جرائم الشرف إرهاب فكري وقانوني
بقلم محسن صفار
قبل فترة قرأت على موقع العربية نت خبرا مفاده أن عائلة كويتية كانت تخطط لاصطحاب ابنتها إلى السعودية وقتلها ورميها في الصحراء والعودة لدواعي الشرف حيث ان البنت اعتقلت قبل مدة في شقة مشبوهة واطلق سراحها وسلمت الى اهلها مع ان اخيها كان قد هددها بالقتل امام مخفر الشرطة !!!! تصور إلى أين يصل التفكير الإجرامي لدى البعض بحيث تشترك الأم والأب والأخوة في هذا التخطيط الخسيس بهذا الشكل !! والسؤال هنا أين كانت هذه العائلة بهذه اليد الواحدة كي ترشد ابنتها وتريها الصح من الخطأ أم أنهم يتركون أبنائهم وبناتهم دون حسيب أو رقيب وعند الخطأ فقط يتحدون كي يقتلونهم؟وسؤال أخر هو لو ان احد أبنائهم قد أخطا وثبت عليه الزنا أو علاقة مشبوهة أو اعتقل في شقة مشبوهة فهل كانوا سيقتلونه ؟ أم أن الرجل لا تثريب عليه في مجتمعاتنا الذكورية أذا اخطأ هذا أذا اقر بأنه خطا حيث ترى الكثير من الشبان يفتخرون ويتباهون بفتوحاتهم الغرامية وكان الواحد منهم فتح عكا !!!ونفس الشاب يقتل اخته اذا سمع بأنها قد ابتسمت لشاب أخر !!
ليس من الغريب أن يرتكب الإنسان جريمة دفاعاً عن شيء عزيز عليه سواء كان مالاً أو أرضاً أو ولداً فكيف إذا كان الشيء عرضاً وشرفاً؟
ولهذا فقد أقرت العديد من التشريعات الدينية والدنيوية عقوبات لمن يتجرأ على إنتهاك الأعراض تختلف من مجتمع الى آخر ومن دين الى آخر أيضاً والإسلام قد أقر عقوبات تتناسب مع الجريمة حيث إكتفى بالجلد والتعذيب لمن مارس الزنا الغير محصن ( أي لغير المتزوجين ) والرجم وهو عقوبة قاسية نهايتها الموت لمن مارسه من المحصنين أي المتزوجين والمتزوجات وذلك لان زنا المحصن والمحصنة ينتهك حقوق أشخاص آخرين من زوج أو زوجة الزاني أو الزانية وأطفالهم والمجتمع ككل .
ولكن قبل كل شيء أكد الإسلام على وجوب الستر وعدم فضح الزاني أو الزانية منعاً لانتشار الفاحشة وأوجب أربعة شهود مشهود بصلاحهم وإيمانهم يشهدون أنهم شاهدوا عملية الزنا نفسها وليس ما يدل عليها مثل الدخول الى غرفة أو سيارة وما شابه ذلك أي عملياً هو شرط شبه مستحيل فمن سيرتكب الزنا بحضور أربعة مؤمنين؟
مع الأسف الشديد فإن المجتمع العربي الذي قبح الله فعلته أيام الجاهلية في وأد البنات خوفاً من العار الذي قد تلحقه يوما بالقبيلة أذا ما سبيت أو انحرفت! ونزلت الآية الكريمة بحقه ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنبٍ قتلت ) دأب على ممارسة الوأد بعد الاسلام وإن كان بشكل آخر سمي وأصطلح علية باسم (جرائم الشرف).
فما هي جرائم الشرف؟
جريمة الشرف هي الجريمة التي يرتكبها الفرد دفاعاً عن شرفه أو في لحظة غضب ناجمة عن رؤيته لشرفه يهان أو ينتهك ام عينه وهي ليست نطاق بحثنا هنا في هذا المقال .
ولكن ما نراه اليوم هو مجموعة من الأشخاص تمارس إرهاباً فكرياً وعشائرياً وقانونياً عبر قتل البنت لمجرد الشك بأنها قد اقامت علاقة غير مشروعة مع شخص ما دون منحها فرصة لمحاكمة عادلة أو حتى دون سؤالها أحياناً عن صحة أو سقم هذا الإدعاء وقد كشف الطب الشرعي عن عشرات الحالات التي ثبت فيها عذرية فتيات قتلن بدعوى الشرف أو العلاقة المحرمة.
إنني هنا لا أدافع عن الزنا ولا ادافع عن العلاقات الغير مشروعة ولست بصدد تشجيعها ولكن ليس من حق أي فرد أن يرتكب جريمة قتل دون أن ينال عقابه بدعوى أنها مسألة شرف عدا ما ذكرناه آنفا من حالات خاصة تثبت بها الواقعة برؤية العين ويخفف الشارع الحكم على أساس أن المرتكب كان في حالة غضب غير طبيعية . وتسقط مشروعية ارتكاب جريمة القتل بدعوى الشرف في غير ذلك من الحالات وذلك للأسباب التالية:
1- إن القتل هو أكبر جريمة يرتكبها الإنسان وهي جريمة تفوق آثارها الدينية والقانونية والإجتماعية جريمة الزنا وان ثبتت.
2- بما أن نسبة كبيرة من جرائم الشرف ترتكب من قبل أشخاص لم يشاهدوا الواقعة بل لمجرد السمع من أشخاص هم في الغالب غير موثوقين وبعد مدة من سماعهم بالخبر وبعد تخطيط وتصميم مسبق فإن ذلك يعد قتلاً عمداً عقوبته الإعدام ولا يستحق أي ظروف مخففة للقاتل.
3- بما أن عقوبة الزنا لغير المحصنة في الشريعة الإسلامية ليست القتل ولعدم توافر شرط الشهود الأربعة وحكم حاكم الشرع فإن من يرتكب جريمة الشرف هو قاتل لنفس بغير حق ويقام عليه الحد ومصيره جهنم وبئس المصير بإجماع الفقهاء ألا من غفر له رب العالمين.
إذاً من يرتكب جريمة الشرف هو شخص خرج عن دين الله وعلى أحكامه وهو شخص إرتكب أبشع جريمة في المجتمع وهي القتل وهو شخص ليس لديه السلطة القانونية أو الشرعية لتنفيذ الحكم بالمتهمة التي لم تتمتع بحقها في الدفاع عن نفسها ودفع التهمة التي تمس روحها وشرفها في نفس الوقت.
فما هي عقوبة مثل هذا المجرم في عالمنا العربي؟
لا شيء فأقصى ما يحصل عليه في الأردن مثلاً 6 أشهر ليخرج بعدها من السجن مرفوع الرأس!! وليشجع جيلاً آخر من المجرمين على تكرار نفس الفعل الشنيع بحق أخواتهم أو بناتهم أو زوجاتهم حتى.
حتى أن البعض ممن لا يريد أن يتحمل تكاليف تطليق زوجته يقتلها بحجة الشرف ويتخلص منها ومن مهرها والثمن 6 أشهر سجن يا بلاش!!!.
أن سيادة المنطق العشائري والقبلي على سلطة القانون بشقيه الشرعي والمدني والجنائي أمر مرفوض عقليا وشرعيا ويجب إن يبدأ المشرعون بتطبيق عقوبات قصوى بحق مرتكبي مثل هذا النوع من الجرائم كي يفكر الشخص ألف مرة قبل أن يرفع سكينا أو مسدسا بوجه أخته أو ابنته أو زوجته كما يجب ان تشمل العقوبات ايضا وبنفس الشدة كل من يحرض على جريمة من هذا النوع او يشارك بها او حتى يشاهدها دون محاولة منعها .
يجب ان نصل الى مجتمع يسود فيه القانون على كل الاعراف البالية وان لم نفعل فسنسال كلنا يوم القيامة (واذا الموءودة سالت باي ذنب قتلت ) فماذا سيكون جوابنا ؟