القهوة العربية عادات وتقاليد .
منذ القدم والبشرية تبحث في الأعشاب عن فردوس المتعة حتى الأمس القريب كانت قارئات الفنجان يبدأن بقراءة سورة الفاتحة على روح الشيخ الشاذلي كما يذكر الرحالة التركي أوليا جلبي في كتابه ( سياحة نامة ) انه كان يوجد في اسطنبول في القرن السابع عشر سبعين دكانا لبيع القهوة وكانت تفتح أبوابها بالبسملة والدعاء للشيخ الشاذلي وهو المتصوف علي عمر الشاذلي الذي عاش في القرن الخامس عشر وأفتى بتحليل القهوة يعد إن تذوقها في مكة .... كانت القهوة في بادئ الأمر شرابا دينيا حيث شاع استعماله أولا بين المتصوفة في الجزيرة العربية وبعده في مصر نظرا لفعاليته في إبقاء الذهن متوقدا بما يساعد على تسهيل الإيفاء بطقوس الذكر .
كان المتصوفة يتناولون القهوة في حلقات الذكر ... وكان يعدها متصوف يدعى بالنقيب وخلال ذلك كان يرد ( ياقوي ) 116 مرة أو يقرا سورة ياسين أربع مرات أو يصلي 100 مرة على الرسول (ص) . وبرغم المكانة المهمة للقهوة عند المتصوفة إلا إن رجال الدين لم يكونوا في القناعة نفسها برغم إصدار شيخ الإسلام ابن سعود تجريم تناول القهوة التي يتم تحمصها إلى درجة الحرق اخذ المدمنون على تناولها يتناولها بتحميصها بدرجة اقل كما انه واجهوا فتاوى التحريم بفتاوى معارضة في الوقت الذي كانت تصدر فيه الفتاوى بتحليل القهوة أو تحريمها لم يهتم احد بإعلان السلطان سليمان القانوني عند قيامه بأداء فريضة الحج بأنها من المكروهات ولمن تقف التدابير القسرية ضد متناولي القهوة عند هذا التحريم الاان السلطان مراد الرابع المعروف بصرامته اصدر عقوبة الإعدام بحقهم .
وعلى الرغم من قيام بعض المتصوفة في مصر بتحريض من العالم الديني السمباطي إلا أن استعمال القهوة في مصر استمر في الانتشار ويقال إن أول من قام بتعريف القهوة في اسطنبول هو ازو دمير باشا والي الحبشة ويقال أيضا إن أول من قام بتقديمها في أماكن هما أخوان سوريان عام 1544 م حيث بدا الزبائن يتوافدون ولم ينحسر تناول القهوة في أماكن معينة بل انتقلت للبيوت الثرية واستحدثت في القصور وضيفة جديدة هي رئيس القهاة مهمته إعداد القهوة وتقديمها ويروى إن الاستهلاك البشري للصدر الأعظم من القهوة بلغ 10 أوقيات أي مايعادل 13 كغم شهريا .
عادات وتقاليد :-
وفي المجتمع العربي منذ ذلك التاريخ الذي مر معنا أصبحت القهوة شرابا يوميا معتادا في مختلف الأماكن على اختلاف تسمياتها خصوصا مناطق البدو لا يخلو منها بيت سواء كان ميسورا أو معسورا وأصبحت ترتبط بها عادات و تقاليد مترسخة في الحياة الشعبية تشمل مفردات أساسية في الحياة بدأت من الزواج إلى القتل .
وهي للبدوي رديفة للسهر عليها يتسامرون بشتى أنواع الحديث والإشعار لذلك تراهم يقدمونها على كل شيء ويحتفظون بها في بيوتهم وأسفارهم وفي المراعي وهي وهي مقترنة بالهيل والزعفران ومن العادات الاجتماعية التي تدخل القهوة فيها عنصرا أساسيا في المجالس إن يكون الساقي واقفا عند سكبها للضيوف وان يمسك بها في اليد اليسرى والفناجين في اليد اليمنى ولا يجلس أبدا حتى ينتهي من سقاية جميع الحاضرين ويستحسن إضافة فنجان آخر للضيف في حالة انتهائه خوفا من أن يكون خجلا من طلب المزيد وهذا غاية في الكرم عند العرب كذلك يجب على الساقي أن يبدأ من اليمين عملا بالسنة النبوية أو يبدأ بالضيف مباشرة إذا كان من كبار السن والمتعارف عليه أن يقوم الساقي بتكرار ملئ الفنجان حتى يقول الضيف (كافي أو أكرم ) بهز فنجان القهوة .
و يقوم الساقي أيضا بإحداث صوت خفيف نتيجة ملامسة الفنجان للدلة ويقصد بالحركة تنبيه الضيف إذا كان سارحا .
ومن مهارة شرب القهوة أن يهز الشارب الفنجان يمينا وشمالا حتى تبرد القهوة ويتم ارتشافها بسرعة .
ولقد بلغ احترام العرب للقهوة انه إذا كان لدا احدهم طلب عند شيخ العشيرة أو المضيف كان يضع فنجانه على الأرض ولا يشربه فيلاحظ المضيف أو الشيخ ذلك فيبادر بالسؤال ما حاجتك ؟ فإذا قضاها له أمره بشرب قهوته اعتزازا بنفسه وإذا امتنع الضيف عن شرب القهوة وتجاهله المضيف ولم يسائله ما طلبه فان ذلك يعد عيبا كبيرا في حقه وينتشر أمر هذا الخبر في القبيلة وأصحاب الحقوق عاد يحترمون هذه العادات فلا يبالغون في المطالب التعجيزية ولا يطلبون ما يستحيل تحقيقه ..... ولكل مقام مقال .
وليست القهوة وطقوسها لإغراض السلم فقط بل قد تستخدم للحروب فكانت القبائل في السابق وما زالت إذا حدث بينها شجار أو معارك و اعجز إحدى القبائل بطل معين أو من انتهك الحرمات ولا يجلس للحق يقوم شيخ القبيلة بجمع أفرادها ويخطب فيهم قائلا ( من يشرب فنجان فلان ) ويشير بذلك للشخص المنتهك أي من يقتله في معركة أو غيرها فيقول رجل من الحاضرين ويكون على الأغلب من شجعانها أو أشجعهم (أنا اشرب فنجانه ) وبذلك يكون قد قطع على نفسه عهدا أمام الجميع بان يقتل ذلك الشخص .... و أي عار يجلبه ذلك الشخص على قبيلته إذا لم ينفذ وعده .
ولقد كان هناك العديد من الأشخاص الذين يجيدون عمل القهوة في المضايف والديوه خانات ففي بهرز كان هناك الحاج المرحوم كرم الكردي في ديوه خانة آل ثابت وهم من العوائل المعروفة في بهرز ويعود انتسابهم إلى عشيرة شمر العربية حيث كان الأهالي يجتمعون عندهم كل يوم مساء حتى ساعة متأخرة من الليل وكذلك المرحوم جاسم أبو يحيى في مضيف الشيخ هادي السعدون شيخ عشيرة بني زيد وفي عشيرة السنا جرة كان هناك المرحوم ريس وأخوه جلوب جريمط وفارس بريجع وهم (الحمايل ) المعروفة وفي عشيرة اللهيب وفي عهد الشيخ المرحوم كريم شياع عباس الطائي كان هناك القهوجي موني حسين الخزرجي وعبد الحسين التميمي أما الآن فهو جاسم عبد الحسين الطائي في مضيف الشيخ سامي كريم شياع الطائي وفي قرية خرنابات القهوجي خضوري في مضيف المرحوم وهيب رزوقي عبيد الزبيدي ومن بعده كان المرحوم رضا سمير ويقوم أحيانا احد الشيوخ أو وجهاء القوم بعمل القهوة لإبراز التقدير العالي للضيوف ولبيان مكانتهم عنده وفي نفس الوقت فهو سلوك ينم عن التواضع الجم لصاحب المكان فضلا عن نفس كريمة طيبة مثل الشيخ سالم محمد الكاظم اللهيبي والشيخ حميد العلي شيخ الرفيعات .
كيفية عمل القهوة :-
توضع حبوب القهوة في المحماسة وتحرك حتى تنضج جميع حباتها بواسطة عصيتان من الحديد تشبهان الملعقة الطويلة ثم تحمص على النار بواسطة إناء معدني مقعر يسمى ( لنجر ) وتطحن ثم توضع في دله كبيرة تسمى
( الق مقوم ) أو ( المبهار ) وتسكب في عدة عمليات مركبة في دله مناسبة وتقدم للضيوف .
وتطورات الآن هذه الأدوات فالنجر مثلا تقابله الطاحونة أو المطحنة الكهربائية والمحماسة تقابلها المحمصة الكهربائية أيضا والدلة يقابلها الحافظات والترامز .
القهوة والأسطورة :-
للقهوة شجرة وثمرة تاريخها طويل فتقول الأسطورة انه في زمن بعيد لا حظ راعي ماعز حبشي اسمه ( كلدي ) إن ماشيته تصبح أكثر نشاطا وحيوية عندما تأكل من نوع معين من الأشجار البريو فنقل ملاحظته هذه إلى اقرأنه وبنوع خاص الذين كانوا يشكون من عدم قدرتهم على السهر ليلا فكان ذلك الاكتشاف الأول ثمرة البن .
أما الطبيب الرازي الذي عاش في القرن العاشر للهجرة فكان أول من ذكر البن والبشام في كتابه الحاوي وكان المقصود بهاتين الكلمتين ثمرة البن والمشروب .
وفي كتابه القانون في الطب لابن سينا الذي عاش في القرن الحادي عشر يذكر البن والبشام في لائحة أدوية تظم 760 دواء .
وأخيرا لقد دخلت القهوة في عصرنا هذا كااحد مصادر الدخل القومي الأساسية لعدد من البلدان مثل البرازيل وأنشئت المصانع الخاصة بها و بتسويقها بشكل يثير الإعجاب على صعيد العلب أو المغلفات بكافة أنواعها فضلا عن وجود الملايين من البشر الذين لا يستغنون عنها في تناولها منفردة او مع السكر والحليب وما زالت البحوث والدراسات في مد وجزر حول فوائد القهوة ومضارها وآخرها ما توصلت إليه مؤسسة كايسر في إن القهوة قد تحمي الإنسان من خطر الإصابة بعدم انتظام دقات القلب