أطفالنا .. وأعلام الإعلام.
جهدنا في محاولة أن نرسم في مخيلة أطفالنا شكل أو وصف لأحدى الشخصيات الإسلامية أو التاريخية العظيمة، قد يكون أقل اثرا من ذلك الانطباع والأثر الذي سيتركه عمل إعلامي موجه للأطفال كفيلم رسوم متحركة (كارتون) لا يتعدى مداه الزمني دقائق معدودة حول موضوع أو شخصية ما، وأيًا كانت تلك الشخصية أو ذلك الموضوع فسيرسخ في ذهن الطفل ويعلق بذاكرته مؤثرا في شخصيته وسلوكه المستقبلي.
وتناولت أحدى الدراسات العربية أثر وسائل الاعلام على فكر أطفالنا، حيث قالت تلك الدراسة أن الرسوم المتحركة تحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة على عقل الطفل، وللأسف فقد أكدت تلك الدراسة أيضا على أن المحتوى الإعلامي الذي يقدم للطفل العربي بشكل عام سواء من خلال التلفزيون أو مجلات الاطفال المتخصصة، 85% منها (مُعرب)، أي أنه نتاج ثقافة مجتمعات غربية تختلف اختلافاً جذريًا عن مجتمعاتنا وعاداتنا وآدابنا.
فالطفل هنا ينعزل بشكل تام عن مجتمعه الذي يعيش فيه بما يقدم له من ثقافات المجتمعات الأخرى، فيشب على قيم غير القيم، وآداب غير الأداب التي من المفروض أن يشب عليها، فنجد أنفسنا أمام مسخ مشوه يعيش وسط مجتمعه بعقل قد تشكل بخلفيات مجتمعية مغايرة لواقع مجتمعه ومبادئه وقيمه ، أي انه يعيش في مجتمعه جسد بلا عقل متلائم ومتناغم ومنسجم مع من حوله، لذا نجد انتشارا لظواهر ومشكلات غريبة ووافدة على مجتمعاتنا.
وبالطبع وكنتيجة واقعية لما يعيشه الاعلام الموجه للطفل من انفصال عن مجتمعاتنا وقيمها، نجد أن أولادنا قد اتخذوا الشخصيات التي يتمحور حولها الأحداث (الابطال) كنماذج وقدوة يقتدون بها في حياتهم.
ولكن يتبادر إلى أذهاننا سؤالان هما:
- ماذا تعني كلمة قدوة؟ - وكيف تكتسب تلك القدوات؟
المراد بالقدوة من يتأسى به في جميع أحواله قال تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ..) الآية 21 – الأحزاب ، والأصل في الصغار أن مستوى الادراك والفهم لديهم أقل بكثير من مثيله لدى الكبار، لذا فهم يحتاجون للرؤية بالعين المجردة لواقع حي يتمثل أمامهم لكي يكتسبوه كقدوة ومثال يحتذى به.
ورغم تغير نظرة الأفراد للقدوة واختلاف مواصفاتها من زمان لزمان، إلا أن الجميع أكد على ضرورة وجود القدوة في حياة كل منا، وقد ظهرفي وقت من الأوقات بأوربا تيار يرى بأنه لاداعي لوجود قدوة في حياة الأفراد، ودعوا لإنفراد كل شخص بتكوين نموذج خاص به من خلال التجربة والخطأ، ورأو بأن وجود القدوة يحد من حرية الفرد ويجعله منقادًا لغيره، وهنا نقول بأن القدوة والبحث عنها حاجة غريزية يغذيها ما ُطبع عليه الإنسان من التأثير والتأثر، إضافة إلى الاستعداد النفسي للتقليد، واستنادًا إلى دراسات سيكولوجية فالنفس البشرية تبحث عن نموذج تتعلق به لتخفف من ''أزمات المرحلة'' التي يمر بها، كالمراهقة وغيرها من المراحل العمرية التي يمر بها الفرد.
وبالطبع الآن لا يجد أطفالنا أمامهم أكثر جذبا من التلفاز الذي يقدم نماذج مرئية مؤثرة، ولكن كما قلنا أن معظم تلك النماذج لاتتماشى مع مايحياه الطفل واقعًا، لذا نجد انفصالا إعلاميا بين مايقدم للطفل ومانتمناه كمجتمع أن يُغرس فيه، وفي سلوكه وشخصيته.
وقد اهتمت الحكومات الغربية بأثر التلفاز في تكوين القدوات لدى الأطفال – وخصوصا القدوات التي تتخذ العنف منهجا في التعامل – باعتبار أن تلك القدوات تؤثر بشكل سلبي على سلوك الأطفال، فنجد مثلاً أن الكونجرس الأمريكي قد طلب في أعوام 1954 و 1961 و 1964 و 1970 و 1977 بإعداد دراسات حول الإعلام وأثره على سلوكيات الأطفال، مما يؤكد على أهمية دور الإعلام في رسم شكل القدوات التي يقتدي بها الأطفال. وذلك بعد أن وجدوا أن عدد الأحداث الذين ألقي القبض عليهم لارتكابهم جرائم عنف خطيرة ارتفع بنسبة كبيرة جدا بين عامي 1952 و 1972 استنادًا إلى أرقام مكتب المباحث الفيدرالية الأمريكية.
وفي دراسة لواقع قنواتنا العربية قام الباحثون بعمل دراسة تفصيلية بيانية لأحدى أشهر قنوات الاطفال في عالمنا العربي، وهي قناة mbc3 ، حيث جاء هذه الدراسة بدلالات رقمية تحتاج منا للوقوف عليها لمعرفة أثارها على عقول أطفالنا
حيث قالت الدراسة أن نسبة مشاهد العنف المقدمة على شاشة القناة 94 %؛ بينما لو قارنها بنسبة مشاهد العنف في قناة مخصصة لأفلام الحركة سنجد أن نسبة العنف فيها بلغت 79% فقط!! وقد بلغت نسبة مشاهد الرعب 13 %، أما عن نسبة المشاهد العاطفية والإثارة 16 %، وأخيرا نسبة المشاهد الخيالية 94 %.
كما تعرض القناة يوميًا فيلما أجنبيا من أفلام والت ديزني مترجم ، ومن متابعة الباحث لمضمون تلك الأفلام بشكل عام لاحظ التالي: يغلب على طابع تلك الأفلام طابع الحياة الأمريكية، كذلك الاختلاط المتعمد بين البنين والبنات في كل مناحي الحياة والتبرج في لبس الفتيات، ناهيك عن الإباحية في بعض الألفاظ .
أما عن القدوات التي تقدمها أمثال تلك القنوات فسنورد بعض الشخصيات الكارتونية التي تقدمها تلك القنوات ونحاول بيان أثارها المدمرة على سلوكيات
وشخصية أطفالنا:
لم ننته بعد من مشكلة برنامج ( البوكيمون – وهي لعبة ظهرت منذ عام 1996 وبيع منها أكثر من 120 مليون نسخة وهي عبارة عن مجموعة من الكروت بها أوامر وشخصيات قتالية تحتوي على بعض الشعارات الدينية كالصليب والنجمة السداسية وما نحوها- حتى ظهرت لنا " يوجي "، و" يوجي " الشخصية الأساسية للبرنامج هو طفل يكتشف بطاقات ألعاب فرعونية قديمة ولها قدرات سحرية غريبة، وترسخ تلك القدوة في نفوس أطفالنا مبدأ غاية في الخطورة وهو أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للتفاهم، وكذلك تؤكد على أن السحر يستخدم من أجل غايات نبيلة !! فالغاية تبرر الوسيلة، وترسخ في ذهن الطفل نظرية أن الشرق وأهله هم مصدر السحر والسحرة في العالم أجمع، وكذلك تدفع الطفل لترديد كلمة ( الأشرار ) على كل من يخالفه أو غير متوافق معه.
نأتي للقدوة الثانية :
وهي شخصية " سبونج بوب "، وهي عبارة عن إسفنجة مربعة الشكل صفراء اللون، ويسكن "سبونج بوب" في قاع المحيط الهاديء في مدينة تدعى "Bikini Bottom" تحاكي المدن الأمريكية في نمط الحياة، وشخصيه سبونج بوب شخصية ضعيفه الإرادة سريعه البكاء، ولديه ( صديقة !! ) تدعى " ساندي " وهي بعكسه قويه الشخصية تدير له أمور حياته كلها، مما يُرسخ في شخصيه أطفالنا (الصبيان) الضعف والاستكانة ومبدا قوامة المرأة على الرجل !
ومن الاتهامات التي وجهها (مسيحيو أمريكا) لـ"سبونج بوب" أنه يروج للشذوذ الجنسي! وكان هذا حين ظهر في حلقة يدعو فيها لقبولهم والتسامح مع ميولهم. وفي إحدى الحلقات يلبس فيها "سبونج بوب" قبعة نسائية يقول له صديقه السلطعون: "القبعة تجعلك تبدو كفتاة" فيرد "سبونج بوب": "نعم أنا فتاة جميلة".
وكذلك دعوة "سبونج " هذا للماسونية، ففي أحد الحلقات يذهب "شفيق" الحبار إلى مبنى على هيئة "الهرم" - أحد شعارات الماسونية -، ويتبعه "سبونج بوب" و"بسيط"- أحد الشخصيات وصديق لسبونج بوب -، فيدخل "شفيق" ويعرض على المحفل الأعظم – كبير المعبد -، ويخضع لطقوس معينة يتم قبوله بعدها كـماسوني، وفي الحلقة نفسها يلبس رجالات المحفل ملابس عليها (عين حورس التي ترى كل شيء) وهو شعار آخر للماسونية.
ونأتي للطامة الكبرى، قدوة يقتدي بها الكثير من فتياتنا ويتخذونها قدوة ومثل لهم؛ وهي شخصية "هانا مونتانا"، التي تنتشر على كل شيء يخص فتياتنا في العالم العربي، من ملابس وحقائب وحتى الكراسات وما نحوها من أدوات مكتبية نجد عليها صورة المدعوة "هانا مونتانا" .. فمن هي "مونتانا" تلك؟
تبدأ القصة بمسلسل تلفزيوني أمريكي بدء عرضه في 24 مارس 2006 على قناة ديزني، بطلة المسلسل فتاة تُدعى "مايلي ستوارت" وهي فتاة في متوسط سن المراهقة، تعيش حياة مزدوجة! حيث تكون خلال النهار طالبة في المدرسة، وفي الليل تكون مغنية بوب مشهورة باسم "هانا مونتانا"! وتقوم بإخفاء هويتها الحقيقية عن الجماهير، بخلاف أصدقائها المقربين و (العائلة)، وناهيك عن المشاهد التي توضح أدق التفاصيل بالنوادي الليلية بأمريكا وما يحدث فيها، تتورط البطلة في عرض صور عارية لها في أحد المجلات الاباحية !! وتتوالى الأحداث .....
فأي أفلام وشخصيات تلك التي يعيش في أسرها أبناؤنا وبناتنا؟ ولماذا كل هذا العنف والفساد والإنحراف الموجه ناحية عقول أطفالنا؟ ولمصلحة من تخريب وتغريب عقول أبنائنا وبناتنا عن واقعهم المجتمعي؟ ولمصلحة من تنتشر تلك القنوات وهؤلاء المسيطرون عليها , أليس لهم رادع يردعهم عن تلويث عقول أبنائنا ؟!
أعي تماما أن ماكُتب حول هذا الموضوع الكثير والكثير، وأن ما كتبته سيبقى مجرد كلمات قليلة لاصدى لها على أرض الواقع، إذا لم تجد آذان أب أو أم مصغية لما يحاك لأطفالنا من مؤامرات، وأن كل هذا مقصود وليس لمجرد التسلية والترفيه.
وهي كذلك دعوة لكل القائمين على مجال التربية والإعلام العربي ( اتحدوا يرحمنا ويرحمكم الله )، وأخرجوا لنا شخصية إعلامية مناسبة لديننا ومبادئنا وقيمنا تضاهي تلك الشخصيات الغربية التي أسرت ألباب وعقول أبنائنا وبناتنا، وتكون لسان حال واقعنا بما فيه من تقاليد وآداب نرتضيها.