من كتاب المقتبس
سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
فيها تقلب موسى بن موسى القسوي عن الطاعة ، وأعند بتحامل عبدالله بن كُليب عامل الثغر عليه ، ومد يده إلى بعض أمواله ، فأحفظه ذلك وهاج حميته ، وتحرك إلى تُطيله ، وابن كليب داخلها ، فطمع أن ينتهز منه فرصة ، فاحتجز عنه عبدالله بحصانتها ، ولم يؤته حرباً،
واستغاث بالأمير عبدالرحمن فأخرج إليه ابنه محمداً بالصائفة ، وقاد معه محمد بن يحيى بن خالد فاحتل عليه محمد بالجيوش ، فأذعن موسى ، واعترف بالذنب ، وسأل العفو ، فسارع الولد محمد إلى اجابته وتطمينه وإقراره على حاله ، وتقدم بالصائفة إلى بنبلونه فجال بأرضها وأداخها ، ونكأ العدو أبرح نكاية .
***
وركب جيش قرطبة لاستقباله ، فدخل في زي تقتحمه العين وهنا قلة ، وعدم رواء وبهجة وعدد وعده ، فوق فرس دون مراكب الملوك بحلية مختصرة ، سادلاً سمل غفارة إلى ما تحتها من كسوة رثة ، قدامه سبع جنائب من خيل الموالي العامريين صيروها معه للزينة ، دون علم ولا مطرد ، يسير هونا والناس يهنئونه ويصيحون بالدعاء في وجهه .
***
وقد كتبت من وصف ظاهر محاسنه أوان اعتلاقه بقهرمه أميرنا محمد بن جمهور ، وعددت من محاسن خصاله مالم يبعد عن الصدق عنه ، لأخذنا بظاهر ما تموه في العيون وقت بنائه لنفسه ، وتنفيقه لكساده ، من طأة الخلق ، وحسن الاحتمال ، ولين الجانب ، وخفة المواطاة ، وجودة الوساطة ، معرضين فيه عن ذكر ما لم يكن لنا التفات عنه مما في باطنه من نذالة الخيم ، ونطف الصحبة ، وتهمة الخلوة .... وأغرى بذوي الهيئات ، وحملة المروات ، فأزال صوتهم .... وحط أقدارهم .... فارتفع الأمر بالمعروف جملة ، ووسع أهل السلامة الدخول تحت التقية ، فصرنا ممن أخذ بذلك في ذكره فيما كتبناه من ظاهر أخباره مدة ستر الله عليه ، إلى أن أرتفعت بزوال سلطانه ، وامان عدوانه ، ففارقنا الحزم في ذكره ولزمنا العذر عنه بالنقض لما أسلفنا من تقريضه .