بدايةالنهايةيبدأ الأمير سياسة جديد في حركته، إذ يسارع لتجميع مؤيديه من القبائل،ويصير ديدنه الحركة السريعة بين القبائل ولما أراد الاستعانة بشيوخالطريقة التيجانيّة في طرد الفرنسيين، رفضوا الانخراط في جيشه، تمشيّاً معروح صوفيّتهم التي تأبى التدخل في السياسة، فقام بعدّة حملات على مركزالتيجانيّة في (عين ماضي) التي قاومت هذه الحملات.غدر به الفرنسيّون سنة 1251/1835 وخرقوا معاهدة (دي ميشيل) وحاولواالتفريق بينه وبين رجاله، ولكنهم باؤوا بالفشل، واستخدموا أسلوب الحربالتخريبيّة، بتدمير المحاصيل الزراعيّة، وتدمير المدن الرئيسيّة، وأقصوهبعد أربع سنوات من النضال، إلا أنه لم يستسلم، والتجأ مع إخوانه إلى مراكشسنة 1259/1843 ثم عاد إلى الجزائر، وقاد حركة الأنصار.هزم بالخيانة شأن كل معارك المقاومة في العالم الإسلامي، فهاجمته العساكر المراكشيّة من خلفه(كلام يحتاج إلى مصادر!! في الحقيقة, الأمر يتعلق بسكان محليين قبلواالتواطئ مع المستعمر شأنهم شأن من تواطئوا من المحليين مع الفرنسيين منقبل عند نقضهم لاتفاقية "دي ميشيل" في عام 1834)، فرأى من الصواب الجنوحللسلم، وشاور أعيان المجاهدين على ذلك، وأسره المحتلون سنة 1263/1847وأرسلوه إلى فرنسا، حيث أهداه نابليون الثالث سيفاً ورتب له في الشهرمبلغاً باهظاً من المال، وسمح له بالسفر إلى الشرق سنة 1268/1852 فتوجّهإلى الآستانة وحصل له الإكرام والاحتفال من خليفة المسلمين السلطان عبدالمجيد، وأنعم عليه بدار في مدينة بروسة، ثم استوطن دمشق، بعد تواليالزلازل على بروسة، سنة 1271/1855 فكان يقضي أيامه في القراءة والصلاةوحلقات العلم، وجمع مكتبة ضخمة، واشتهر بالكرم ولطف المعشر، وحب العلموأهله
الأميرالأسيرظل الأمير عبد القادر في سجون فرنسايعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م ثم استدعاه نابليون الثالث بعدتوليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاءفرنسا، ويتناول الأمير كافة الشؤون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثارإعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعي الأمير لكي يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًاله، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. توقف في إسطنبول حيث السلطان عبد المجيد، والتقى فيها بسفراء الدول الأجنبية، ثم استقر به المقام في دمشقمنذ عام 1856 م وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس فيالمسجد الأموي كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسة الأشرفية، وفي المدرسةالحقيقية.
وفاتهوافاه الأجل بدمشق في منتصف ليلة 19 رجب 1300 هـ / 23 مايو 1883 عن عمر يناهز 76 عاما، وقد دفن بجوار الشيخ ابن عربي بالصالحية بدمشق لوصية تركها. وبعد استقلال الجزائر نقل جثمانه إلى الجزائر عام 1965 ودفن في المقبرة العليا وهي المقبرة التي لا يدفن فيها الا رؤساء البلاد.
الأمير عبد القادر وتأسيس دولتهساحة الأمير عبد القادر في الجزائر العاصمة
مقام الأمير عبد القادر في معسكر
مقام الأمير عبد القادر بساحة أول نوفمبر في وهران
عندما تولى عبد القادر الإمارة كانت الوضعية الاقتصادية والإجتماعيةصعبة، لم يكن له المال الكافي لإقامة دعائم الدولة إضافة، كان له معارضونلإمارته، ولكنه لم يفقد الامل إذ كان يدعو باستمرار إلى وحدة الصفوف وتركالخلافات الداخلية ونبذ الأغراض الشخصية...كان يعتبر منصبه تكليفا لاتشريفا.وفي نداء له بمسجد معسكر خطب قائلا:«اذا كت قد رضيت بالامارة،فانما ليكون لي حق السير في الطليعة والسير بكم في المعارك في سبيل”الله“...الإمارة ليست هدفي فأنا مستعد لطاعة أيّ قائد آخر ترونه أجدرمنّي وأقدر على قيادتكم شريطة أن يلتزم خدمة الدّين وتحرير الوطن»منذ الايام الأولى لتولّيه الإمارة كتب بيانا أرسله إلى مختلف القبائلالتي لم تبايعه بعد، ومن فقرات هذا البيان أقوال منها: «بسم الله الرحمنالرحيم:والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... إلىالقبائل...هداكم الله وأرشدكم ووجّهكم إلى سواء السبيل وبعد... إن قبائلكثيرة قد وافقت بالإجماع على تعييني، وانتخبتني لإدارة حكومة بلادنا وقدتعهدت أن تطيعني في السرّاء والضرّاء وفي الرخاء والشدّة وأن تقدّم حياتهاوحياة أبنائها وأملاكها فداء للقضية المقدّسة ومن اجل ذلك تولينا هذهالمسؤولية الصعبة على كره شديد آملين أن يكون ذلك وسيلة لتوحيد المسلمينومنع الفُرقَة بينهم وتوفير الامن العام إلى كل اهلي البلاد، ووقْف كلالاعمال الغير الشرعية...ولقبول هذه المسؤولية اشترطنا على اولئك الذينمنحونا السلطة المطلقة الطاعة الدائمة في كل أعمالهم إلتزاما بنصوص كتابالله وتعاليمه..والأخذ بسنّة نبيّه في المساواة بين القوي والضعيف، الغنيّوالفقير لذلك ندعوكم للمشاركة في هذا العهد والقد بيننا وبينكم...وجزاؤكمعلى الله ان هدفي هو الإصلاح ان ثقتي في الله ومنه ارجو التوفيق»إن وحدة الأمة جعلها الامير هي الأساس لنهضة دولته واجتهد في تحقيق هذهالوحدة رغم عراقيل الاستعمار والصعوبات التي تلقاها من بعض رؤساء القبائلالذين لم يكن وعيهم السياسي في مستوى عظمة المهمة وكانت طريقة الامير فيتحقيق الوحدة الوحدة هي الاقناع اولا والتذكير بمتطلبات الايمان والجهاد،لقد كلفته حملات التوعية جهودًا كبيرة لان أكثر القبائل كانت قد اعتادتحياة الاستقلال ولم تالف الخضوع لسلطة مركزية قوية. بفضل ايمانه القويانضمت اليه قبائل كثيرة بدون أن يطلق رصاصة واحدة لاخضاعه بل كانت بلاغتهوحجته كافيتين ليفهم الناس اهدافه في تحقيق الوحدة ومحاربة العدو، لكنعندملا لا ينفع أسلوب التذكير والإقناع، يشهر سيفه ضدّ من يخرج عن صفوفالمسلمين أو يساعد العدوّ لتفكيك المسلمين، وقد استصدر الأمير فتوى منالعلماء تساعده في محاربة اعداء الدّين والوطن.كان الأمير يرمي إلى هدفين:تكوين جيش منظم وتأسيس دولة موحّدة، وكانمساعدوه في هذه المهمة مخلصون..لقد بذل الأمير وأعوانه جهدًا كبيرالاستتباب الأمن، فبفضل نظام الشرطة الذي أنشأه قُضِي على قُطّاع الطرقالذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدّون على الحرمات، فأصبح الناسيتنقّلون في أمان وانعدمت السرقات.ولقد قام الأمير بإصلاحات إجتماعيةكثيرة، فقد حارب الفساد الخلقي بشدّة، ومنع الخمر والميسر منعًا باتا ومنعالتدخين ليبعد المجتمع عن التبذير، كما منع استعمال الذهب والفضة للرّجاللأنّه كان يكره حياة البذح والميوعة. قسّم الأمير التراب الوطني إلى 8وحدات
مليانة، معسكر، تلمسان، الأغواط، المدية، برج بو عريريج، برجحمزة(البويرة)،بسكرة، سطيف)،كما أنشأ مصانع للأسلحة وبنى الحصونوالقلاع(تأقدمات، معسكر، سعيدة) لقد شكل الأمير وزارته التي كانت تتكونمن5 وزارات وجعل مدينة معسكر مقرّا لها، واختار أفضل الرجال ممّن تميّزهمالكفاءة العلمية والمهارة السياسيةإلى جانب فضائلهم الخلقية، ونظّمميزانية الدولة وفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد، كما إختار رموزالعلم الوطني وشعار للدولة(نصر من الله وفتح قريب).
مؤلفات الأمير عبد القادرلم يكن الأمير عبد القادر قائدا عسكريا وحسب، ولكن له مؤلفات وأقوالكبيرة في الشعر تبرز إبداعه ورقة إحساسه مع زوجه في دمشق ومكانته الأدبيةوالروحية. وله أيضا كتاب "المواقف" وغيره. وقد ألف في بروسة (تركيا) أثناءإقامته بها) رسالة "ذكرى العاقل وتنبيه الغافل" عبارة (رسالة إلىالفرنسيين)، وهو كتاب موجه لأعضاء المجمع الآسيوي بطلب من الجمعية، وذلكبعد أن منحه هذا المجمع العلمي الفرنسي قبل ذلك بقليل العضوية فيه. وكانتاريخ تأليف الرسالة في 14 رمضان 1271 / 1855م ، ثم ترجمها الفرنسي"غوستاف ديغا" إلى لغته في عام 1858 وهو القنصل الفرنسي بدمشق آنذاك.يحتوي الكتاب على ثلاثة أبواب (في فضل العلم والعلماء) وبه تعريف العقلوتكملة وتنبيه وخاتمة، و(في إثبات العلم الشرعي) يتحدث فيه عن إثباتالنبوة واحتياج كافة العقلاء إلى علوم الأنبياء.. وفصل ثالث (في فضلالكتابة).
.