ركائز الإسلام - شرك طلب الشفاعة من غير الله.
وقريب من شرك التقرب والزلفى شرك طلب الشفاعة من غير الله؛ لأنه امتداد له في الحقيقة.
وقد كان العرب في الجاهلية يمارسون الشِّركَين معاً. فقد كانوا يعبدون الأصنام لتقربهم إلى الله زلفى، وكانوا في الوقت ذاته يطلبون الشفاعة منهم لتوهُّمهم أنهم أصحاب كلمة مسموعة عند الله: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس: 18].
قوله تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ، قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الزمر: 43، 44].
وكما عبدوا الأصنام لتشفع لهم عند الله - وبخاصة اللات والعزى ومناة - فإنهم عبدوا الملائكة كذلك باعتبارها بنات الله حسب ادعائهم الباطل، وأنها لذلك مسموعة الكلمة عند الله: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 26 - 28].
ولقد يُخيَّل إلينا كذلك أن هذه القضية قد انتهت مع انتهاء الجاهلية العربية، ولم يعد لها وجود. ولكن المتأمل في حياة الناس اليوم يجد نظائر لها في تشفيع الموتى من الأولياء والصالحين عند الله في قضاء المصالح وفي الرضا عن العباد.
وقضية الشفاعة كقضية الزلفى، كلتاهما تنشأ من توهم أن هناك من يملك من الأمر شيئاً مع الله، أو يملك التأثير في مشيئة الله وإرادته. وهو وَهْمٌ باطل لأن الله هو الغني، وهو المدبر المهيمن على كل ما في الوجود، ومشئيته هي النافذة وحدها في هذا الكون. فالخلق جميعاً عبيد له وأقربهم إليه أتقاهم له.
ولا ينفي هذا أن تكون هناك شفاعة بين يدي الله يوم القيامة يتقبلها سبحانه ويستجيب لها [48]. ولكنها أولاً بإذن منه سبحانه للشافع أن يشفع، وثانياً رضاه عن المشفوع له، قال الله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) [النبأ: 38].
وقال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) [الأنبياء: 28].
وقال: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) [النجم: 26].
[48] كشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف يوم القيامة وشفاعته في قوم من العصاة استوجبوا دخول النار، ألاّ يدخلوها، وشفاعته في قوم من العصاة دخلوا النار: أن يخرجوا منها.