الديموقراطية في العالم العربي بين الواقع والخيال
كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الديموقراطية وعن نشرها في العالم العربي والشرق الأوسط وتبجحت الادارة الأمريكية بأنها قادرة على خلق شرق أوسط جديد يكون ديموقراطيا على الطراز الغربي تعم فيه حقوق الانسان ويتحقق الرفاه الاقتصادي وتتوزع الثروات بشكل عادل وتسقط النعرات الطائفية ويلغي نظام الأشراف والعبيد والتميز العرقي والطائفي والقبلي والعشائري… الخ ويختفي الارهاب ويعيش الكل في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات كما يقول إخوتنا المصريين .
حتى أن الادارة الامريكية تمادت في الحلم لدرجة أنها قررت أن تبدأ الديموقراطية من أعتى نظام ديكتاتوري عرفته المنطقة وهو النظام العراقي وإزاحته عسكريا ليكون العراق(حسب نظريتهم) بلدا نموذجيا للديمقراطية تحتذي به كل الدول في الشرق الأوسط على قاعدة أكلمك يا بنتي وأسمعك يا كنتي.وكانت نظرية الدومينو الشهيرة التي صاغها ساسة أمريكا وتقضي بأن سقوط النظام الأشد عداء للديمقراطية سيؤدي إلى انهيار الأنظمة المجاورة كلها الواحد تلو الآخر حتى تنهار الديكتاتورية تماما ويصبح الشرق الأوسط على مزاج مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية.وسقطت تجربة العراق
وتحولت الحريات الموعودة الى جحيم من الارهاب والعنف الطائفي وسيادة المليشيات والتفجيرات والاغتيالات وبدلا من أن تكون حكومة العراق ديموقراطية يديرها رجال أكفاء أصبحت حكومة طائفية تلعب بها أحزاب موالية لأنظمة غير ديموقراطية تحاربها جماعات ممولة من قبل أنظمة ديكتاتورية هي الأخرى وهرب الناس من العراق الديمقراطي الى دول غير ديمقراطية وصاروا يتحسرون على العهد الديكتاتوري رغم كل مصائبه وويلاته وأصبح حالهم كالهارب من المقلاة الى النار.
فلماذا فشلت تجربة العراق الديموقراطي ؟ ولماذا ستفشل أي تجربة مماثلة في العالم العربي . دعونا نراجع معا أبرز الأسباب بهذا الأمر:
1- ديموقراطية الغرب وانظمته قامت بعد أن استنفذ الغرب كل قواه بعد الحرب العالمية الثانية التي أدت الى دمار شامل وساحق أدى الى عدم رغبة الشعوب في خوض هذه التجرية مرة ثانية وبالتالي قرروا أن تكون حكوماتهم حكومات عقلانية وتطورت التجربة حتى يومنا هذا.بينما اكثر انظمتنا قامت بعد انقلابات عسكرية جاءت للحكم باسم الشعب وانقلبت ضده وضد كل الشعارات التي رفعتها في بداية الامر واصبحت هذه الانظمة اسوا بمائة مرة من تلك التي اطاحت بها ,وبالتالي فان المواطن العربي لايحمل ذكريات جيدة من الحركات التغييرية
2- الطبيعة القبلية والعشائرية لمجتمعاتنا حيث أن الولاء الأول هو للعشيرة والقبيلة قبل الوطن وكما ترون فإن جميع الدول العربية تحكمها عشيرة أو قبيلة معينة سواء الملكية أو الجمهورية وبالتالي تكون هذه العشيرة هم السادة والاشراف وبقية الناس عبيد لهم.
ولا يمكن انشاء كيان ديموقراطي لا يحصل فيه المرشحون على أصوات الناخبين لمجرد أنهم لا ينتمون الى قبيلة أو عشيرة معينة.
3- الجهل حيث أن نسبة الجهل عند الرجال تبلغ 40% والنساء 60% في الوطن العربي وطبيعي فإن الانسان الجاهل لا يستطيع تميز الصواب من الخطأ وتكون جميع قراراته إنفعالية وغير عقلانية لعدم تمكنه من متابعة الاحداث وقراءة الصحف وافتقاره الى الثقافة ومن لايصدقني فلينظر الى شعبان عبد الرحيم مطرب السياسة الاول في العالم العربي .
4- الطبيعة العاطفية للانسان العربي والتي تجعله غير قادر على التمييز بين الصالح والطالح فإذا اعتقد أن فلانا بطل فلن تقنعه قوة على وجه الأرض بأنه مجرم وإذا اتخذ موقفا من جماعة أو شخص فمهما جادلوه فلن يقتنع لهم برأي وسيحاربهم في كل حين وزمان دون ان يدري لم يحاربهم .
5- سيطرة المؤسسة الدينية والمؤسسة الدينية هي ليست الدين بل سيطرة رجال الدين على عقول الناس وتسييرهم بالوجهة التي يريدونها عبر تقديس من يرغبون وتكفير من يكرهون وأن لأي رجل دين اليوم تأثيرا أقوى من 10 أحزاب مجتمعة. إن تحقق الديموقراطية يقتضي الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية تجنبا للتأثير الذي يضعه رجال الدين على مجريات الحالة السياسية للبلد وفقا لأحوالهم الشخصية وخلافاتهم الطائفية والمذهبية.
6- الطبيعة المنافقة للغرب : حيث أنها تدعم أنظمة ديكتاتورية بالغة البطش لمجرد أنها تؤمن مصالحها في المنطقة منافية جميع إعتباراتها الاخلاقية وشعاراتها الرنانة وبالتالي فقد المواطن العربي الثقة في شعارات الغرب وأدرك أنها ليست سوى وسيلة لابتزازه أكثر فأكثر.
7- عدم وجود وجوه عربية ديموقراطية مستقلة أثتبتت جدارتها السياسية وبنفس الوقت لم تتكل على الغرب لاحداث التغيرات أي أن الشارع العام لا ينظر إليها على أنها مجموعة عملاء أجانب بل وجوه شعبية ترغب في إصلاح البلد.
كل ما تقدم يثبت لنا أن تجربة الشرق الأوسط الجديد ولدت ميتة وأن العالم العربي سيعيش على الأقل قرنا آخر من الديكتاتورية حتى يأتي جيل جديد ربما يحمل في طياته الوعي اللآزم لتحقيق وبناء مجتمع جديد ديموقراطي ليس فيه مواطنين درجة أولى ولا ينادي فيه أحد الاخر طويل العمر ويستطيع أي طفل بأن يحلم بأن يكون رئيسا للجمهورية أو الوزراء ولا يرفض طلب وظيفة لشخص لمجرد إنه من العشيرة الفلانية ولا يذل المرء في طوابير الفيزا بسبب جواز سفره ولايعتبر مواطنا من الدرجة الثانية بسبب طائفته او دينه .
ونصيحة أخيرة ديكتاتورية في اليد خير من ديموقراطية على الشجرة
محسن صفار