بثينة الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 18/02/2012 العمر : 68 البلد /المدينة : النمسا / فيينا
| موضوع: أبولودوروس الدمشقي والعمارة الهادريانية 4 11/8/2014, 21:36 | |
| أبولودوروس الدمشقي والعمارة الهادريانية يؤكد المؤرخ الروماني كاسيو ديوني أن نفوذ أبولودوروس في روما وشهرته قد بدأتا بالتراجع مع وفاة تراجان عام 117م. وتوحي المعلومات التاريخية أن علاقة أبولودوروس مع الإمبراطور الجديد هادريان كانت سيئة للغاية، وكان يوجه انتقادات لاذعة إلى تصميمات هادريان المعمارية ما أدى إلى توتر العلاقات بين الرجلين، وصولاً إلى نفي أبولودوروس وقتله.إلا أنه يمكن للباحثين أن يجدوا بصمات أبولودوروس في الكثير من المشاريع التي قام بها هادريان في فترة حكمه الأولى والتي تم تشييدها في روما ومنها: القوس التذكاري الواقع في وادي الكولوسيوم (كرس فيما بعد لقسطنطين الكبير) بالإضافة إلى مساهمته شبه المؤكدة في مبنى البانثيون وفيلا هادريان.ففي قوس وادي الكولوسيوم تم الوصول إلى إثباتات تؤكد أن عملية تشييده تمت في فترة هادريان وبمشاركة أبولودوروس الشخصية في أعمال التصميم والبناء ما تؤكده العناصر التالية: عملية تنظيم المنطقة الواقعة بين هضبة فيليا ووادي الكولوسيوم، إلى جانب التشابه في الطراز الفني المستخدم في عملية نحت الأطباق الدائرية التي عثر عليها في القوس وفي منحوتات عامود تراجان.وفي حالة البانثيون، ورغم أن الشكل الهندسي الشبيه بالباروك الكلاسيكي يتناقض مع أفكار أبولودوروس، إلا أنه يتشابه في نفس الوقت مع بعض الأعمال التي صممت من قبله من سوق ومحفل تراجان الإمبراطوري.فيلا هادريانا في تيفولي أما في فيلا هادريان فالعناصر التقنية التي تدل على حضور أبولودوروس تفوق العناصر المعمارية، خاصة في نظام القنوات المائية ونظام السراديب، فهذا النوع من الأعمال لم يكن باستطاعة الجميع القيام به في تلك الفترة، بل إن الشخص الوحيد الذي كانت لديه المقدرة الفنية والتقنية للقيام بها كان أبولودوروس. قوس هادريان في وادي الكولوسيوم
يمثل هذا القوس التغيرات التي حصلت عليه في فترة الإمبراطورية المتأخرة (أي في عهد قسطنطين). فقد قام هادريان بتشييد هذا القوس في واحدة من أهم مناطق روما، فهو يقع فوق شارع تريومفاليس وفي بداية شارع ساكرا والذي يقع على مرتفعات تشيلو ومرتفع بالاتينو، ومن هذا المكان تم تقسيم مدينة روما إلى مقاطعات بأمر من الإمبراطور أغسطس.
الواجهة الجنوبية لقوس وادي الكولوسيوم وهو قوس ذو ثلاثة فتحات بني بألواح مربعة من الرخام على قاعدة غير عميقة وذلك لأن النظام المعماري كان نظاماً زخرفياً أكثر من أن يكون معمارياً فقد تم لصق العناصر المعمارية عليه. ثم أعيد بناء شرفة القوس بالكامل في القرن الرابع الميلادي حيث حدث تغيير في التقنية المعمارية التي كانت مستخدمة من قبل. وقد كان هادريان يفضل النظام الزخرفي البسيط الذي يطبق على مساحة صغيرة وغير معقدة، وهذا ما نشاهده في زخرفة هذا القوس، فبقيت القباب والرفوف على وضعها الأصلي دون أي تعديلات في القرن الرابع.أدى اختيار وادي الكولوسيوم لتشييد هذا القوس إلى إعطاء أهمية لساحة الكولوسيوم بمجملها، وقد تم نقل تمثال نيرون هيليوس الضخم من مرتفع إلى أمام مسرح الكولوسيوم وتم توجيه القوس باتجاه النواة المعمارية لهذه الساحة التي اكتسبت أهمية مضاعفة. ومن المعروف تاريخياً أن أبولودوروس الدمشقي هو من أشرف على عملية نقل تمثال نيرون شخصياً، وهو تمثال مصنوع من مادة البرونز يصل ارتفاعه إلى 35 متراً، وهي عملية صعبة بالمقاييس الحالية. كما تدل الزخرفة على الأقواس والشبيهة بأعمال عامود تراجان أن النحاتين والحرفيين والمهندسين الذين عملوا في العامود هم أنفسهم من أنجزوا هذه الأقواس. أبولودوروس والبانثيون تم تشييد بناء البانثيون (مجمع الأرباب) لأول مرة عام 27 ق.م. من قبل فيبسانيو أغريبا (63ق.م-12ق.م). واختير موقعه في محفل مارسيو (الذي يكان يقيم فيه الجيش الروماني)، وهو موقع ارتبط بأسطورة بناء روما. وتوجد على واجهة البانثيون كتابة تذكارية تؤرخ بناء معبد أقدم منه، هو المذكور سابقاً. وقد استخدم المعبد لإقامة الشعائر والطقوس الدينية وقد تم توجيهه باتجاه شمال – جنوب. اكتملت عملية بناء المعبد في عام 25 ق.م. إلا أنه أصيب بصاعقة ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة به، وفي عام 80م تعرض لحريق أدى إلى تهدمه بشكل كامل فأعيد بناؤه على يد الإمبراطور دوميتيان، لكنه أصيب بحريق نتيجة الصاعقة التي ضربته في عام 110م خلال فترة حكم تراجان. وقد أعيد بناء البانثيون من جديد وكرس نهائياً في عهد هادريان ويعتقد أن بناءه استمر في الفترة بين عامي 120-124م. وأعيد ترميمه لاحقاً في عهد سبتيموس سيفيروس عام 202م وكاراكلا خلال فترة حكمه.
مبنى البانثيون في روما إن معبد البانثيون هو أهم المعابد الرومانية المستديرة الباقية، وأكثر المباني الدينية الرومانية روعة في كثير من الوجوه، وهو يتألف من جسم مستدير قطره 43.80م مكون من جدار من الكونكريت المصفّح بالآجر سماكته ستة أمتار تقريباً. وتعلو جسم المعبد قبة رحيبة بلا رقبة ارتفاعها 83م وقطرها مثله، وهي أكبر القباب في العالم القديم. وللقبة في ذروتها فتحة مستديرة قطرها 8.5م. ولمدخل البانثيون 16 عموداً باسقاً وجبهة مثلثة. وعند هذا المدخل يداخل المرء شيء من الثقل، لكن ما إن يصل إلى الداخل حتى يحس بالرحابة والامتداد، والنور يتدفق من القمة فيجعل كل شيء مجسماً.إن الدراسات العلمية الحديثة تشير إلى أن جزءاً من عملية بناء البانثيون قد تمت قبل عام 118م، أي في عهد تراجان، ويشير الباحثون أن تقييم ما يحتاجه هذا المشروع الضخم من وقت لتصميم البناء وتشييد أساساته وحل كافة مشكلات التصميم والتشييد، فإنه من المرجح أن تكون عمليات البدء بتشييد البناء قد انطلقت بعد حصول نكبة عام 110م مباشرة، ومن المرجح أن بناء المنطقة العليا من الجدران قد تم قبل عام 118م، أما عملية تسقيفه بالقبة فقد تم بالفترة الواقعة بين عامي 123م و125م. وهنا تحضر صورة المصمم والمهندس والمعماري الكبير أبولودوروس كمحتكر لتصميم أبنية تراجان الضخمة، ويصبح من الصعب عدم التفكير في كونه المصمم الحقيقي لهذا البناء. ويصب في صالح هذا التفسير نقطتان رئيسيتان: الأولى، أن من أشرف على إنجاز هذه العمارة هو مهندس قدير لا بد أن يكون ذائع الصيت في ذلك الزمن، فإن لم يكن أبولودوروس فمن هو؟؟ والثانية هي التشابه الكبير الموجود في حالتي البانثيون والمحفل التراجاني، والتي تشير إلى المصمم والمنفذ واحد، هو على ما يبدو أبولودوروس الدمشقي، بأسلوبه الذي يشير وولف ديتر هايلماير (العالم الألماني) أنه يمزج بين العظمة والبساطة والوضوح، وهو أسلوب يعتمد على العناصر الأفقية والعمودية وزخارف معمارية تنزع إلى أشكال عهد أوغسطس وكلها أشياء تبدو واضحة المعالم في البانثيون. أبولودوروس وهادريان واختلاف الفلسفة المعمارية يثور جدل بين الأثريين والمؤرخين حول التنافس الذي كان سائداً بين كل من المعماري أبولودوروس والإمبراطور هارديان، ففيما كان أبولودوروس من أنصار التفكير الكلاسيكي في الفن والعمارة، يسود الاعتقاد أن هارديان كان من الرافضين لمثل هذا التفكير، وينقل المؤرخ كاسيو ديوني حواراً يظهر الخلاف بين الرجلين حول ما يعرف بالقباب الشمسية، أو القباب «القرعية»، حيث يسخر أبولودوروس من هادريان قائلاً له: «اذهب لرسم قرعاتك، فأنت لا تفهم شيئاً من هذه المشاكل»، تلك كانت إجابة أبولودوروس عندما استشاره هادريان في رسومات قام بها لمعبد الحورية في روما.مبنى البانثيون في روما إن هذا النقاش وغيره مما لا نعرف، ولد اختلافاً شديداً في الرأي وطرق التصميم المعماري بين أبولودوروس من جهة، وهادريان ومهندسيه من جهة أخرى (مثل ديكريانوا الذي لم يكن مصمماً أو معمارياً إنما مهندساً تقنياً ناجحاً في حل بعض المشاكل الفنية المعقدة مثل نظام الري في الفيلا أو غيرها).الحقيقة أن لا دليل على أن هادريان قد أعدم أبولودوروس، فهذا الخبر يعود إلى الفترة البيزنطية نقلاً عن جوفاني أكسفيلينو (ومصادره غير مثبتة)، إلا أن الخلاف على ما يبدو قد تصاعد بين الرجلين في فترة بناء قبة البانثيون، وربما يفسر هذا إنجازها على شكل مخالف لفلسفة أبولودوروس في هذا المجال.خاتمة تبقى شخصية هذا العبقري مثار جدل وحوار، جدل حول حياته وتفاصيلها التي تحتاج المزيد من إلقاء الضوء – وهو أقل حقه علينا – وحوار حول إبداعاته التي أسهمت في إعمار أهم ما بقي من روما سيدة العالم طوال ألف سنة، وهي الإسهامات التي ينظر إليها العالم اليوم بمزيج من الانبهار والمتعة والتعجب. إن الدور الذي لعبه هذا المشرقي المبدع في قلب روما عاصمة الغرب المتحضر آنذاك، ليدل على مدى عمق الجدل التاريخي بين جناحي الحضارة الإنسانية، جدل لا يمكن لها أن تستمر بدونه.المراجع1- كتاب عن ندوة «بين دمشق وروما: عمارة أبوللودور في الثقافة الكلاسيكية»، برعاية صاحبي الفخامة رئيسي الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإيطالية، وبالاشتراك مع: وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية- المديرية العامة للآثار والمتاحف- وزارة الشؤون الخارجية بالجمهورية الإيطالية، السفارة الإيطالية في دمشق- المعهد الثقافي الإيطالي، جامعة روما الثالثة للدراسات، بإشراف: فيوريلا فييستا فارينا، جوليانا كالكاني، كوستانتينو ميوتشي، ماريا ليتيتسيا كونفورتو، عمرو العظم، بين 20 كانون الأول 2001 – 20 كانون الثاني 2002 في خان أسعد باشا بدمشق، نشر: دار ليرما، بقلم عدنان البني ومجموعة من العلماء الإيطاليين، ترجمة: مهدي النمر، وخليل عبد الهادي. 2- الموسوعة العربية، المجلد الأول، أبولودوروس الدمشقي، تأليف: عدنان البني.إعداد: محمد رفيق خضور اكتشف سورية | |
|