بين الجهد العضلي و الجهد النفسي يسقط الانسان ... انه التعب
التعب تعريفه صعب و غامض ، فقد يكون ردة فعل جسدية سليمة و طبيعية لحاجة الجسم الى الراحة و الهدوء ، و قد يكون التعب إنذار خطر و مؤشر لبداية أنهيار جسدي او حالة مرضية .
التعب الجيد :
يحتاج كل عمل و نشاط إنساني الى تشغيل عضلات الجسم و تحريكها وفق نوع العمل و قوة النشاط . و المجهود الجسدي يحتاج كي يستطيع الانسان القيام به الى قوة . هذه القوة يوفرها استهلاك محروقات الجسد التي تستلزم استغلال اوكسجين الجسم وفق حدة العمل و المجهود العضلي الذي يبذل من أجل ذلك ، فإذا ما تخطى هذا العمل درجة معينة ( وهذه تختلف من شخص الى آخر حسب بنية الجسم ) يبدأ التعب بالظهور . وعلينا الا ننسى ان للعمل الفكري تأثيره المباشر على عضلات الجسد ، و تبعاً لهذه البديهيات فكل من يقوم بعمل لا يتوافق مع قدراته الجسدية سيضطر الى استنزاف كل امكانياته العضلية و احيانا يحاول تجاوزها فيصاب بإرهاق مستمر و تعب دائم ، ولا تتمكن الدورة الدموية بسبب الضعف العام بالجسد من خدمة العضلات العاملة بقوة وفق قدراتها و طاقاتها . هذا النوع من التعب اطلق عليه الاطباء " التعب الجيد " لأنه يأتي كدعوة من الجسم الى الراحة و الاسترخاء بعد العمل المضني لإعادة تكوين قواه .
التعب السيء :
اما التعب السيء ليس سوا الارهاق الجسدي الذي يتولد إما عن سبب مادي بحت او عن نشاط فكري او عن راحة طويلة احياناً . فيتطور هذا الارهاق ليصل الى درجة عالية يؤخذ فيها مظهراً مرضياً حاداً يستوجب تدخل الطبيب . و للإرهاق مظاهر كثيرة منها النوم السيء ، الانحطاط التام الفكري و الجسدي عند الاستيقاظ من النوم .
و اذا كان التعب الجيد يعكس تشنجات جسدية فإن التعب السيء يقلب صاحبه رأساً على عقب فهو يقلب مزاجه و يوتر اعصابه و يثير طباعه و غرائزه ، و يصبح في حالة عصبية دقيقة يصعب معها حصر الآلام في نقطة معينة ، ويصبح كل شيء يؤلم و يثير . وقد يكون الارهاق ظاهرة تسبق بعض الامراض و تلعب دور المنذر لقدومها .
إنذارات الإرهاق :
قد يأتي الارهاق قبل الانفلونزا ، التهاب الرئتين ، التهاب الكبد ، الامراض القلبية ، و عوارض الاوردة الدموية التي تكون إجمالاً مصدر إرهاق شديد و للسرطان تعبه و إرهاقه .
وبوجه عام ما من مرض إلا و يسبقه او يرافقه تعب شديد و إرهاق كبير . حتى الامراض النفسية لها تعبها القاتل .
و اول ما يجب اللجوء اليه عند الاحساس بإرهاق تام ، هو القيام بالتحاليل المخبرية العامة و ذلك بغية التأكد ان نسب الكالسيوم ، البوتاسيوم ، و السكريات في الجسم هي درجة طبيعية ، إذ ان كل نقص فيها يسبب إرهاقاً شديداً ، و في حال سلبية هذه التحاليل يجب البحث عن الدوافع المرضية الفعلية .
السكر و التعب :
كل لتر من البلازما في جسد الانسان يحتاج الى غرام واحد من السكر يومياً . ولا يجوز ان تزيد هذه النسبة او تنقص ، و اثناء شرب السوائل السكرية ترتفع نسبة السكريات في الدم لمدة ثلاث ساعات تقريباً ثم تبدأ هذه النسبة بالانخفاض تدريجياً للعودة الى الوضع الطبيعي و هذا ما يسبب التعب خلال الفترة اللاحقة لتناول السكريات بكثرة .
القهوة و التعب :
يقال ان بين القهوة و التعب عداوة دائمة ، فما صحة هذا الوقت ؟
العكس هو الصحيح ، فعلاقة القهوة بالتعب قائمة و متينة و هي لا تقل ضرراً عن المشروبات الكحولية . و يعود ذلك الى ان استهلاك القهوة بكميات كبيرة قادرة على تخدير التعب و إحتواء حقيقة الإحساس به . ولكن في أول فرصة تسنح ، ينفجر التعب إرهاقاً حاداً قد يصل بصاحبه الى حافة الانهيار العصبي التام . إذ أن التعب مدخل للراحة و تعبير عن حاجة الجسم لها ، وكل تمويه لحقيقة الجسد سيظهر لاحقاً و بشكل عنيف .
التعب و النوم :
الجسم بحاجة الى النوم للقضاء على التعب ، ولكن قد لا يجلب النوم الراحة المنشودة فيفقد ضرورته و لذته . المعروف أن الانسان يعيش احلامه اما إذا تحولت هذه الاحلام الى وسيلة لإعادة تكوين و إستعراض خلافات النهار المؤلمة و الشاقة ، يكون الانسان هو من يحرق تلقائياً لذة النوم عنده و يحوّلها الى تعب شاق و ذلك بنقله اعمال اليوم الى داخل فراشه . فيصعب النوم و يصبح بحالة من الهياج العصبي و التوتر النفسي ، وكل علاج يجب ان يتوجه الى السبب الذي غالباً ما يكون إما خلافات عائلية او خلافات في مكان العمل او شخصية . فالتعب هنا يلعب دور الدليل على وجود مشاكل يومية و نفسية . الضجيج يسبب نوعاً من الإثارة العصبية المستمرة و بدرجة عالية ، و خاصة في المدن .
العلاج :
العقاقير المعالجة لا تعد و لا تحصى ، و الصيدليات غنية بها ، وهي على شكل مهدئات و مقويات و منشطات و مضادات للتعب والارهاق ، كالكالسيوم و البوتاسيوم و مئات غيرها ، ولكن بعضها تحمل سمّاً للجسم ، لذا لا يجوز اعتمادها دون استشارة الطبيب . فمثلاً ، نقص الكالسيوم في الدم يزول بالطعام العادي الذي يوفر النسبة الناقصة منه ، وفي الحالات المستعصية يلجأ البعض الى المخدر و الكحول ولهذا مفعول السكريات نفسه على التعب بل يولد تعباً قوياً جداً بعد زوال مفعوله .
و لتدارك التعب و علاج الارهاق ، ثمة بعض النصائح التي قد تكون ضرورية و التي قد تخفف من وقوع التعب و الارهاق ولكنها لا تزيلهما :
• تناول وجبة الصباح و التركيز فيها على المواد المغذية المقوية للجسم ، مثل البيض ، الاجبان ، و الزبدة .
• تجنب ابتلاع الملينات لأنها تخفض نسبة الفيتامينات ( أ / د ) ، المغنيسيوم ، و الحوامض الامينية من الجسم مما يسبب التعب و الارهاق .
• إذا كنت تتبع حمية فاختر الغذاء المحتوي على بروتينات بكثرة مع قليل من الدهنيات و السكريات .
• تجنب كثرة استخدام القهوة و الامتناع عن الكحول .
• المحافظة على نشاط الجسم بالرياضة و المشي لأنهما يساعدان على تنقية الصدر و تعبئة الجسم بالهواء النقي .
• لا ترهق جسدك فوق طاقته العملية .
• من الافضل التحكم بالعمل اليومي بدلاً من تحكمه بنا .
• التخطيط العملي للنشاطات اليومية مع اعتماد فترات راحة بين فترة و اخرى فهي من ضروريات الحياة العصرية .