دعوة في السحر
شاب كان يرعى الغنم لأبيه، ورأى تهافت الشباب على السفر والانخراط في السلك العسكري فطلب من أبيه أن يسمح له بالذهاب معهم فرفض الأب ذلك.
حاول الشاب مرارًا فلم يأذن له الأب فقرر أن يذهب بالرغم من عدم رضا والده.
فقال الأب لابنه: أما القوة فما لي عليك من قوة، ولكن ما لي عليك إلا دعوة أرفعها إلى الله وقت السحر.
فذهب الشاب وترك غنمه مع أحد أقرانه وذهب إلى سفره، وعلم الأب بسفره – وكان الأب صالحًا تقيًا – فرفع يديه إلى الحي القيوم وسأل الله عز وجل أن يريه في ولده ما يكره.
فعمي الابن وهو في الطريق واستقبله بعض أفراد قبيلته في الطائف وسألوه ماذا يريد؟ قال: كنت أريد الوظيفة أما الآن فأعمى لا يقبل مثلي في الوظيفة.
فأتوا به إلى أبيه وعندما دخل عليه وهو في جوف الليل وكان والده ضعيف البصر فنادى الشاب. فقال أبوه: أفلان أنت؟ قال: نعم. قال أبوه: هل وجدت السهم؟ قال: نعم.
فدخل على أبيه يُقاد، لكن الأب الحنون حزن حزنًا عظيمًا وتأثر تأثرًا كبيرًا وكان يود لو كانت في غير عينيه.
فقام ليلته تلك يبكي ويئن يركع ويسجد ويلحس بلسانه عين ولده ويدعو الله عز وجل، والله قريب مجيب فما قام لصلاة الفجر حتى عاد لولده البصر فحمد الله كثيرًا.
////////////////////////
أحد المشايخ جاءه شخص يشتكي وقد اسودت الدنيا في عينيه وحطمه اليأس، وسبقت الدموع كلامه وعبراته تخفي صوته المبحوح، وقال: ما أفعل يا شيخ؟! الديون تحاصرني ولا أستطيع سدادها ولو عملت خمسين سنة دون أن آخذ ريالاً واحداً من راتبي الشهري لما انتهى ديني.
فما أفعل وقد سدت في وجهي كل الأبواب؟!.
فقال له الشيخ: استعن بالله ولا تيأس، والزم الاستغفار ليل نهار وفي كل حين ولن يخذلك الله.
وغاب الرجل عاماً كاملاً ثم جاء إلى الشيخ وهو في صورة غير تلك التي رآه فيها؛ وجه مشرق، وابتسامة عريضة تسبق سلامه، وقبلة شكر على جبين الشيخ إجلالاً وتقديراً له.
فقال: هل تذكرني؟ أنا الذي أتيتك ذات يوم مهموماً مغموماً اشتكيت لك الدين الذي أثقل كاهلي وأتعب نفسيتي وشل تفكيري، فنصحتني بالتزام الاستغفار في كل حين.
فعملت بنصيحتك وقد قضى الله كل ديوني، بل أصبح لدي وفرة من المال.
فسأله الشيخ: وكيف حصل ذلك؟!.
فقال الرجل: ذات يوم ذهبت إلى أحد المكاتب العقارية القريبة من سكني لأبحث عن مسكن آخر أستأجره، فشهدت وقت حضوري إتمام صفقة عقارية، واتفق الحاضرون على توزيع السعي على من حضر؛ وكان نصيبي من تلك البيعة أكثر من ثلاثة آلاف ريال.
فأخذت أزور المكاتب العقارية أقتنص الفرص المناسبة، وذات يوم أخبرني صاحب إحدى الأراضي التجارية المهمة أن أسعى له في أرض له وأخبرني أن سعايتي لن تقل عن مائة ألف ريال.
فبدأت في البحث عن مشتر لهذه الأرض ووفقني الله وتمت البيعة.
وهكذا استمريت سمساراً في الأراضي ورزقني الله الخير الكثير حتى قضيت كل ديوني بفضل الله.
وقفة: ما أجمل أن نكون صادقين مع الله ومع أنفسنا وأن نتوكل على الله حق توكله، وتكون ثقتنا في الله كبيرة بأن يقبل دعاءنا ويفرج همنا ويقضي ديوننا، إنه على كل شيء قدير.
المصدر: كتاب " لا تيأس " . أحمد سالم بادويلان.
////////////////////
قبل عدة عقود من السنين " أيام الجوع والمرض والفقر " أصيب طفل بداء الجدري الذي كان منتشراً في تلك الأيام والذي كان لا يمكن علاجه في ذلك الزمن , وكان أهله لا يملكون إلا أن يصبروا ويحتسبوا ما أصاب ابنهم.
وفي أحد الأيام لاحظت الأم أن ابنها يمشي وهو ممسك بجدران الغرفة حينها أدركت الأم الحنون أن الجدري قد أصاب بصر ابنه وقرة عينها وفلذة كبدها.
وكانت الأم تستند إلي عقيدة صافية وإيمان قوي وراسخ فما جزعت ولا صرخت ولا تسخطت بل حمدت الله وأثنت عليه ثناء عطراً وذهبت وتطهرت وتوجهت إلي مصلاها وصلت لله ركعتين أطالت سجودها وهي تقول: يارب إذا عميت بصره فلا تعمي بصيرته اللهم فقه في دينك واجعله من حفظة كتابك وأطالت الدعاء والبكاء بين يدي الله وهي تتذلل وتتوسل لرب العالمين وأرحم الرحمين ألا يخذلها وأن يستجيب دعائها.
نشأ الطفل وترعرع في كنف أمه الصبور الشاكرة فحفظ القرآن الكريم كاملاً وهو دون العاشرة وبدأ في حفظ كتب الحديث والتفسير ومتون الفقه والسيرة.
وأظهر نبوغاً غير عادي حتى أصبح عالماً من كبار العلماء المعروفين بل أخرج الله من صلبه أربعة من حفظة كتاب الله أصبح أحدهم أيضاً مثل أبيه من كبار العلماء الذين يشار لهم بالبنان.
وهو الآن حي يرزق وقد رحل والده إلي بارئه وقد ترك سيرة حميدة وذرية صالحة وعلماً نافعا بفضل ثم بفضل دعوة تلك الأم الصابرة المحتسبة التي صدقت الله فصدقها ولم تيأس من رحمته وكرمه وفضله فعوض الله صبرها وجعل ابنها خيراً من كثير من المبصرين فالحمد لله علي نعمه وفضله..
من فوئد القصة:
ـ إنما الصبر يكون عند الصدمة الأولي.
ـ الفزع للصلاة واللجوء إلي الله عند وقوع البلاء.
ـ التسليم المطلق لقضاء الله وقدره مع الأخذ بالأسباب.
ـ إحسان الظن بالله جلا وعلا.
ـ للصبر ثمرات سيجنيها الإنسان ولابد.
من كتاب (لا تيأس ) بتصرف
/////////////////////////
دموع الليل
يحدث الشيخ عمر بن سعود العيد أن هناك شابًا صالحًا يحب الأخيار ويحب مجالستهم.
وكان له أب على نقيضه يكره الصالحين وكان إذا رآهم عند ابنه ربما طردهم من المنزل غير مراع لشعور ابنه؛ وكان ابنه حليمًا مع والده يدعوه ويدعو له.
وفي ليلة من الليالي كان لوالده مع الهداية موعدًا.
قام الابن في ثلث الليل وصلى ما تيسر له أن يصلي وفي آخر ركعة من صلاته رفع يديه إلى السماء وبدأ يدعو لوالده بالهداية.
فما لبث إلا قليلاً حتى بدأت دموعه تنهمر من عينيه وأخذ يبكي وأخذت تلك الدعوات الصادقة تخرج من قلبه خوفًا وخشية على أبيه.
وفي تلك اللحظات المفعمة بصدق الالتجاء إلى الله دخل والده البيت قادمًا من إحدى سهراته وسمع باكيًا يبكي بحرقة وألم فذهب يلتمس مصدر الصوت.
وعندما وصل إليه وهمَّ بفتح الباب إذا به يسمع ابنه يتضرع إلى الله يدعو له بالهداية فتأثر الأب وجثا على ركبتيه عند باب الغرفة وأخذ يبكي ويقول: ولدي يدعو لي وأنا أضايقه، يدعو لي وأنا أحاربه.
وفي غضون ذلك انتهى الابن من صلاته، ولما فتح باب الغرفة إذا بأبيه جالس يبكي، فلما رأى الأب ابنه اشتد بكاؤه وضم ابنه وقال له: والله لا أضايقك بعد اليوم.
والأعجب من ذلك كله ما قاله الشيخ بعدها، حيث قال: وكان الأب بعد ذلك ربما قام مع ابنه يصليان آخر الليل سويًا.
المصدر: كتاب " غرقى فمن ينقذهم " .