مملكة قطنا الأثرية (المشرفة حاليًا) بالقرب من مدينة حمص.قطنا (المشرفة حاليًا) بالقرب من مدينة حمص في سوريا، هي موقع لمملكة تعود إلى عصر البرونز 2700 ق.م. حظيت مملكة قطنا لمدة ثلاثة قرونٍ ونصفٍ من تاريخها بأهميَّة ومكانةٍ كبيرتين، وازدهرت بفضل موقعها الذي كان يتوسَّط الطرق التجارية في الشرق الأدنى القديم، إلا أن جيوش الإمبراطورية الحيثية بقيادة سابيليوليوما الأول اجتاحتها ودمَّرتها في سنة 1340. وقد أعيد استيطانها بحلول القرن التاسع قبل الميلاد، لكن لم تلبث أن دُمِّرت مرة أخرى على يد سرجون الثاني حاكم الإمبراطورية الآشورية. هُجِرت المدينة بعد ذلك حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما شيدت فيها أخيراً القرية الحديثة، لكنَّ الحكومة قرَّرت في مطلع ثمانينيات القرن العشرين تهجير السكان البالغ عددهم 12,000 إلى بلدة مشرفة الجديدة حفاظاً على الآثار التاريخية بالمدينة.
بقايا قصر أثري صغير في مدينة قطناالأثرية.
الموقع
تقع قطنا (حالياً قرية المشرفة) في الشمال الشرقي من مدينة حمص وتبعد عنها حوالي 18 كم، كذلك تبعد 35 كم إلى الجنوب الغربي من مدينة السلمية. وتتمتع المدينة بموقع جغرافي هام، وشكلت منطقة عبور أساسية في قلب سورية وعلى طرف باديتها، تعبرها القوافل التجارية المتجهة من الشرق إلى الغرب (بلاد الرافدين- ساحل البحر المتوسط) ومن الشمال إلى الجنوب (حلب- حازور في فلسطين) .
لوح مسماري من القرن الخامس عشر قبل الميلاد معروض الآن في متحف اللوفر.
الإكتشاف
تعود قصة اكتشاف قطنا إلى عام 1924م زمن الانتداب الفرنسي، عندما بدأ الفرنسي الكونت دوبويسون R. DU BUISSON أعمال التنقيب الأولى ضمن التل الأثري، كذلك قام بالعديد من المسوحات الأثرية، وفي تلك الفترة تم الكشف عن القصر الملكي والعديد من اللقى والبقايا الأثرية وكان من بينها ألواح كتابية ذكرت اسم المدينة قطنا. واستمرت بعد ذلك أعمال التنقيب حتى عام 1929م، غادر بعدها دوبويسون معتقداً أنه قام باكتشاف القصر الملكي بالكامل، ليتم بعدها سكن الموقع من قبل أهالي المنطقة وتحتل مساكن القرية مساحة الموقع بالكامل تقريباً.
وإلى جانب أعماله في قطنا قام دوبويسون بالكثير من الأعمال ووصل إلى ضفاف الفرات لا سيما في موقع دورا أوروبوس وفي منطقة الباغوز، ولم يكتف بذلك بل عاد إلى سورية عام 1965م وقام بأعمال تنقيب في ساحة معبد بل في تدمر .
يبقى الوضع في قطنا على ما هو عليه حتى عام 1982م عندما تم نقل القرية من داخل الموقع إلى منطقة مجاورة، ليتم بعدها إعادة أحياء أعمال التنقيب عام 1994م[4] من قبل الظلم والطغيانة سورية من المديرية العامة للآثار والمتاحف بقيادة الدكتور ميشيل المقدسي، وقامت بإجراء العديد من الأعمال في قطاعات مختلفة من المدينة .
وتابعت الالظلم والطغيانة السورية أعمالها حتى عام 1999م حيث انضم إليها فريق ألماني وآخر إيطالي ومنذ ذلك الوقت حتى الوقت الحاضر تعمل في الموقع ثلاث الظلم والطغيانات أثرية بهدف الكشف عن أسرار مملكة قطنا .
الحفريات شمال غرب قصر الملوك.
التاريخ
شكلت قطنا كما ذكرنا أعلاه نقطة تقاطع للطرق التجارية ومقراً ملكياً. ولقد أشير إلى الأهمية السياسية لقطنا من خلال النصوص بدءاً من مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، أما فيما يخص أقدم البقايا في المدينة، فقد أدت الأعمال الأثرية في الموقع (منطقة الأكروبول) إلى الكشف عن بعض البقايا المؤرخة على نهاية الألف الرابع قبل الميلاد إلا أنها لم تسمح بتكوين فكرة كاملة عن طبيعية الاستيطان في تلك الفترة[6].
الحفريات شمال غرب قصر الملوك.
ويبدأ الاستيطان الحقيقي في الموقع من منتصف الألف الثالث قبل الميلاد (عصر البرونز القديم)، حيث يتم تأسيس المدينة في مركز الهضبة لتأخذ شكلاً دائرياً بحيث تشابه المدن المجاورة لها، والتي كانت معروفة في تلك الفترة مثل الروضة والشعيرات[7]. هذه المدينة كانت تنتشر على مساحة تتراوح بين 20 و25 هكتاراً، ثم شهدت المدينة فيما بعد تطوراً على شكل مخططها مع الازدهار الحقيقي الذي عرفته المدينة خلال عصر البرونز الوسيط (2000-1600 ق.م)، حيث تم إعادة تأسيس المدينة وفق مخطط منتظم وتغير شكلها من المخطط الدائري إلى المربع وأصبحت مساحتها تزيد عن 100 هكتار. وخلال عصر البرونز الحديث بقي الوضع كما كان عليه ومن بقايا هذه الفترة القصر الملكي في شمال المدينة العليا وعدة أحياء سكنية في المدينة السفلى.
اودهرت المدينة بشكل كبيرٍ خلال منتصف الألف الثاني، حيث ساعدها وقوعها على ملتقى الطرق التجارية القديمة بين مصر والعراق والأناضول، لكنها تعرَّضت للغزوات والهجمات الحيثية في منتصف القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حتى أصبح بقاءها مهدداً. وفي عام 1340 قاد الإمبراطور الحيثي سابيليوليوما الأول حملة ضخمةً على المدينة. وأرسل الملوك المجاورون لحاكم قطنا آنذاك إيداندا يعدونه بالمدد ويوصونه بتحصين المدينة، فأمر الملك بتدعيم الأسوار التي يبلغ طولها 4 كيلومترات، وطلب من الحدَّادين صناعة 18,600 سيف استعداداً للمعركة. إلا أن النصر كان من نصيب الحيثين، فتمكَّنوا من اقتحام المدينة وإضرام النيران في قصر الملك، والغالب أنه قبض على إيداندا وحاشيته وأعدموا على أيدي الغزاة.[8]
أما في الألف الأول قبل الميلاد فلا توجد معلومات كافية عن المدينة في تلك الفترة، ولكن البقايا الأثرية تشير إلى وجود إعادة استيطان بدءاً من القرن التاسع قبل الميلاد، حتى تم تدمير المدينة عام 720 ق.م من قبل الحملات العسكرية التي شنها الملك سرجون الثاني الذي أخضع المنطقة نهائياً للحكم الآشوري. وخلال العصور الكلاسيكية يبدو أن المدينة كانت خالية من السكان ولم يتم العثور على بقايا كافية داخل أسوار المدينة تنتمي لهذا العصر[9].
تمثال لأحد الآلهة القطنية القديمة، يعود إلى العصر البرونزي الوسيط.
من اثار مملكة قطنا
القصر الملكي بقطنا بعد أعمال الترميم
لقى فخارية وزجاجية في مملكة قطن
من اللقى الأثرية والفنية المكتشفة في قطنا
دمية تمثل فرس النهر برسومات على أطرافها
حلي ذهبية ودبابيس برونزية من مكتشفات قطنا
البئر في القصر الملكي بقطنا
حلي ذهبية من المكتشفات الأثرية في قطنا
جانب من القصر الملكي في قطنا
رقاقة ذهبية عليها رسم لشجرة نخيل
أنهت الالظلم والطغيانة الأثارية (السورية-الألمانية-الإيطالية) المشتركة وكانت الالظلم والطغيانة قد عثرت هذا العام أثناء التنقيب في المدفن الثاني من القصر الملكي على أكثر من 50 قطعة أثرية، أهمها اسوارة ذهبية مرصعة بحجر له شكل ختم دائري مصنوع من اللازورد، ومشبكان من الذهب وعدد من المشابك الأخرى المصنوعة من البرونز، ورقاقة ذهبية رسم عليها شجر نخيل، إضافةً إلى جرة صغيرة مصنوعة من شفاف كريستالي، وتمثال فرس النهر جسمه من الحجر ورأسه بألوان مختلفة وهو تمثال فرعوني الأصل ويعتقد أنّه وصل إلى المكان من خلال الهدايا التي كان يتم تبادلها بين الممالك.