تغنينا بالجفرا فهل نعرف من هي |حتى لا يضيع تراثنا|ولا تنثدر قصص اجدادنا
جفرا...اختزلت معاني الوطن واللجوء والحب والألم في راحتها...تغنت بها حروف الشعراء والزجالون...جفرا..."ومن لا يعرف جفرا؟ ومن لم يعشق جفرا؟" أسئلة رددها الشاعر الفلسطيني عزالدين مناصرة...
استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها...بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ "الشعار"...ضاعت بين أوراق السياسة والقرارت الدولية ...جفرا...إحدى الأرقام في صفحة اللجوء القديمة...فلم يعرفها أحد...ومات عاشقها...فهل نشنق أنفسنا..."ونشرب كأس السم العاري" ...!
قصة الـ"جفرا" هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني
ولدت الـ"جفرا" في قرية اسمها "كويكات" في الجزء الشرقي من سهل عكا
كانت الـ"جفرا" وحيدة أبويها فلا إخوة ولا أخوات, ولم تتلق التعليم
من لم يعشق جفرا ...
الجفرا" لم يكن اسما بطبيعة الحال، وإنما لقب أطلقه الشاعر "أحمد عبد العزيز علي الحسن" عليها تشبيها لها بابنة الشاة الممتلئة الجسم. وقد عرف الشاعر بين أبناء القرية باسم "أحمد عزيز".
كانت سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان "أحمد عزيز" ابن عمها مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل ،تقدم لخطبتها وتمت الموافقة وتزوجوا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما " أحمد عزيز" فكان في حوالي الـ20 من عمره. وأعراسنا كانت كسائر أعراس الفلاحين في فلسطين، يعزف فيها المجوز والشبابة والدربكة، وكان الأهالي يرقصون الدبكة نساءا ورجالا.
ولم يتوفقا في زواجهما، وأرادت أمها ان يتم الطلاق وطلقت فعلا. ولم يستمر زواجهما سوى أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهروب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت في بيت أهلها. وتمت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.
بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها " محمد إبراهيم العبدالله ". وعندما قطع "أحمد عزيز " أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها. وكان أهالي القرية يمرون امام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية من عين الماء، حاملة جرة من فخار :
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
أما "أحمد عزيز" فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه ، وجمعها في كتاب أسماه كتاب "الجفرا".))
وقد لقب الشاعر نفسه بـ"راعي الجفرا"
يقول "أحمد عزيز" : (( شاركت في وقعة البروه سنة 1936. وكان عمري 18 سنة. كنت لابس أواعي الثوار، إنأسرنا في البروه وفي البيوت هناك كانوا يعلقوا على الحيطان أطباق قش، قمت شلحت الأواعي وخبيتها تحت أطباق القش إللي على الحيط. ولمن دخل الإنجليز ما شافوا علي لبس الثوار. أهل البيت كانوا جابوا لي منديل حرير وفستان حرير ولبستها وقعدت بين البنات)).
ويبدو أن الإنجليز سرعان ما كشفوا أمره، يكمل راعي الجفرا : (( أخذونا الإنجليز في السيارة حكموني 3 أشهر وكل ما تخلص يمددوها.ظليت سنة في المعتقل (منع جرايم) وبعدين طلعت وحملت البارودة،
قامت الكتائب الصهيونية .وفر معظم أهالي هذه القرية مذعورين باتجاه الأراضي اللبنانية. وقد نجحت الجفرا وعائلتها وابن عمها "أحمد عزيز" من الفرار من موت مؤكد، وبدأت بذلك أولى فصول النكبة، والتي لم يتصور أهلها الذين أخبروا بأنهم سيبتعدون لمدة 10 أيام فقط، بأنها ستسمر لـ60 سنة قادمة!
أما "أحمد عزيز" فقد فرقت النكبة بينه وبين الجفرا
وبعد احتلال جزء من الأرض اللبنانية في الجنوب والبقاع، وانطلاق المقاومة اللبنانبة ضد الاحتلال الصهيوني كان لراعي الجفرا عدة أغنيات، وقد اخترنا مطلعا منها نقتبسها مما أورده الحاج عبدالمجيد العلي :
جفرتنا يــالهربـــع نزلت عالمديـنة
صارت تغني وتــقول يحيا الفلسطـيني
تحيا يا إبــن لـبـنان يا ذراعي اليمين
يا شريكي بدرب التحرير ضد الصـهيونية
هات سلاحك والحــقني فردك والســكين
تانزل عافلسـطـــين نعمل عمـــلية
وناخذ معنا الـــقنابل شغل بلاد الصين
ونهجم عاموشي داـيان هجمة عربــية
ومن المفارقات أن اسم "أبو علي الجفرا" غلب على اسم "أحمد عزيز" بعد فترة ، حتى عرفت زوجته "خديجة الخالد" بـ"أم علي جفرا" مع أنها ليست هي الجفرا!
عند قبرك ذرفت دموع الصمت
كنت أتسائل لو كانت الجفرا وعاشقها يهوديان، فهل كانت لتبقى هذه القصة طي الكتمان حتى نفجع بخبر وفاة جميع أبطال هذه القصة ؟! يا ترى كم من الأفلام كانت ستخرج في هوليوود ، وكم أغنية ورواية وقصيدة كانت ستتغنى بها...
الجفرا الآن ترقد في مقبرة برج البراجنة في بيروت، ماتت في غربة الأرواح بعيدة عن نكهة الوطن...والمخيم الذي عاشت فيه سنين من عمرها اكتظ باللاجئين وتزداد أوضاعهم سوءا يوما بعد يوم. أما قريتها الصغيرة "كويكات"، فقد أقيمت على أنقاذها مستعمرة "بيت عميق" ليهود بريطانيا وأوروبا !