من خلال معرفتي المتواضعة عن الغرب بحكم إقامتي فيه، وللإجابة على سؤال حيوي ومهم جداً حول أسباب إحجام الكثير من القراء العرب عن المطالعة، والمقارنة بين المطالعة في العالم العربي وبين الغرب، ودوافعه وعوامل انتشار الكتاب وتزايد عدد القارئين له ؟.
أرى إذا ما أحببت أن أكون صريحاً جداً بعدم وجود أي أوجه للشبه في هذا الموضوع نهائياً ؟.
فنحن في كوكب وهم في كوكب آخر ؟.
1- من ناحية الحرية: (الكتابة في أي شيء وفي أي موضوع وفي كل المجالات) ؟.
حيث لا يتعرض الكاتب إذا ما امتهن الكتابة لأي ضغوط تمنعه من الإخلاص للمبادئ والأفكار الذي يؤمن بها، هذا بالإضافة إلى إنها -أي مهنة الكتابة- هي وسيلة جيدة تضمن الحياة الكريمة لأصحابها، هذا إذا ما لم تنقلهم الشهرة لإبداعاتهم الأدبية إلى القمة.
2- من ناحية الحوافز: ومكانة الكاتب أو الصحفي أو المؤلف ((أو حتى المواطن العادي الذي لا يملك إمكانيات الإبداع والكتابة ولديه قصة يحب أن يرويها هناك من يكتب عنه ويسمونهم (الكتاب الشعبيين))) حيث هم مدعاة احترام وتقدير واهتمام من الإعلام والجماهير على السواء، بل أن بعضهم تفوق شهرته وثروته اكبر مشاهير العالم في مجال الإعلام والفن وأثراهم.
3- الإعلام ودور النشر: ودورهم الكبير جداً في احتضان ونشر الثقافة والكتاب ومبدعيهم.
وعملها الدءوب على حث هؤلاء الكتاب والأدباء على المشاركة في معارضهم الخاصة، والترويج لهم ولإبداعاتهم الأدبية في الأسواق والمكتبات الكبرى والتظاهرات الثقافية الدولية، ومساعدتهم على الانتشار من خلال ترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى ومتابعتهم عن كثب.
حتى إن مهنة الكتابة في الغرب الآن تحولت إلى أسهل الوسائل للثراء والشهرة، بعد أن توسعت الوسائل الإعلامية وارتبط العالم بشبكة هائلة من وسائل الاتصال والمعلوماتية تجعل التعريف بهم والوصول إليهم وإلى شراء أعمالهم أمراً سهلاً.
4- من ناحية التوجيه: الحث على المطالعة من قبل الجهاز التعليمي الرسمي أو الخاص (وذلك بفرض شراء الكتب الأدبية لكبار الأدباء، واعتبار النقاش حول الأديب وعمله مادة أساسية من المواد التعليمية، وذلك بمعدل عشرة كتب على اقل تقدير بالعام الدراسي، مع ما يتبعه من فتح أفاق الطلبة على عالم المطالعة والكتاب، وتسهيل نشر الكتاب وبيعه)
5-من ناحية الثمن: ثمن الكتاب أو المجلة أو الجريدة مقارنة بالدخل حيث لا يشكل عبئاً أو عائقاً لأي كان ((على سبيل المثال توزع وزارة التربية في فرنسا وكل عام على طلاب الإعدادية والثانوية لديهم بطاقة اعتماد مالية بقيمة خمس وسبعون "أرو" وللجميع بدون استثناء وذلك لشراء المطبوعات فقط خاصة تلك التي يطلبها المدرس منهم وعادة يكون ثمن الكتاب بين ثلاثة إلى خمسة "أرو" (اقل من ثمن علبة تبغ، للمقارنة فقط) وهذه نوع من المساهمة على نشر الكتاب))
6- دور الأهل: كمثال يحتذي به من قبل الأبناء ودور وجود مكتبة في المنزل، حيث تكون المكتبة المنزلية هي أول لبنة حب وإعجاب ولقاء بين الطفل والكتاب، هذا بالإضافة إلى وجود أبوين قارئين له منوعين لعناوينه.
7- دور المجتمع الذي يحيط بنا: حيث أن التناقض في هذا الموضوع مع الغرب كبير وواضح فأنت لا تجد شخصا ما في المترو أو الطائرة أو حتى بالأتوبيس بدون كتاب جيب أو مجلة أو جريدة، هذا إذا تجاوزنا وجود من لا يقرأ في الأماكن العامة والحدائق والمنتزهات والمقاهي وعلى الشاطئ أثناء العطلة، بحيث يصبح هو من يثير الشبهة.
وأنا اتفق مع الكثيرين ممن غمسوا ريشتهم وكتبوا في موضوع السخرية ممن يمسك كتاب ويقرأ في الأماكن العامة... وقد تعرضت لهذا عندما كنت في إجازة في سوريا، وكنت أواجه بنظرات استغراب، ولكن أنا لست ممن يضم الكتاب ويخبئه، لأن لدي فلسفة مفادها هي بتعويد المحيطين بنا على وجود من يقرأ حتى يصبح الأمر شائعا.
طبعاً أنا حاولت قدر المستطاع الاختزال في طرح مشكلة كبيرة ألا وهي المطالعة في العالم العربي، وأظن بأن كل نقطة من النقاط التي طرحتها للمقارنة مع الغرب وهي سبب في تأخرنا وإحجامنا عن المطالعة، تحتاج لعشرات الصفحات لتبيانها، وأنا تحاشيت الإطالة حتى لا يهرب القراء، فأكون قد ساهمت عن غير قصد في الإحجام عن المطالعة لأن الإطالة هي احد أسبابها.
الإستاذ يحيى الصوفي