خصائص شعر التفعيلة
وتطور بناء القصيدة العربية الحديثة
أولاً ـ المصطلح والولادة :
ـ يطلق مصطلح الشعر المعاصر على الشعر العربي الحديث الذي أخذ يطغى وينتشر منذ حوالي عام 1950م , ويتصف بعدة صفات منها ( خروجه على الأوزان الشعرية المعهودة ) .
ـ وقد بدأ شعرنا يتغير منذ بدايات القرن العشرين , عندما بدأ يتحوّل من الشعر الغنائي إلى الشعر الدرامي , فعرف القصة الشعرية والمسرحية الشعرية على يد خليل مطران وأحمد شوقي والأخطل الصغير , وكان الخروج على الوزن فيها يعد نتيجة طبيعية للمؤثرات الاجتماعية والثقافية من جهة ولتطور القصيدة العربية من جهة أخرى .
ـ يمكن أن نطلق على الشعر الجديد اليوم اسم ( شعر التفعيلة) لأن ركيزته الأساسية هي التفعيلة , وهو تمييز شكلي صِرْف .
ممهدات شعر التفعيلة وولادته : ( 2005 ) : يرتبط شعر التفعيلة بحركات التجديد المتلاحقة في شعرنا العربي منذ القديم , وضح ذلك .
ـ شعر التفعيلة موصول بحركات التجديد منذ القدم , أو منذ العصر العباسي . فقد احتج أبو العتاهية على العروض التقليدي . حيث قال : ( أنا أكبر من العروض ) .
ـ الشعر الذي نُظم بقصد الغناء . المتّسم باللين في القوافي , وبالسهولة في الإيقاع , واللفظ المألوف , والتراكيب الرشيقة .
ـ الموشحات الأندلسية : حيث خرجت على نظام الشطرين .
ـ شعراء الوطن المهجر : فقد خرجوا على نظام الشطرين ونظام القافية , وثم نظموا الثنائيات والرباعيات والمخمسات .
ـ الخروج على نظام التفعيلة والعروض في أوائل القرن العشرين كما في قصيدة النهاية لنسيب عريضة , ومنها : كفنوه ! هوَّة اللحد العميق
وادفنوه ! واذهبوا , لا تندبوه
أسكِنوه ! فهو شعبٌ ميتٌ ليس يفيق
ـ المزج بين الأوزان في القصيدة الواحدة , أو التلاعب بأوتار النغمات في القصيدة الواحدة , كما في قصيدة ( المواكب ) التي نظمها جبران عام 1919 .
ـ ولادة قصيدة التفعيلة : في قصيدة ( الشراع ) للشاعر خليل شيبوب عام 1932 , وقصيدة : ( هل كان حباً ) للسياب , وقصيدة ( الكوليرا ) لنازك الملائكة.
جاءت الولادة نتيجة طبيعية لجهود الشعراء المبذولة أو للتقدم الفكري والاجتماعي , أو للتأثر بتيارات الشعر الغربي .
ثانياً ـ خصائص شعر التفعيلة :
1ـ يساعد في عدم الوقوع في الحشو , ويمنح الشاعر حرية واسعة ومرونة لا يمنحها نظام الشطرين .
2ـ تنوع القوافي الذي يؤدي للتحرر من سلطانها , وتنوع الأنغام بما يقرِّب النص الشعري من السمفونية.
3ـ الابتعاد عن النمطية في نظام الشطرين , خاصة إذا تشابهت القصائد في الموضوع والوزن والروي.
4ـ الابتعاد عن التقرير والخطابية والاقتراب من البوح الرقيق والهمس الصافي .
ورغم ذلك فقد نجد الخطابية في شعر التفعيلة , وقد نجد الهمس الرقيق في شعر الشطرين كما في قول القروي :
إلى أخوة كـفراخ القـطـا وأمٍّ على أمرهم قائـمةْ
إذا عبـس الدهر في وجهها تظـلُّ لهم أبـداً باسمةْ
فيا ربِّ رفقاً بتـلـك الفراخ وأبق ِ لهم أمَّهم سـالمةْ
5ـ يساعد في جعل الحوار رشيقاً وتقريب القصيدة من العمل الدرامي ويمنحها حركة النثر ومرونته , كما جاء في قصيدة ( أوراق أبي نواس ) للشاعر أمل دنقل :
نائماً كنتُ جانبَهُ , وسمعتُ الحرس
يوقظون أبي
ـ خارجيٌّ
ـ أنا . . .
ـ مارقٌ
ـ من ؟ أنا !
ـ صرخ الطفلُ في صدر أمّي . . .
6ـ شعر التفعيلة يساعد في استخدام الصورة الشعرية استخداماً عضوياً , وهذا يتطلب مرونة في الشكل , كما يستخدم الأسطورة والرمز الموحي الناتج عن رؤية جديدة , وفيه الإيحاءات الكثيرة كما نرى في ( أنشودة المطر ) للسياب , حيث يقول :
مطر. . . مطر. . .
مطر. . . مطر. . .
مطر. . . مطر. . .
وفي العراق جوعٍْ ومنذ أن كنَّا صغاراً , كانتِ السماءْ
وينثر الغلالَ فيه موسمُ الحصادْ تُغيّم في الشتاءْ
لتشبعَ الغربانُ والجرادْ ويهطل المطرْ
وتَطحنُ الشّوَّان والحجرْ
رحًى تدور في الحقولِ . . . حَوْلها بشرْ
- والرموز هنا شفّافة موحية , فالغربان والجراد هم ( المستغلون ) .
- والمفارقات بين الخير العميم والجوع الدائم ( رمز المعاناة الكبيرة القاسية لوطن كبير) .
- فالسماء تجود على الأرض , والإنسان دائم الجوع , وهناك معادلة بين الخير والجوع .
- هذه المعادلة فقدت من أحد طرفيها سبباً مباشراً والشاعر يبحث عن هذا السبب .
7ـ شعر التفعيلة يساعد في تحقيق وحدة القصيدة والتخلص من وحدة البيت , فالقافية تقف عائقاً دون تواصل الحركة ونموها نمواً عضوياً.
بناء القصيدة المعاصرة
ـ القصيدة المعاصرة بناء متكامل تتآلف أجزاؤها في وحدة عضوية .
ـ ووحدة القصيدة تعني : أن تكون القصيدة في نموها واكتمالها على صورة الكائن الحي الذي يتكون من أجزاء مختلفة , تقوم بوظائف متباينة .
ـ ويجب ألا تتعارض الآثار التي تخلفها القصيدة في المتلقي .
ـ وهي تفترض التنوّع والتكامل والتركيب , لا التناقض والتكرار والتفكك .
ـ ولكن الوحدة العضوية غير متوافرة في القصائد المعاصرة , حسب نمط بناء القصيدة .
ـ نمطا بناء القصيدة المعاصرة :
1ـ هناك نمط من البناء يقوم على التكرار والتراكم , وهو بعيد عن التلاحم العضوي الوظيفي , وهو بناء منفتح يمكننا أن نحذف منه بعض المقاطع أو نضيف إليه بعض المقاطع دون أن يتأثر البناء .
2ـ هناك نموذج ينطوي فيه المضمون في الشكل , والشكل في المضمون . وهذا ما يسمى ( بالشكل العضوي ) .
ـ والقصيدة هنا تقول كل شيء دفعة واحدة , فتتحدث عن الحب والموت والسياسة والثورة , وهذا ما يسمى ( الكلية ) , وهي أعظم مظاهر الحداثة في الشعر المعاصر .
س دورة ( 1999 ) : وضح معنى مصطلح ( وحدة القصيدة ) وما نمطا بناء القصيدة المعاصرة ؟
ـ ويمكن اتخاذ ( أنشودة المطر ) للسيّاب نموذجاً للوحدة الكلية :
فالشاعر يبدأ بمخاطبة المحبوبة , أو الأم الراحلة , أو الإلهة عشتار , فيقول :
عيناك غابتا نخيل ساعة السَّحَرْ
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ
عيناك حين تبْسِمان تورقُ الكرومْ
وترقص الأضواء . . . كالأقمار في نَهَرْ
ففي الموجة الأولى نجد ثنائيات ( الجوع – الخصب) / ( الجفاف – المطر) .
وينتقل إلى الموجة الثانية فيتحدث عن الولادة بعد الموت . ثم ينتقل من الخاص إلى العام فيتحدث عن الأوضاع الاجتماعية موحياً إلى أن المطر الحقيقي وحده لا يغير الأوضاع , فتأتي بعد ذلك صورة المطر الرامز إلى الثورة الشاملة في قوله :
في كلِّ قطرة من المطرْ مطرْ . . .
حمراءُ أو صفراءُ من أجنَّة الزَّهرْ مطر . . .
وكلُّ دمعةٍ من الجياعِ والعراةْ مطر . . .
وكل قطرة تُراق من دمِ العبيدْ سيُعْشِبُ العراق بالمطر .
فهي ابتسامٌ في انتظارِ مَبْسَمٍ جديدْ
أو حَلْمَةٌ توردت على فم الوليدْ
في عالمِ الغدِ الفتي , واهبِ الحياةْ !
هذه الصور تأتلف في وحدة كلية منسجمة , فقد أيقظ المطر في نفس الشاعر الحزن والحب والذكريات , ولكن هذه المشاعر الذاتية لا تنفصل عن المشاعر الجماعية , ولذلك أفضى المطر الحقيقي إلى المطر الرامز الذي يطهر العراق من الظلم .
وهذه الصلات بين صور المطر الحقيقية والرامزة تدل على عالم الشاعر الذي لا تنفصل فيه الذات عن الجماعة .
ومثل هذه القصيدة سياسية اجتماعية معاً , ووحدتها كلية , وشكلها عضوي وظيفي .