمع يقترب من الذكاء العام في المجتمع كله.
وعلى الرغم من ان كثيراً من الدراسات توضح ان افراد مجتمع السجناء تنخفض نسبة ذكائهم عن متوسط الذكاء العادي بالنسبة لافراد المجتمع ولكن الواقع ان هناك بعض المجرمين الاذكياء الذين لا نلاحظهم داخل مجتمع السجن وان الاشخاص الاكثر ذكاء يكونون اكثر قدرة على الدفاع عن انفسهم في قاعات المحاكم ومن ثم لا يحكم عليهم بالادانة ولا يدخلون السجن.
إسهامات العلم في تحقيق العدالة:
وفي مجال العلاقة بين الجريمة والذكاء يسعى علماء النفس لتطبيق مبادىء علم النفس على عملية وضع القوانين بحيث تتناسب مع القيم النفسية لبناء المجتمع وكذلك لتنفيذ احكام القانون الى جانب دراسة محتوى شهادة شهود العيان وعلاج المجرمين او المنحرفين والاحداث الجانحين ولهذا العلم مستقبل واعد في هذا المجال الحيوي من حياتنا المعاصرة وتتم دراسة الشهادة والادلة الجنائية ولقد بدأت هذه الحركة في وقت مبكر من القرن الميلادي الماضي حيث اصدر هيجو منستربج كتابا اسماه (موقف الشاهد) في عام 1908 واظهرت مثل هذه الدراسات العلمية ان الاعتماد الكلي على شهادة شهود العيان في المحاكمة الجنائية قد تؤدي الى هدر العدالة ذلك لان الدراسة العلمية اوضحت ان عملية الادراك الحسي وكذلك عملية التذكر او الاسترجاع يشوبها كثير من الاخطاء وعدم الدقة حتى مع توفر الامانة مع الشاهد وعدم تعمده للكذب او تضليل العدالة