أثر البنية الموسيقيّة لشعر المتنبّيّ في شعر الجواهريّ] أ. م . د . نجم عبد علي
استقى الجواهريّ بعض بنيته الموسيقيّة من مخزونه الثقافيّ المتضمّن روائع شعر المتنبّيّ ، وأنّ هذا المخزون هو الذي كان يستعين به في إكساب بعض مفرداته القدرة على الإيحاء والتنغيم بإشارات متنبّويّة فـ : " إذا نظرنا إلى النصّ (نصّ الجواهريّ) من حيث هو بمفرداته ولغته سنلحظ عاملاً يتميّز به الجواهريّ ، يتمثّل في شحن المؤثّرات بزخم هائل من الإيحاء التراثيّ ، وهذا يستقطب ويسحر المتلقّي " (15) ، ويؤكّد د . شكري عيّاد اهتمام الشاعر برنين القوافي ، فيقول : " لا يزال الجواهريّ يواصل رسالة الشعر العربيّ التي دأب عليها من عهد المتنبّيّ إلى عهد حافظ ، وكان رنين قوافيه يُفلح في إثارة الجماهير أحياناً " (16) ،وليس ذلك غريباُ على شاعر مثل الجواهريّ بوصفه رائد الكلاسيكيّة الجديدة
الموسيقى الخارجيّة
بلغ عدد القصائد التي وافق فيها الجواهريّ معلّمه المتنبّيّ وزناً وقافيةً ورويّاً واشتمالاً على بعض مظاهر البنية الموسيقيّة لاسيّما استعماله ألفاظ قافية المتنبّيّ سبعاً وعشرين قصيدةً ، يتقدّمها الطويل في تسع قصائد هي : (الملك حسين) 1/511 ، و(المُحرِّقة) 2/85 ، و (إلى الباجه جي في محنته) 2/199 ، و (عقابيل داء) 2/217 ، و (الزهاويّ) 2/293 ، و (ربأت بنفسي) 2/307 ، و(الإقطاع) 2/357 ، و(تونس) 3/63 ، و(المستنصريّة) 5/35 . ثمّ الوافر في سبع قصائد هي : (فيصل السعود) 2/125 ، و(عمر الفاخوريّ) 3/173 ، و(أخي إلياس) ، 3/183 ، و (فلسطين) 3/319 ، و (قفص العظام) 4/83 ، و (إلى وفود المشرقين تحيّة) 6/161 ، و (تحيّة ونفثة غاضبة) 6/175 . ثمّ البسيط في ست قصائد هي : (ليت الذي بك) 1/307 ، و (في الأربعين) 1/517 ، و(وادي العرائش) 2/241 ، و (إلى الشباب السوريّ) 2/337 ، و (أبو العلاء المعرّيّ) 3/83 ، و (الخطوب الخلاقة) 5/253 . ثمّ الكامل في خمس قصائد هي : (إلى السعدون) 1/497 ، و (ناغيت لبناناً) ، 3/241 ، و (هاشم الوتريّ) 3/395 ، و (عبد الحميد كرامي) ، 4/39 ، و (جيش العراق) 4/299 .
ولم يكن اختيار الجواهريّ الأوزان المذكورة من ديوان المتنبّيّ محض مصادفة ، فإذا كان المتنبّيّ قد عُرف بعلوّ النغم لما تُمليه عليه المجالس الأدبيّة في حلب والفسطاط وشيراز من مظاهر التحدّي ، ولما أحاط به الشاعر نفسه من مظاهر العظمة والكبرياء ، فإنّ الجواهريّ عُرف بموسيقاه القويّة الرنّانة المنبعثة من أكثر الأوزان إحداثاً للرنين : " فإذا علمنا أنّ معظم هذا الشعر كان يعدّه الجواهريّ ليلقيه في المحافل العامّة أدركنا السبب الذي كان يدعوه إلى هذا الاختيار في الأوزان " (17) ، لاسيّما إنّ أغلب هذه القصائد تصوّر الأحداث السياسيّة أو تعبّر عن مواقف الشاعر من السلطة السياسيّة .
وشملت هذه الدراسة عشر قصائد أخرى اختلف رويّها أو قافيتها أو وزنها مع قصائد المتنبّيّ لكنّها اشتملت على بعض مظاهر البنية الموسيقيّة ، كانت حصّة البحر البسيط منها أربع قصائد هي : (على ذكرى الربيع) 1/297 ، و (يا دجلة الخير) 5/83 ، و (إلى الشباب السوريّ) 2/337 ، و (اللاجئة في العيد) 4/115 ، وحصّة البحر الكامل منها أربع قصائد أيضاُ هي : (ذكرى أبو التمّن) 3/139 ، و (شاغور حمانا) 2/345 ، و (يا بنت رسطاليس) 3/195 ، و (إلى الشعب المصريّ) 4/25 ، وانفرد البحر الطويل بقصيدة واحدة هي : (الأنانيّة) 2/131 ، كما انفرد البحر الخفيف بقصيدة واحدة هي : (أيّها الفارس) 6/35 استأثرت قافية الباء بسبع قصائد من بين القصائد التي اتّفق وزنها وقافيتها ورويّها مع قصائد المتنبّيّ هي : (ليت الذي بك) ، (عقابيل داء) ، (تونس) ، (أبو العلاء المعرّيّ) ، (هاشم الوتريّ) ، (المستنصريّة) ، و (إلى وفود المشرقين تحيّة) . وكانت حصّة الميم خمس قصائد هي : (في الأربعين) ، (إلى الباجه جي في نكبته) ، (الإقطاع) ، (قفص العظام) ، و (الخطوب الخلاقة) . أمّا الدال فكانت حصّتها ثلاث قصائد هي : (وادي العرائش) ، (الزهاويّ) ، و (فلسطين) . وكان نصيب اللام ثلاث قصائد أيضاً هي : (أخي إلياس) ، (ناغيت لبناناً) ، و (تحيّة ونفثة غاضبة) . وكان نصيب النون ثلاث قصائد أيضاً هي : (فيصل السعود) ، (عمر الفاخوريّ) ، و(جيش العراق) . أمّا الراء فكانت حصّتها قصيدتين هما : (المحرّقة) ، و (عبد الحميد كرامي) .ومثل ذلك للعين وهما : (إلى السعدون) ، و (إلى الشباب السوريّ) . أمّا القاف فقد انفردت بقصيدة واحدة هي : (الملك حسين) . ولم تتخلّف الياء عن الانفراد بقصيدة واحدة هي : (ربأت بنفسي) . ولم يأت اختيار الجواهريّ هذه القوافي إلا لعلمه أنّها من القوافي الذُلل الجياد التي استحسنها القدماء وأجاد فيها الشعراء ليسرها وسهولة مخارجها فسمّوها (الذُلل)(18)