ركائز الإسلام - الدين والفطرة.
قوله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (30) الروم (30)
كل مولود يولد على الفطرة.
والفطرة بذاتها تتجه إلى الله، عالمة بوجود سبحانه، ومؤمنة بأنه إله واحد لا يوجد في الكون كله سواه.
كيف تهتدي الفطرة إلى خالقها؟
إن الله سبحانه وتعالى يخبرنا في كتابه الكريم أنه حين خلق الخلق عرَّفهم بنفسه، وبأنه جلَّت قدرته هو ربهم الذي خلقهم، والذي ينبغي أن يدينوا له بالعبودية: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) [الأعراف: 172].
والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يخبرنا كذلك: " ما من مولود إلا يولد عل الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء [7]؟ "، ثم يتلو قوله تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) [الروم: 30] والحديث متفق عليه.
والحقيقة أن الفطرة البشرية تتيقظ لوجود الخالق في سن مبكرة جداً، أصغر بكثير مما تظن!
فنحن نظن عادة أن الشخص الكبير وحده هو الذي يتفّكر في وجود الله سبحانه وتعالى وفي وحدانيته. ولكنا إذا لاحظنا حياة الطفل الصغير نجد أنه في مرحلة معيَّنة من عمره يبدأ يسأل والديه أسئلة لا تنتهي:
من الذي عمل السماء؟ لماذا كانت السماء زرقاء؟ وأين تذهب الشمس في الليل؟ لماذا لا تظهر الشمس لنا في الليل؟ أين يذهب النُّور حين يأتي الظلام؟ لماذا تلمع النجوم؟ أين تنتهي الأرض؟ لماذا كانت هذه الزهرة ذات رائحة والزهرة الأخرى ليس لها رائحة؟ من أين جئت؟ أين كنت قبل أن أجيء؟... إلخ.
فما معنى هذه الأسئلة في الحقيقة وما دلالتها؟
إن دلالتها الحقيقية أن فطرة هذا الطفل قد بدأت تستيقظ، بدأت تتعرف على خالق السماوات والأرض من خلال مخلوقاته المشهودة المحسوسة، بدأت رويداً رويداً تتعرَّف على حقيقة الألوهية التي أشهدها الله عليه منذ خلقها، وبدأ إدراكها لها ينمو كما تنمو البذرة الكامنة في باطن الأرض، حتى تترعرع وتخضر.
وأن هناك تأثيرات عدة تقع على حس الإنسان فتوقظه إلى حقيقة وجود الله ووحدانيته وتفرده.
[7] الجمعاء هي السليمة المكتملة الأعضاء. والجدعاء هي المقطوعة الأذن.