الشاعر محمد رضا صافي والعروبة وفلسطين.
فلسطين :
كتب الشاعر قصيدة عام 1936م ، بعد عودة الوفد السوري المفاوض في فرنسا ، ذكر خلالها فلسطين التي تنتظر نخوة المعتصم فقال :
وسالت بالأباة ، وكل نفس تخال لبأسها البحر العبابا
تطوف بكعبة الآمال جذلى مـــلبية وتـــــستلم الركابا
وتوشك أن تهلل للأماني فتذكر في فلسطين المصابا
لعينك أخت ! لن تشقى وهذا عرين العرب يضطرب اضطرابا
فداؤك كل – معتصم – غضوب سيهتك عن عمورية الحجابا
ثم يتحدث عن آمال المستقبل فالأمة تسعى لبناء صرح المجد والعزة للأمة العربية التي يريد لها العدو الفناء والدمار ولكنها :
سيجمع شملها رغم المعادي ورغم عقوق من ضلّ الصوابا
ومن هو هذا العاق الذي ضلّ صوابه غير الفئة اللبنانية الحاقدة التي أطلقت النار على فريق الكشاف المسلم في شوارع بيروت فسقط الشهداء ، وتضرج الجرحى بالدماء وذلك عام 1936م ، وبهذه المناسبة يقول الشاعر :
ألبنان الشقيق ! عداك ضـــــيم وإن شــــهر الغبي علي نابا
دعوت على البغاة بمهد عيسى وسقت لبعض أهليك العتابا
رويد بني العمومة ، أي ثأر وأي دم ٍ بباغيهم أهــــابا ؟
أحملان وصوت الظلم داو ٍ فإن أنف الأبيّ غدوا ذئابا ؟؟
وما أسف العروبة للضحايا فقد ملأت ضـــحايانا الشعابا
ولكن الدم المسفوح بغياً سيبقى ســــبّة لهم ُ وعــابا
تعالى الله ، يا قابيل هلاّ الظلم والطغيانت لمن تقمّصك الغرابا !!
ثم يتوجه إلى شباب لبنان يحذرهم من كيد تلك الفئة الباغية ، ويدعوهم ليكونوا طليعة بناة مجد الأمة ، ويهيب بالرئيس رياض الصلح لكي يسعى لهدايتهم ورعايتهم ...
وكتب بمناسبة عيد الجلاء عام 1946م قصيدة ، جاء فيها :
منىً ! ولكم بات الحمى يرقب المنى إلى أن بدت أنوارها تغمر الدنى
وأشرف من خلف العصور إباؤنا عـــــلينا ، فألفانا على عهده بنا
كيوم لطمنا عند ذي قار جبـهة الصــــــــغار وأبنا نلثم البيض والقنا
هناك رأت دنيا الفخار انتصافنا وهاهي في جيرون تشهد ثأرنا
إلى أن يعرج إلى فلسطين الجريحة ، ويرجو لها الجلاء كما حدث لأختها دمشق :
فلسطين ! لا نمنا وطرفك ساهر ولا طاب يا أختاه دونك عيشنا
وأنك عنق العرب ، كيف حياتنا إذا ظلّت الأغلال ترهق عنقنا ؟
وقارك مهما أجلبوا وتناصروا فليس بمغن عنهمُ مكرهم بنا
قال الشاعر هذه الأبيات وقد كانت المؤامرة في تقسيم فلسطين قد ذر قرنها ...
فلسطين على النطع ..ونحن نختلف :
وبعد جلاء فرنسا عن سورية ، فاحت رائحة تقسيم فلسطين تزكم الأنوف ، ففي شهر آب 1946م ، أي بعد أربعة أشهر من الجلاء ، تقيم حمص حفلة لإحياء ذكرى وقعة ( بدر ) في العام الهجري 1365 هـ ، ينشد فيها قصيدة يقول في استهلالها :
جرّد السيف ، وخلّ القلما أعذر الحق ، فهلا حزما ؟
واحتمال الظلم عجز ، بعدما أذن الله لمــــن قد ظلما
ويخلص من الاستهلال إلى خطاب العرب ، فيذكرهم بمصير الأندلس فضياع فلسطين ، سوف يعيد مأساة المسلمين في فقد الفردوس مرة أخرى ، فيقول :
أيها العرب ! وما في الأمر من لُبسة فالذل أو بذل الدمـــا
كشر الغادر عن أنيـــــــابه فاضربوا الأنياب حتى تهتما
ما فلسطين سوى مفتتح للمآسي ، فاحذروا المختتما
يوم تغدون ولا أرض لكم وتهــــــيمون ولا معتصما
وتساقون إلى الذل كما سيق في أندلس مـــن سلما
جرح غرناطة لمّا يندمل فاتقوا في القدس جرحاً أعظما
ثم يخاطب الشباب العرب ، فيقول :
يا شباب العرب ! في كلّ ند ٍ هـــل دم يحفزنا أم لا دما ؟
ذي فلسطين على النطع ، فمن يعذر الجيل إذا ما أحجما ؟
دفعت ( حطين ) بالأمس الأذى ما عليها اليوم أن تضطر ما ؟
الجدود الصيد كانوا أسدها أين منا من إلى الصيد انتمى ؟
قل لمن لّوح بالضعف ومن ينفث السمّ ويسقي العلقما :
يا ضعيف النفس إنا أمــــة شرعها يأنف أن تستسلما
إننا الأعلون ، سل بدر العلا يوم جاشت ، من مع العرب رمى ؟
يا شباب العرب لن ينجـــــــــــينا نهم يدفع عنا نهما
كل ناب تحته السمّ ، فلا يخدعنكم أن يسمى بلسما
ويتوجه إلى قادة العرب ، ويصرخ فيهم قائلاً :
قل لمن ينفذ فينا أمرهم : نحن ، يوم الروع ، ما شاء الحمى
مهد عيسى وبراق المصطفى لن يكــــــونا لدخيل مغنما
وفلسطين لنا ، لن تستبى تحت عين العرب أو تقتسما
كل شبرٍ دونه سيل دم ٍ كيف لا تفدى الدماء الحرما ؟
( إنما الحرّ إذا سيم الأذى ) قال ( لا ) واستل سيفاً خذما
ما على السيف إذا لم ينتصر أن يلاقي الله مخضوباً دما ؟
ولكن المؤامرة كانت أعظم من وعي المسلمين في تلك المرحلة ، فوقعت الواقعة ونزلت الفاجعة ، وقسمت فلسطين ، وتوسط قادة العرب وملوكهم إلى أهل فلسطين أن يغادروا أرضهم ، وأنهم سوف يلجؤون إلى الأمم المتحدة ، ويعيدوهم ، فلما أصبحوا خارج فلسطين ذهبت وعودهم أدراج الرياح ..
سلاماً فلسطين ، أرض الحرم سلام الهدى والعلا والشمم
سلاماً فلسطين ، مسرى الرسول ومهد المسيح ومرعى الذمم
سلاماً فلسطين ، لا تجزعي لمــــا دبرته وحوش الأمم
أبى الله بالأمس ذلّ البــــراق ويأبى له اليوم أن يهتضم