الأسطورة في الشعر الحديث تعبيررمزي عن اتحاد الماضي بالحاضر. هي تصادم زماني يشمل كل المؤثرات والعوالم الإنسانية منذ فجر التاريخ و تعبير عن رواسب قديمة نفسية لتجارب لاشعوريه يشارك فيها الأسلاف في عصور بدائية سحيقة تؤدي إلى طمس المعالم والحدود بين العصور والمجتمعات الإنسانية المختلفة وإلى تجاهل كل التطور الإنساني في صعوده عبر الزمن من الحالات الموحشة البدائية إلى المجتمع المتقدم الراقي الذي نعايشه، هي اتحاد الحاضر بالماضى،يقول خليل حـاوي " أنّ تـوظـيـف الأسـطـورة يـسـتـلـزم رؤيــة ًًنـقـديّـة ً إبـداعـيّـة ً نـافــذة ً؛ تـكـتـنــز وتـغـتـنـي بـالـثـّقـافـات الإنـسـانـيّـة ؛ وتـنـجـح ، بــوعـيـهـا الـمـعــرفـيّ ــ الـجـمـالـيّ ؛ وحـسـاسيّـتهــا الـفـنـيّـة الـذّوقـيّـة ، فـي الـتـّمـيـيـز بـيـن مـا هــو خـارجـيّ آنـيٌّ زائـفٌ زائـلٌ ، مـن هـذه الـثـّقـافـات وأسـاطـيـرهـا ، وما هـو جـوهـريٌّ كـلـيٌّ أصـيـلٌ حـيـويّ ؛ ومن ثـمّ انـتـقـاء الـضـّروريّ الأنمـوذجـيّ ؛ وصهـره في جـسـد الـقصيـدة ؛ وتـفـعـيـلـه ضمــن علاقـاتهـا الـبنيـويّـة الـتـّزامنـيّـة ؛ بمـا يكـفـل إحـيـاءه إبـداعـيّـاً ؛ ويضـمـن ــ تـالـيـاً ــ تحـقـّـق الـشـّروط الـمعـيـاريّـة لتكامل الرؤيا الشعرية في القصيد ة "
ولعل المثقف الحديث المطلع على الآداب العربية و العالمية المعاصرة يدرك مدىما أحتوته الأسطورة للشعر الحديث وأيضاً لأكثر القصص العالمية كما نجد لدى البير كامو في سيزيف والصخرة وسارتر في الندم، ولدى بعض قصص فرانز كافكا وأيضاً توفيق الحكيم في أهل الكهف التي يعالج فيها قضية فلسفية وهي قضية الزمن، وكذلك في قصته الرمزية " ياطالع الشجرة"
كما أن الأطياف الميتا يفيزقية لعبت بعض الأدوار في بعض الأعمال الشعرية في الشعر العربي المعاصر كما نرى في بعض قصائد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وخليل حاوي وفدوى طوقان وعبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور وكذلك في كثير من الأعمال الشعرية لعباقرة الشعر الغربي أمثال ت.س. إليوت في أربعاء الرماد ، والأرض الخراب وكذلك رامبو وبول فاليري وبودلير ومللرمه.
يقول بدرشاكر السياب في قصيدته الرائعة " رحل النهار "
رحل النهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق توهّج دون نار
و جلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار
و البحر يصرخ من ورائك بالعواصف و الرعود
هو لن يعود
أو ما علمت بأنه أسرته آلهة البحار
في قلعة سوداء في جزر من الدم و المحار
هو لن يعود
رحل النهار
فلترحلي هو لن يعود
و رسائل الحب الكثار
مبتلة بالماء منطمس بها ألق الوعود
و جلست تنتظرين هائمة الخواطر في دوار
سيعود لا غرق السفين من المحيط إلى القرار
سيعود لا حجزته صارخة العواصف في إسار
يا سندباد أما تعود ؟
وبا لمقارنة إلى القصيدة التقليدية نرى أن معظمها خالية من كثير من هذه الروافد الثقافية الحديثة كما أنها عملية معادلة بدائية رياضية لغوية كثيراٌ ما تتلاشى أطيافها عند القراءة الأولى. أما القصيدة الحديثة فهي تلك التي تترك صورها وإيقاعاتها لتكمل أصداءً وأطيافاً ذات أبعاد رمزية أ سطورية وأطياف ميتافيزيقية حسب قدرة القارئ على التعاطف المرنان معها إنها تلك التي تتسرب تدريجياً إلى أعماق الذات ومكوثها فيها أخلد من مكوث القصيدة التقليدية ذات المعادلات المنطقية اللغوية المتلاشية الاطياف. وكلامنا هذا عن بنية القصيدة الحد يثه لا عن الافكار والمعتقدات ذات الطابع الفلسفي أوالعقائدي.
منقول