اطلال ملونة -الجزء الثاني
بقلم انوار صفار
عادت بها الذاكرة الى (20 ) عاما انقضت من عمرها الفتي , عندما كانت طفلة في السابعة من العمر لم تعرف من الدنيا سوى جدتها ( ام ابيها ) التي تكفلت برعايتها بعد ان فقدت والديها في حادث سيارة عندما كانت في الثالثة من العمر , كان بيت جيران جدتها هو المكان الوحيد الذي قضت فيه اجمل ايام طفولتها مع ابنهم ( احمد ) الذي يكبرها بثلاث سنوات حيث حلوا محل اهلها لما كانوا يغدقون عليها من حب و اهتمام و رعاية , وعائلة احمد لم ترزق بطفل اخر بعد احمد , ( ام احمد ) كانت تتمنى ان تكون لها طفلة كأي أم من جهة , و من جهة اخرى كانت مريم فتاة مميزة جدا, لذا , فقد احبوها و تعلقوا بها مثل ابنهم الوحيد احمد , وفروا لها كل ما تطلب من ملابس و مأكولات و العاب , و حين كانوا يسألونها ملاطفين :
- ما ذا تردين ان تصبحي حين تكبرين يا مريم ؟
كانت تقول بجرأة متناغمة مع براءة الطفولة :
- رسامة
لم تحلم ان تكون غير هذا حتى انهم اصبحوا يأملون لها مستقبلا رائعا في الرسم , في احد الايام دخل ابو احمد البيت فرحا وقال باعلى صوته :
- اين الجميلة الرسامة ؟
اجابته ام احمد :
- خيرا ان شاء الله ! تبدو مسرورا ! ما الامر ؟
قال لها :
- اتفقت مع معلمة رسم لمريم سوف تاتي كل يوم كي تعطيها دروس في الرسم كان عمر مريم حينها اربع سنوات فقط , سألت ام احمد :
- ترى اليست صغيرة على هذا ؟
قال :
- لا . انها ذكية جدا و سوف ترين
منذ ذلك اليوم اصبحت مريم تأخذ دروس في الرسم و كانت تتعلم بسرعة فائقة , كان احمد يجلب لها الاصباغ و مستلزمات الرسم , و حين كان يسألها :
- ما هي امنيتك يا مريم ؟
- سوف اصبح رسامة و ارسم نفسي
و كانت ام احمد تقول لها :
- حقا حبيبتى ؟ اذن سوف تصبح اجمل لوحة فى العالم لانك اجمل فتاة رايتها ,, جمالك لا مثيل له , انت تشبهين الملائكة ..
عاشت مريم السنوات الاربع مع جدتها و جيرانهم اجمل سنوات حياتها و خلال ثلاث سنوات اصبحت ترسم بشكل رائع جدا , و بعد التحاقها بالمدرسة كانت مميزة في الرسم حتى ان معلمتها كانت تستغرب هذه الموهبة . لكن , بدا و كأن الايام لم تشأ ان تستمر فرحتها و تبقيها على ما هي عليه حيث عاد والد احمد من عمله في احد الايام و هو حزين جدا , و رغم العرض السخي الذي جاءه من الشركة التي يعمل فيها مهندسا الا انه كان يشعر بالمرارة , سألته زوجته بصوت قلق :
- خيرا ان شاء الله ..
رد عليها بألم :
- يجب ان نسافر خارج البلد لاستلم مهام عملي الجديد , علي ان استلم عملي هناك خلال شهر من الآن
همست ام احمد بفزع قائلة :
- رباه ,, و مريم ؟
كذالك قال احمد بانفعال شديد :
- لا , لا , انا لن اترك مريم , و انطلق الى غرفته باكيا
كان ذلك اليوم من اسوء ايامهم , عائلة احمد كانت حزينة , اخيرا , وبعد ان واجه والد احمد ما كان يتوقعه اقترح على زوجته ان يتبنون مريم , لم تصدق ام احمد ما تسمعه , فرحت كثيرا و كذلك احمد , لم تعلم متى يحين الصباح كي تذهب جدة مريم لتخبرها بقرارهم .
في الصباح الباكر ذهبت ام احمد الى بيت الجدة و طرقت الباب , فتحت الجدة الباب و استقبلتها متسائلة عن سبب مجيئها في هذا الوقت المبكر , تعلمثت ام احمد في حديثها ثم تمالكت اعصابها و طرحت الامر على الجدة , لكن موقف الجدة كان عدوانيا تجاه ام احمد , غضبت بشكل غير متوقع و راحت تصرخ :
- اي نعم , الان عرفت نواياكم , ظهرتم على حقيقتكم , تريدون الاستيلاء على ارث مريم
كانت الجدة تدفع ام احمد نحو الباب ثم طردتها و هي تصرخ بوجهها و اغلقت الباب خلفها بعنف , الجدة منعت مريم من الخروج الى الشارع او الذهاب الى المدرسة ظنا منها انهم سيختطفونها , احمد و امه حاولا المستحيل لرؤيتها دون جدوى , مريم كانت تبكي و تستعطف جدتها كي تسمح لها بزيارتهم , لكن الجدة اصرت على موقفها و لم تسمح لها بمغادرة البيت ابدا .
تزايدت مخاوف الجدة على حفيدتها منهم , اتصلت بأحد اقاربها وطلبت منه الحضور الى بيتها , بعد حضور ذلك القريب الى بيت الجدة , استقبلته بحفاوة ثم شرحت له قضية مريم و الطلب الغريب الذي تقدم به جيرانها لتبني مريم قائلة :
- انهم جيراني منذ زمن طويل و انا اعرف كرم اخلاقهم و طيبتهم و رعايتهم لمريم طيلة اربع سنوات مضت و لم يرزقوا الا بولد واحد و قد جاؤوا يطالبونني بتبني مريم , كيف اوافق و مريم هي كل ما تبقى لي في الدنيا بعد رحيل ابني الوحيد والد مريم , رفضت طلبهم و طردتهم من بيتي و منعت مريم من رؤيتهم , ماذا تشير علي ان افعل ؟
صمت الرجل طويلا و قد لعب الشيطان بعقله , هذه عجوز طاعنة في السن قد تموت في اية لحظة و لديها بيت يساوي ثروة كبيرة و ليس لها من وريث سوى هذه الطفلة ذات السبع سنين , اذن , لابد من تخويفها و الاستفادة من هذا الموقف , بدأ حديثه بمعاتبة الجدة على عدم تواصلها معهم رغم انهم اهلها و ان عليها ان تعود معه هي و مريم الى مدينتهم التي تبعد عن مدينتها لتقضي
ايامها الاخيرة بين اهلها و تنعم برعايتهم و حبهم هي و مريم ثم اضاف فجأة :
- غريب جدا يا خالتي , الم تسمعي بحوادث خطف الاطفال يوميا ؟ هناك عصابات متخصصة بسرقة الاطفال من المدارس و الشوارع , يخطفون الطفل ثم يتصلون بأهله و يساومونهم على دفع مبلغ كبير من المال لقاء اعادته اليهم و بعد حصولهم على المال يقتلون الطفل المخطوف و يرمونه في اماكن مهجورة ....
صرخت الجدة بصوت يخنقه الرعب :
- كفى ارجوك , يا الهي , سأعرض البيت للبيع فورا و انتقل الى مدينتكم , شكرا لك , شكرا لنصيحتك
سرعان ما انقضى الشهر و تهيأت عائلة احمد للسفر , و رغم محاولاتهم المتواصلة لرؤية مريم و توديعها , رفضت الجدة طلبهم بقوة , و هكذا , عندما تركوا بيتهم متوجهين الى المطار , اقترب احمد من باب بيت الجدة و صرخ باعلى صوته مودعا مريم , سمعت مريم صوته فصعدت الى سطح المنزل و نظرت اليهم من فوق و الموع تنهمر من عينيها بغزارة , لوّحت لهم بيدها الصغيرة تحية الوداع الاخيرة حتى غابوا عن انظارها وهي تبكي .
5
جاء القريب بعد فترة ليشرف على عملية بيع دار الجدة و اتمام معاملة التحويل و غير ذلك ثم استلم مبلغ البيع و اخذ مريم و جدتها الى مدينتهم البعيدة عن المدينة التي نشأت فيها مريم و عاشت اجمل ايام طفولتها , طلبوا من الجدة ان تقيم هي و مريم في ملحق
لدارهم كانت غرفة ملحقة وحمام ومطبخ صغيرجدا كلها لا تتجاوز 30 متر مربع
الى ان يجدو دار مناسبة و اقنع الجدة بان تسمح له باستثمار المبلغ للحفاظ على اموالها و توفير ربح مالي يسد احتياجاتها و تكاليف مريم الدراسية و مستلزماتها الاخرى .
عاشت مريم منطوية على نفسها , كان لقريب جدتها ابنة بنفس عمر مريم لكنها على العكس من مريم تماما حيث كانت دميمة الشكل بلهاء شرسة الطباع , كانت تلك البنت سبب تعاسة لمريم حيث كانت تشاكسها دائما و تحاول منعها من الرسم و تعمد الى سرقة الالوان و تمزيق اوراق الرسم او تشويه الصور التي ترسمها كما ان ام البنت كانت تسخر من مريم و رسومها و تطلب منها القيام باعمال البيت بدلا من ابنتها , كان شعور مريم بالحرمان من حصولها على الالوان و الحرية في رسم الصور اكثر الما و اذى على نفسيتها الطفولية الرقيقة من المعاملة الجافة التي تلقاها منهم .
ذات يوم طلبت الجدة من قريبها مبلغا من المال لكنها فوجئت برده الجاف :
- اي مال تقصدين ايتها العجوز ؟
قالت بحدة :
- ماذا تقصد بقولك اي مال ؟ المال الذي اخذته مني , ثمن منزلي الذي بعته ,
تململ في مقعده محاولا التخلص من هذا المأزق الغير متوقع , قال لها بلهجة ماكرة :
- خالتي الحبيبة , انتي هنا في بيتك و انا و عائلتي نقوم على خدمتك فما حاجتك للمال ؟
ردت عليه بجفاء :
- انا اريد جزءاً من اموالي لحاجتي الها .
قال لها بصوت يشوبه الحزن المصطنع :
- الحقيقة يا خالتي العزيزة لم اشأ ان اصدمك بالخبر المؤلم , التاجر الذي وظفنا عنده اموالك خسر تجارته و هو في السجن الآن , و اذا لم تصدقي ما اقول تعالي معي غدا لتتأكدي بنفسك .
صعقت الجدة من وقع الخبر عليها , لم ترد بأية كلمة او تعليق بل تركتهم و عادت الى غرفتها تندب حظها و تتحسر على ما فاتها , تنبهت اخيرا الى انها كانت ضحية عملية احتيال دنيئة من قريبها هذا و لكن ما العمل و اين تذهب و هي امرأة عاجزة و معها طفلة صغيرة بحاجة الى رعاية و اهتمام متواصلين , اوكلت امرها الى الله و انطوت على آلامها و حزنها .
بعد فترة وجيزة تغيرت احوال عائلة القريب المحتال بشكل مفاجىء , اصبح يرتدي الملابس الفاخرة و اشترى سيارة حديثة كما ادخل ابنته في مدرسة خاصة , الزوجة كذلك بدت مهتمة بزينتها و اشترت الكثير من الملابس الفاخرة و الحلي الذهبية , حتى الاثاث القديم تم استبداله باثاث باهض الثمن , حدث كل هذا التغيير امام انظار الجدة التي كانت تبكي بصمت كي لا يلحظ احدهم حزنها , الزوجة القاسية شددت الحصار على مريم و طالبتها بالانقطاع عن المدرسة لتقوم باعمال البيت مثل اية خادمة اخرى لكن الجدة رغم ضعفها و كبر سنها اقترحت عليها ان تقوم هي باعمال البيت كي تتفرغ مريم للدراسة , لم تحصل مريم على ملابس جديدة ابدا بل كانت الزوجة تعطيها ملابس ابنتها القديمة , رضيت بذلك حبا بمتابعة الدراسة و اشباع رغبتها من الرسم في مدرستها , كانت دائما متفوقة بامتياز على زميلاتها , بعد عودتها من المدرسة كانت تهرع لمساعدة جدتها في اعمال البيت و من ثم تساعد ابنة قريبها في دراستها و في الليل تختلي بنفسها في غرفة جدتها تراجع دروسها بهمة و حماس ثم تختم ليلتها برسم صورة جديدة , كانت تلك الصور تحمل ملامح اطفال و زهور و حدائق جميلة جدا , لكن , كانت الوانها باهتة , اللون
الرمادي و الاصفر الشاحب يغطي معظم مساحة الصورة , اللون الاسود يتكرر في كل صورة , هذا التناقض اثار اهتمام مدرسة الرسم التي حاولت معرفة سر هذه الالوان التي تعكس روحية متألمة لطفلة في عمر الزهور , سألت المعلمة مريم عدة مرات عن ذلك لكن مريم كانت لا تعرف كيف تجيب او تفسر الامر ,
6
( جاهدت مريم بقوة من اجل النجاح في دراستها رغم الضغوط التي كانت تواجهها في بيت قريبها حتى اكملت الدراسة الاعدادية بتفوق , حملت شهادتها و الارض لا تسع فرحتها و انطلقت بها الى جدتها التي انهكها المرض و الحزن و الندم على ثقتها بقريبها الذي اساء لها هو و زوجته بعد ان استولى على اموالها و جعل حفيدتها العزيزة مريم اشبه بالخادمة طيلة هذه السنوات , بعد ان سمعت الجدة نبأ نجاح مريم تحاملت على نفسها و تناست الالم و المرض الذي يأكل جسدها و روحها بصمت و نهضت من فراشها لتحتضن مريم بقوة و تهمس في اذنها :
- ابنتي الغالية , لا ترفعي صوتك , يكفي انني عرفت و شاهدت نجاحك , ان ابنة قريبي و رغم الاموال التي صرفها ابوها على تعليمها كانت نتيجتها الفشل الذريع , لذا فاني اخشى عليك من حقدهم و فشلهم , اصمتي يا ابنتي و دعينا نحتفل انا و انت فقط بهذه البشرى العظيمة ..
لم تجرؤ الجدة على اخبار مريم بما قام به قريبها من عملية احتيال للاستيلاء على اموالها و حرمانها منها بل فضلت الابقاء على هذا الامر سرا تحتفظ به لنفسها حتى يدفن معها خشية على مشاعر مريم من التجريح , طلبت الجدة من مريم ان تغلق باب الغرفة بهدوء و تقفله بالمزلاج تحسبا لدخول احد افراد عائلة قريبها عليهم خلسة , اقفلت مريم الباب و هي مندهشة من تصرفات جدتها , فتحت الجدة بوابة الدولاب الخشبي الصغير الخاص بها و خلعت السلسلة الفضية التي كانت تضعها حول رقبتها فظهر في نهاية السلسلة مفتاح صغير امسكته الجدة باصابع مرتعشة و بدأت تقلب محتويات الدولاب حتى اخرجت صندوقا خشبيا صغيرا مقفلا , حاولت الجدة دفع المفتاح الصغير في فتحة قفل الصندوق الصغير لكن اصابعها خانتها , اخذت مريم المفتاح منها و فتحت الصندوق و قدمته لجدتها , قلبت الجدة محتويات الصندوق و اخرجت منه رزمة اوراق مالية و بعض الاوراق التي تحول لونها الى الاصفر دلالة على قدمها و دفعتها الى مريم قائلة :
- اقرأي محتويات هذه الاوراق
تناولت مريم الاوراق و فتحتها بحذر خوفا عليها من التمزق و التلف , فوجئت مريم بما موجود في تلك الاوراق , كانت عبارة عن عقد شراء ارض ذات مساحة كبيرة في منطقة في مدينتها التي ولدت فيها , قالت الجدة بهمس :
- هذه الارض اشتراها ابوك حين جئت الى هذه الدنيا و جعلها ملكا لك , لا تسأليني لماذا منعتك من رؤية احمد و عائلته , عندما تكبرين و تتزوجين ستعرفين سبب ذلك , احتفظي بهذه الوثائق و لا تعطيها لاقربائي هؤلاء , عليك ان تعودي الى مدينتنا و تكملي دراستك هناك لاني سارحل قريبا و اتركك وحيدة , ابحثي عن الناس الاوفياء المخلصين و ستجدينهم حولك لانك وفية مخلصة , و هذا المبلغ قد ادخرته لكِ عندما تكبري و تستعدي لدخول الجامعة.
كانت الجدة قد عادت الى مدينتها القديمة دون علم مريم لتبحث عن عائلة احمد عسى ان يكونوا قد عادوا من سفرهم لتطلب منهم رعاية مريم و اعادتها الى عائلتهم التي احبتها كثيرا لكن دون جدوى , توفت الجدة بعد شهور قليلة من تخرج مريم من الاعدادية و كأنما كانت تقاوم الموت كي تشهد تخرجها و تطمئن على مستقبلها , بعد وفاة الجدة لم تستطع مريم البقاء في بيت قريبها لذا فقد عادت الى مدينتها القديمة و التحقت بكلية الفنون الجميلة و قدمت طلبا لادارة الجامعة كي توافق على اقامتها في القسم الداخلي للطالبات , بالطبع فرح قريبها جدا لأنه تخلص من مسؤولية اقامتها و نفقاتها , قدم لها مبلغا صغيرا من المال ظنا ً منه انها لا تملك اي مال و كنوع من تأنيب الضمير الذي دفعه للاستيلاء على اموال جدتها لكنها ردته اليه , تعرفت في الجامعة الى صديقة وفية و طيبة جدا اسمها هدى , كانت هدى بمثابة الاخت و الصديقة الحبيبة التي ملأت حياة مريم بالامل و الفرح , تذكرت مريم الوثائق التي قدمتها لها جدتها فأخبرت هدى بأمر الارض التي تملكها عن والدها , كانت المنطقة التي فيها ارضها تقع في مكان بعيد عن مركز المدينة بحيث لم تكن تثير اهتمام احد في حينها غير انها تحولت الى منطقة تجارية اراضيها غالية الثمن جدا بعد مرور سنوات طويلة و ما حصل من توسع في المدينة , قالت لها صديقتها انها ستخبر والدها بالامر ليعطيها رأيه , عندما سمع والد هدى الامر و نتيجة لالحاح ابنته قرر ان يتابع الموضوع شخصيا , اتصل بأحد اصدقائه المتخصصين في مجال العقارات و شرح له الامر فنصحه بالتعاقد مع احد المستثمرين لبناء مجمع تجاري يتقاسمان ارباحه مناصفة على ان يتحمل المستثمر تكاليف البناء و التعمير , هدى نقلت لمريم ما توصل اليه والدها و طلبت منها ابداء رأيها بالامر , وافقت مريم على الفكرة , لكنها طلبت من هدى ان تخبر اباها بانها تريد تخصيص جزء من حصتها في المشروع لبناء مسكن خاص بها و تلحق به قاعة بمساحة مناسبة لتقيم عليها معارض رسومها , نقلت هدى فكرة مريم الى والدها , حاول والد هدى التعرف الى مستثمرين في تلك المنطقة فعثر على مجموعة منهم و اتفق مع احدهم على استثمار الارض وفق الشروط التي تضمن لمريم مطالبها و حقوقها , و هكذا بدأ تنفيذ المشروع , تزامن انتهاء تنفيذ المشروع مع تخرج مريم و هدى من الكلية بحيث تسلمت مريم مسكنها الصغير الجديد و المؤثث بأجمل اثاث من ابو هدى كهدية نجاح في الدراسة . من هنا بدأت مرحلة جديدة في حياتها تحيط بها رعاية عائلة هدى التي عوضتها عن عائلة احمد و لو بشكل بسيط , باشرت برسم اللوحات وبيعها , مذ كانت طالبة , رفضت كل من تقدم لخطبتها , لم تعلم لمَ , لكنها لم تنسَ احمد و اهله ابدا , حاولت ان تجدهم , ذهبت الى حيث كانوا يسكنون مرات عديدة , سألت اهالي المنطقة عنهم لكنها لم تحصل على اجابة شافية . عاشت مريم حياة جميلة نسبيا لم ينقصها شئ وفي احدى الرحلات عندما خرجت مع عائلة هدى في رحلة شاهدت بيت جميل جدا يقع على سفح جبل ويطل على البحر , انه اشبه بقصر الاحلام , احبته كثيرا .. ظلت تفكر به ولكن ابا هدى قال لها يا ابنتي مالك ومال هذا القصر البعيد عن العالم هو كبير للعيش لك و بعيد عن المدينة ولكن مريم اعجبت به جدا , كان ثمنه كبيرا لذا طلبت مريم من هدى ان تقنع ابيها لتبيع باقي املاكها ما عدا المرسم و الملحق لتشتري القصر , وافق ابو هدى مرغما عنه ’ اصبح البيت على حد قول مريم ( قصر الاحلام ) ملكا لمريم و ذهبت مع عائلة هدى اليه ..مكثوا معها لمدة اسبوع لكن ابو هدى كانت لديه التزامات عمل فقرر ان يعود الى بيته و عمله ’ وظف رجلا من المنطقة لحراسة القصر و الاهتمام بمتطلبات مريم ثم ودعوها و عادوا الى بيته .. رسمت مريم اجمل لوحتها التي كانت السبب في شهرتها فنيا , لكنها ورغم حبها لقصر الاحلام شعرت ان هذا القصر اتعب ابو هدى كثيرا لانه كان يتردد عليها كثيرا ليطمئن على احوالها , على اية حال , لم تكن لها تجربة سابقة في هذا الامر حيث قضت عمرها في مساحات صغيرة ..لذالك طلبت من ابي هدى ان يبيع البيت .. المشكلة التي واجهتهم انهم لم يجدوا من يشتري , استمر الوضع مدة طويلة .. في يوم ما , اتصل احدهم وقال ان هناك من يشتري القصر , مريم كانت مشغولة في الاعداد لمعرضها الثاني لذا قال لها ابو هدى انه سيتولى الامر وعند الاتفاق على البيع ستحضر هي للتوقيع و استلام المبلغ واستلام المال شكرته مريم و طلبت ان تبقى هدى معها لكن هدى قالت ان صحة والدها ليست على ما يرام و انها سوف ترافقه كي تتولى السياقة بدلا عنه حين شعوره بالتعب ... ودعوها جميعا و غادروا القصر .. شعور ما استولى روحها مريم فأسرعت خلفهم لمنعهم من السفر , لكنهم كانو قد غادروا ..
كانت تلك المرة الاخيرة التي رأت فيها هذه العائلة الرائعة .. و بعد ساعات قليلة وصلها اتعس خبر سمعته وهو وفاة العائلة اثر حادث في الطريق ...بكت كثيرا و اغمى عليها فنقلوها الى المشفى , بعد ان استفاقت اخبرها الطبيب ان تعرضت لنوبة قلبية حادة كان من الممكن ان تموت على اثرها ... و من يومها و هي تحت رعاية الطبيب
مرت عدة شهور حتى استعادت صحتها وحاولت ان تتأقلم مع الواقع المرير المؤلم ..لم تفكر حتى في قصر الاحلام , لم تفكر حتى بزيارته و لا بيعه , حتى اسمه كان يزعجها و يؤلمها حتى تحول الى اطلال .. و من جهة اخرى , لم يبقى لها سوى المرسم و الملحق التي تعيش به ..لم يفرحها شئ بعد هذا الحادث , كل سلواها هي الرسم , من خلاله تعبر عن مشاعرها المدفونة , كانت تنتظر افتتاح معرض جديد لها كي تتابع نظرات الزوار و ما يفعلون حين يشاهدون اللوحات هناك الكثيرون الذين يتمنون ان يرتبطوا بها , لكن قلبها المريض كان مقفلا تماما و لم يستجيب لاي شخص
يتبع ...