مستوى المنظور التعليمي
عادة ما يرد اسم ابن خلدون مرتبطا بعلم الاجتماع أكثر من ارتباطه بعلم التربية (البيداغوجيا) أو بعلم التدريس (الديداكتيك). ولقد شاع الاعتقاد لدى الكثيرين من العرب بأن ابن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع، ورغم عدم صحة مثل هذا الادعاء من الناحية الابستمولوجية[34]. ومن جهتنا لسنا نمهد للادعاء بأن ابن خلدون هو مؤسس علم التربية أو علم التدريس بل نريد الكشف عن نقاط الالتقاء بين الأفكار الخلدونية ومعطيات وأسس التعليم الحديث.
من العسير جدا القول بأن الأفكار التعليمية الخلدونية ترقى إلى درجة النظرية التعليمية. والسبب أن النظرية تستلزم جملة من الشروط التي بدونها لا يمكن أن تسمى نظرية. من بين هذه الشروط:
المسلمات.
الاتساق الداخلي.
الانسجام بين المفاهيم المحورية.
القابلية للاختبار.
التعبير عن جملة من الحقائق التجريبية.
القدرة على تفسير الوقائع الماضية والحالية وحتى المستقبلية(في بعض الحدود).
وتبعا لهذا فالنظرية، بهذا المعنى، لا وجود لها حتى في علم التدريس الحديث. لذلك يفضل الدارسون استخدام نماذج تعليمية.
صحيح أن ابن خلدون يسلم بأن الفكر الإنساني يتوق إلى المعرفة، وأن المفاهيم التي طرحها تتمتع بقدر كبير من الاتساق الداخلي والانسجام فيما بينها، وأن هذه الأفكار التي طرحها قابلة للتجريب وتعبر عن حقائق عصره. ولكنها لا تتسم بالعمومية والشمول الكافيين، ولا تصلح لتفسير الوقائع التعليمية العربية الإسلامية ككل.
لهذه الاعتبارات لا يمكن الحديث عن نظرية تعليمية خلدونية، وما يمكن الحديث عنه هو منظور تعليمي عند ابن خلدون. يمكن أن نطلق عليه اسم"منظور التعليم المفيد". والسبب هو كون ابن خلدون أورد الحديث عن التعليم في سياق رؤية شمولية للطبيعة والإنسان والتاريخ والمؤسسات الاجتماعية. بعبارة أوضح، التعليم ليس سوى عنصر ضمن نسق كلي هو في ذاته تصور للعالم Une conception du monde أو ما جرت العادة على تسميته في العلوم الاجتماعية بـ Weltanschauung. ولكن ألا يرقى هذا المنظور إلى مستوى مناظرة نموذج تعليمي مثل نموذج التدريس بالأهداف السلوكي؟
المقارنة بين المنظور التعليمي الخلدوني ونموذج التدريس بالأهداف السلوكي شيقة جدا وتكشف عن تشابه قوي في المفاهيم:
المفاهيم الخلدونية
المفاهيم السلوكية
الملكة
الهدف
المذهب
المحتوى
الكتاب
الوسيلة
الاصطلاح
الطريقة Le procédé
التفنن
التقويم
التكرار
الدعم